أهنئكم يا أخوتي جميعا بعيد القيامة المجيد, أعاده الله علينا جميعا بالخير والبركة, وعلي بلادنا العزيزة في سلام واستقرار وأمان, بعون من الله صانع الخيرات كل حين... وأريد اليوم أن أحدثكم عن القيامة. وأقصد بها بلا شك قيامة الأجساد. لأن الأرواح حية بطبيعتها لا تموت. وبالتالي ليست في حاجة إلي القيامة.
هذه الأجساد التي بالموت تحولت إلي تراب, ستعود بالقيامة إلي الحياة. وكما سبق الله وخلقها من التراب, ومنحها الوجود, هكذا أيضًا من التراب يعيدها إلي الحياة. ثم بعد ذلك يجعلها تتحد بأرواحها. ويقف الجميع أمام الله العادل, في يوم القيامة العامة أو يوم البعث. وذلك لكي يقدموا حسابا عما فعلوه في الحياة الدنيا خيرًا كان أو شرًا. إنه يوم الدينونة الرهيب. يتلوه المصير الأبدي لكل البشر. إما في النعيم الأبدي أو في العذاب.
إن قيامة الأجساد لاشك معجزة, أي قد يعجز العقل عن فهمها وكيف تتم؟! وذلك فإن الملحدين وأنصاف العلماء قد يصنعون عراقيل أمام القيامة وإمكانيتها. وبالعكس فإن المؤمنين يؤمنون بالقيامة, لإيمانهم بقوة الله وإرادته وعلمه. فمن جهة الإرادة, الله يريد للإنسان أن يقوم من الموت, وقد وعده بحياة الخلود, وذكر القيامة. وما بعدها بكل وضوح وصراحة, ومن جهة المعرفة والقدرة, فإن الله يعرف أين توجد عناصر هذه الأجساد التي تحللت, وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكيلها وتركيبها. والله جل جلاله, هو كلي القدرة يقدر علي كل ما يخص القيامة.
ولا شك أن عملية قيامة الأجساد هي أسهل بكثير من خلقها. فالله الذي خلقها من التراب, هو قادر علي أن يعيدها إلي الحياة. من التراب أيضًا. بل أعمق من هذا, هو خلق الأجساد من العدم. لأن التراب- قبل أن يكون ترابًا- كان عدمًا. ومن هذا العدم خلق الله كل شيء. فهل كثير عليه إذن أن يقيم أجسادًا من التراب؟! لذلك فإن الذين ينكرون القيامة أو يستصعبونها, إنما في داخلهم ينكرون دون أن يشعروا بقدرة الله الذي يخلق من العدم.
والقيامة إذن لازمة من أجل كرامة الجنس البشري. فلولاها لكان مصير جسد الإنسان مصير أجساد الحيوانات التي تموت فينتهي وجودها بموتها؟! فما هي إذن ميزة هذا الكائن البشري العاقل الناطق الذي أنعم الله عليه بموهبة التفكير والاختراع, والقدرة علي أن يصنع مركبات الفضاء التي توصله إلي القمر, وتدور به حول الأرض وترجعه إليها, وقد جمع معلومات عن الكون لا نعرفها... هذا الإنسان الذي اخترع الـMobilePhone, والكمبيوتر والفيس بوك واختراعات طبية وعلمية كثيرة... هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب يئول مصيره إلي مصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام؟! إن العقل لا يقبل شيئا من هذا كله.
والقيامة أيضا ضرورة تستلزمها عدالة الله وذلك من ناحيتين: من جهة الروح والجسد, ومن جهة أحوال الناس علي الأرض.
