إنك يا أخى القارئ، قد تحب شخصًا أحيانًا، لمجرد أن صفة معينة فيه تجذبك إليه. كأن يكون إنسانًا شهمًا، أو خفيف الظل مرحًا، أو يكون إنسانًا ذكيًا أو قوى الشخصية... إنما مجرد صفة واحدة تجذبك إلى محبته... فكم بالأولى الله سبحانه، الذي تجتمع فيه كل الصفات الجميلة، وعلى درجة غير محدودة من الكمال!! لا شك أنك كلما تأملت صفة من صفات الله الفائقة الوصف، ستجد نفسك تحبه.
* هناك صفات يتميز بها الله وحده، ولا يشترك فيها أي كائن آخر. مما يجعلنا نقف في ذهول ونحن نتأمل الله الأزلي الذي لم يسبقه أحد. أو الله الخالق الذي صنع كل شيء من لا شيء. أو الله الواجب الوجود... الله الحاضر في كل مكان، وقبل مستوى الأزمان. الله غير المحدود، وغير المدرك، وغير المرئي، وغير المحوى، الله العارف بالخفيات، وفاحص القلوب والأفكار. الذي يسبحه غير المرئيين، ويسجد له الظاهرون... ألوف ألوف وقوف قدامه، وربوات ربوات يقدمون له الخدمة... إلى غير ذلك من الصفات التي يختص بها لاهوته... لا شك ونحن نتأمل عظمة الله، لابد أن نمجده. وحينما نتأمل كيف أنه على الرغم من كل هذا الجلال الذي يحيط بالله نرى كيف أنه في كل مجده ينظر إلينا، ويولينا اهتماما خاصًا. حينئذٍ نجد أننا نحبه.
* إننا نحب الله أيضًا في صفاته الأخرى التي يتصف بها بعض البشر، ولكنها عند الله كاملة وغير محدودة... مثل قوة الله وحكمته، ومحبته ورحمته، وصبره وطول أناته. وقد يتصف بعض البشر بإحدى هذه الصفات أو بكثير منها. ولكنها عند البشر ضئيلة، أما عند الله فهي في جمال من الروعة لا يعبر عنها، وفوق مستوى إدراكنا. مثال ذلك إن الله رحوم وعادل. وهو كامل في عدله، وفي نفس الوقت كامل في رحمته. ولا تتناقض الصفتان. بل عدله مملوء رحمة، ورحمته مملوءة عدلًا. هو عادل في رحمته، ورحيم في عدله. وهنا يملكنا العجب والإعجاب. ولا نستطيع أن نملك أنفسنا من أن نحبه.
* نحب الله القدوس، الكامل في صلاحه. والذي على الرغم من كل هذا، يتعامل معنا نحن الخطاة، في رفق وحنو وشفقة. بل يستر علينا في كثير من أخطائنا، ولا يكشفها لغيرنا! ويحافظ علينا. ولا يحاكمنا على كل صغيرة وضئيلة كما يفعل معنا أخواتنا في البشرية، الذين يخطئون مثلنا، ولكنهم يركزون على كل خطأ من أخطائنا، ويشمئزون!
إننا نحب الله الغفور، الذي لم نجد مثله في مغفرته. الله الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه يعرف طبيعتنا، يذكر أننا تراب نحن... الله الذي يغفر الخطايا مهما كثرت، ويصفح عنها إذا ما توِّبنا. ولا يعود يذكرها لنا فيما بعد... أي حنان هذا الذي يذيب قلب الإنسان التائب! وكلما يغفر له الرب أكثر، يحب الله أكثر وأكثر!! فيقول للرب في صلواته: مثل كثرة رأفتك تمحو إثمي..!! حقًا لو كان الله يرصد جميع خطايانا، ما كان يخلص أحد. ولهذا فإنه يستحق كل الحب، هذا الإله الحنون الغفور، الذي لا يذكر لنا كل الماضي الأثيم، من أجل حاضر مستقيم!
* إننا نحب أيضًا إلهنا الحكيم، ذا الحكمة الفائقة الوصف، الذي صنع كل المخلوقات بحكمة عجيبة. الذي بحكمة أوجد علاقة بين الأرض والشمس والقمر، ينتج عنها الليل والنهار، والصيف والشتاء، وأوجه القمر المتعددة. والذي جعل حكمة ما بين الأجواء، تنتج عنها الأهواء المتعددة. بل صور الإنسان في حكمة عجيبة... في كل من عمل المخ، والقلب، والأعصاب، وسائر الأعضاء. بدقة لا تخل إذا صارت حسب طبيعتها... الله الذي في خلقه أوجد العشب والزهر. وأوجد الألوان العجيبة في كثير من الطيور والأسماك، والألحان المتنوعة في أصوات الطير.
* إننا نحب الله الذي -في حكمة بالغة- جعل هناك علاقة بين القوى والضعيف، مذهلة في وصفها. فهو مثلًا وهب الغزال قوة في الجري، تجعله يستطيع الهروب من الأسد القوى القادر على التهامه. وهو قد أعطى أيضًا للقط قدرة تجعله يستطيع أن يتسلق شجرة ليهرب من الكلب. وهكذا أعطى كثيرًا من الخلائق القدرة على النجاة ممن هو أقوى منها... بل الله أيضًا الذي أعطى الكرمة أن تنفض أوراقها في الشتاء لكي يتدفأ من يجلس تحتها... وأن تكتسي بالورق في الصيف لكي يستظل من يجلس تحتها أيضًا.
* إننا نحب الله الغنى القوى. الذي في غناه منح العالم كله من جوده. حتى أنه من فيض جود خيراته، لم يعد العالم معوزًا شيئًا من نعمة تحننه. فالخير يملأ الأرض كلها، إذا ما أحسن توزيعه، وإذا ما تحركت قلوب الجميع بحب الخير على كل أحد... الله الذي يملأ الدنيا غنى، والذي يجعل السماء تمطر على الأرض فتغذيها، أو الينابيع تنفجر من باطن الأرض لكي ترويها. فمن السماء من فوق ينزل الخير، ومن باطن الأرض من تحت يأتي الخير أيضًا. سبحانه الله في كل عطاياه.
* ونحن نحب الله القوى، الذي يستطيع أن يحمى، وأن يدافع عن كل ضعيف، ويمنح نعمة لصغيري النفوس، ويقوى الركب المخلعة. ولا يترك الضعفاء مضغة في أفواه الأقوياء... نحب الله الموجود بقوته في كل مكان، ينظر ويسمع، ويسجل. وإذا بعبارة "ربنا موجود"، يسمعها الضعفاء فيطمئنون. ويسمعها العنفاء فيقشعرون. ويشعر الكل بأن ميزان الله العادل مازال موجودًا... يرى ويعمل ويحكم.
* إننا نحب الله الذي يمنح الدب القطبي فروة في جسده تعطيه الدفء من برودة الجو. بينما لا يكون الفراء في أجساد حيوانات البلاد الحارة التي لا تحتاج إلى ذلك. نحب الله الذي يجعل اللبن في ثدي الأم من البشر ومن الحيوان لكي يتغذى به الأبناء الرضع. نحب الله الذي يشبع كل حي من رضاه. الذي يهتم حتى بالحشرة التي تسعى تحت حجر لكي يعطيها رزقًا. الله الذي يهتم باليتيم وبالأرملة، وبالغريب وبالضيف. ولا يحرم أحدًا من أعمال نعمته. فالكل من غنم رعيته. أوجدهم ويهتم بهم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8y3s623