فمن جهة الروح والجسد, نقول إن الإنسان علي الرغم من خلقه في طبيعتين. طبيعة روحية وأخري مادية, إلا أنهما اتحدتا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية, يشترك فيها الجسد والروح معا. فالجسد ينفعل بحالة الروح, بفكرها ومشاعرها ونياتها: الروح تهاب الله وتخضع له, فينحني الجسد تلقائيا. الروح تحزن, فتبكي العين في الجسد, وتظهر ملامح الحزن علي الوجه. الروح تفرح, فتظهر الابتسامة علي الوجه. الروح تخاف, فيرتعش الجسد, ويظهر الخوف في ملامح وجهه.
إنها شركة في كل شيء. ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها, أو الجسد وحده. بل يتحملها الاثنان معا. وهكذا لا بُد أن يقوم الجسد, ويتحد بها.
ولو لم تكن هناك قيامة, يتمادي الناس في ملاذ الحياة الدنيا, وفي شهواتها وفسادها, غير عابئين بما يحدث فيما بعد. أما الإيمان بالقيامة, فإنه رادع الناس, إذا يؤمنون أن العدل سيأخذ مجراه في الحياة الأخرى.
القيامة أيضا لازمة لأجل التوازن: ففي الأرض ليس هناك توازن بين البشر: ففيها الغني والفقير, السعيد والتعيس, المتنعم والمعذب. ما دام التوازن غير موجود علي الأرض, فمن اللائق أن يوجد في السماء. ومن لم ينل حقه علي الأرض, يمكنه أن يناله في السماء, ويعوضه الرب علي ما فاته في الدنيا, إن كان بارًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كذلك هناك تعويض آخر في السماء لا يأتي إلا بالقيامة, فعلي الأرض يوجد عميان, ومعوقون, ومشوهون, وأصحاب عاهات, وكل الذين لم تنل أجسادهم حظا من الجمال أو من الصحة أو من القوة. فمن العدالة أن تقوم أجسادهم في اليوم الأخير بلا عيب. ويعوضها الله عما قاسته من نقص.
القيامة أيضا معجزة جميلة تقدم الحياة المثالية في العالم الآخر. فالإنسان المثالي الذي بحث عنه ديجول الفيلسوف ولم يجده, والذي فكر العلماء كيف, هذا الإنسان المثالي الذي يسمونه SuperMan تقدمه لنا القيامة في العالم الآخر, في عالم ليست فيه خطية علي الإطلاق, ولا يوجد فيه حزن ولا بكاء, ولا فساد, ولا ظلم, ولا عيب ولا نقص, إنه عالم الأبرار الذين كافأهم الله عز وجل...
القيامة هي أيضا معجزة مفرحة لأنها باب الأبدية: نعلن بها نهاية الموت. أن نقول إن الموت قد مات بالقيامة, إذ لا موت بعدها. ويدخل الإنسان في الحياة التي لا تنتهي, أعني الحياة الأبدية, حياة الخلود, التي هي حلم كل إنسان علي الأرض. ومن أجلها يضبط نفسه, ويقاوم الخطية, ويفعل البر, لكي يستحق هذا الخلود المملوء فرحا.
أخيرا, ببركة القيامة السعيدة المجيدة, أرجو لبلادنا العزيزة كل خير. ولتكن مصر علي الدوام بلدا للسلام والاطمئنان والأمان. وليبارك الرب شعبها واقتصادها وعلاقاتها.
نص عظة قداسة البابا
الأنبا شنودة الثالث في الكاتدرائية الكبرى بالعباسية ليلة يوم عيد القيامة
الموافق السبت 23-4-2011 عن أهمية قيامة الأموات
(وهي نفس المقالة المنشورة في جريدة الأهرام اليوم التالي)
قيامة الأموات في منتهى الأهمية، لأنه لو كان الإنسان لا يقوم من الموت إذًا فقد شابه الحيوانات التي تموت وتبيت ولا تقوم مرة أخرى. من غير المعقول أن هذا الإنسان الذي هو المخلوق الأرضي الوحيد الناطق العاقل الذي وهبه الله مواهب كثيرة، حتى أنه أستطاع أن يخترع سفن فضاء تصعد إلى القمر وتدور حول الأرض وترجع، واستطاع أيضًا أن يخترع الكمبيوتر، والفيس بوك، والموبيل فون، بحيث يستطيع الإنسان وهو سائرً بعربته أن يتكلم مع بلد على بعد 20 ساعة بالطائرة، وأن يحتفظ معه بالكتب التي يريدها داخل هذا الموبايل فون. هل معقول أن هذا الإنسان العجيب ينتهي به الأمر أنه لا يقوم من الموت مثله مثل الحشرات والهوام؟! ولكن القيامة أصبحت ضرورة.
هذه القيامة أيضًا ضرورة لأن بها يصل الإنسان إلى الحياة الأخرى فلا تكون حياته على الأرض فقط ولكن له حياة أخرى في السماء، وهذه الحياة هي باب الأبدية التي لا تنتهي. والله قد وعد هذا الإنسان بالخلود فلا بد أن يقوم من الأموات.
القيامة سهلة وممكنة لأنه إذا كان الله قد خلق الإنسان من تراب، فالجسد بعد أن يموت ويتحول إلى تراب ممكن أن يعيده الله، يعيد نفس التراب إلى الحياة، بل التراب قبل أن يكون ترابًا كان عدمًا، والله من العدم خلق التراب ومن التراب خلق الإنسان.
فهذه القوة العجيبة التي لله جل جلاله، ممكن بها من التراب أن يعيده مرة أخرى إلى الحياة. والله يعرف مكونات الجسد أين ذهبت ويستطيع أن يجمعها مرة أخرى ويعيد تشكيلها لتعود إلى الحياة.
أول نقطة في العدل أن الله خلق الإنسان من روح وجسد، والروح صعدت إلى خالقها، فهل يبقى الجسد مدفونًا في التراب، بينما الروح والجسد كانا شريكين معًا في كل شيء؟! إذا الروح تخشعت ينحني الجسد ويركع ويسجد، إذا الروح حزنت يظهر بكاء الجسد في عينيه، وفي ملامح وجهه، وإذا الروح فرحت يظهر هذا في ملامح وجه الإنسان وفي ابتساماته، إذًا الجسد والروح اشتركا معًا في الحياة فلا يصح أن الروح وحدها تتمتع بالسماء والجسد لا يتمتع. لهذا رأى الله في عدله أن يقوم الجسد ويتحد بالروح ويقف الاثنان أمام عدل الله لإعطاء حسابًا عن كل ما فعلوه بالجسد.
أيضًا لا بد من القيامة لعمل توازن. ما هو هذا التوازن؟ في الأرض كان يوجد الفقير والغني والمنعم والتعيس والجميل وفاقد الجمال. فهل يظلون هكذا؟ وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. عدل الله يقتضي أن يعوضهم في السماء فلا يحيوا على الأرض في بؤس ويستمر الأمر هكذا.
كذلك في الأرض عميان ومعوقون ومشوهون ومن لا جمال لهم. هؤلاء أيضًا بالقيامة يعوضهم الله في السماء.
ومن هنا نرى أن الحال في السماء يتغير تمامًا. فمثلًا، الإنسان المثالي الذي كان العلماء يبحثون عنه والذي بحث عنه ديوﭼين الفيلسوف بمصباحه ولم يجده، السوبرمان superman، هذا من أفراح القيامة أن يوجد هذا السوبرمان. أقصد أن الإنسان في القيامة لا يجوع ولا يعطش ولا يمرض ولا يحزن ولا يمرض ولا يكون فيه أي عيب أو أي نقص. يصبح مثاليًا في كل شيء ونحن ننتظر هذه الصورة.
القيامة شرف للإنسان، أن يكون له الخلود بعد القيامة وكلنا نحب هذا الخلود ونتمناه ونحب النعيم الأبدي ونتمناه ونرجوه لكم جميعًا.
ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/pws56zw