أحيانًا يُحارَب الإنسان بالشكّ، سواء من نحو اللَّه جلّ جلاله، أو من نحو الناس، أو يُحاربه شكّ من جهة نفسه ومدى قدرته وثقة الناس به... والشكّ هو حالة من عدم الإيمان أو من عدم الثقة، ومن عدم وضوح الرؤية.
قد يكون دخول الشكّ إلى الذهن سهلًا، ولكن خروجه يكون صعبًا جدًا ويترك أثرًا مخفيًا رُبَّما يظهر بعد حين. أمَّا إذا ثبت الشكّ واستمرّ، فإنه يصير جحيمًا للفكر والقلب معًا. وهذا الشكّ قد يتلف الأعصاب، ويدعو إلى الحيرة وكثرة التفكير بلا نتيجة مع عدم القدرة على البتّ في الأمور. وما أسهل أن يتسبب في القلق وعدم النوم.
أمَّا إذا صار الشكّ من طباع الإنسان، أي أن يكون شكاكًا باستمرار، فإنه يتحوَّل حينئذ إلى مرض نفسي، وإلى عُقد لها نتائجها.
والشكّ من نحو اللَّه تبارك اسمه يكون على أنواع: منها الشكّ في وجود اللَّه. وقد يكون هذا بسبب كتابات وأفكار الملحدين أو معاشرتهم، والمناقشة في أمور أعلى من مستوى الإنسان. وقد يأتي الشك من قراءة بحوث منحرفة في الفلسفة أو في علاقة العلم والدين، أو في تاريخ الكون ونشأته. وقد يثير ذلك أشخاص على مبدأ (خالف تُعرف)...
وقد لا يكون الشك في وجود اللَّه، إنما في رعايته ومعونته وحفظه. وذلك إن كثرت المشاكل والضيقات حول شخص، ولم يجد لها حلًا، وصلَّى من أجلها ولم تحدث استجابة لصلواته. وحينئذ يشكّ في معونة اللَّه وفي جدوى الصلاة!! ورُبَّما يشك إنسان في مراحم الله وغفرانه، وذلك في حالة تأمل هذا الإنسان في كثرة خطاياه وبشاعتها.
ولمقاومة هذا الشك، يحسن التأمل في صفات اللَّه الجميلة، وفي قصص رعايته كما ترويها أحداث التاريخ وسِيَر الأبرار. والثقة بأن اللَّه يستجيب الصلاة في الوقت المناسب وبالطريقة التي يرى فيها خير الإنسان ونفعه، وعلينا أن ننتظره بدون قلق. كذلك يجب البُعد عن أفكار الملحدين، مع الاستفادة من استشارة المتعمقين في العلوم الدينية وذوي الخبرة.
أمَّا عن الشكّ في النفس، فقد يبدأ عند الطفل الذي لا يعرف هل ما يفعله خطأ أم صواب؟ وهذا يلزمه التوجيه السليم، كما ينفعه المديح والتشجيع بالنسبة إلى كل تصرف حسن يقوم به. كذلك فإن الشك في قدرة النفس قد يحدث عند الطلبة: فيشك الواحد منهم في قدرته على النجاح، أو في كفاية الوقت له لاستيعاب دروسه فيحتاج إلى تشجيع.
حتى الكبار أيضًا يحتاجون إلى تشجيع وإلى كلمة طيبة، وإلى رفع روحهم المعنوية. وبخاصة إن حاربتهم الشكوك وهم في حالة مرض أو ضيق أو مشكلة أو ضائقة ويشكون هل سيخرجون من تلك الأزمات بسلام؟ أم يدركهم اليأس!
وقد يشكّ الإنسان في ما هو طريق الحياة الذي يسلكه، وبخاصة في المراحل المصيرية حيث الطريق غير واضح أمامهم: هل يختارون هذا النهج أم غيره؟ وهكذا يقعون في التردد والارتباك! وقد يلجأ البعض منهم إلى الاستشارة أو يلجأ إلى القرعة، ويستمر في الشكّ! والأمر يحتاج منهم إلى تحديد الهدف والثبات فيه، ومعرفة الوسيلة التي تؤدي إليه...
أمَّا عن الشك في الناس، فقد يحدث أحيانًا بين الأصدقاء ومدى إخلاص أحدهم: وينتج هذا عن قلة الثقة أو قلة المحبة. فإن الإنسان إذا أحب شخصًا محبة حقيقية، فإنه لا يشك فيه. وإن أدركه شكّ في ذلك، عليه بالعتاب في جو من الصراحة والمواجهة وفي محبة. وكذلك عدم التأثر بالوشايات، وعدم تصديق كل ما يُقال. فكثيرًا ما يكون الاتهام ظالمًا، وغرضه التفريق بين الأصدقاء!
وقد يحدث الشكّ أيضًا بين الأزواج، إذ يشكّ أحدهما في عفة الطرف الآخر، وفي علاقاته مع الغير... وقد يلجأ إلى شيء من المراقبة والتضييق، أو يتعب داخليًا ويؤثِّر هذا على علاقته الزوجية، وتعيش الأسرة في جو من النكد، وفي كثرة من التساؤلات والريبة!
وهناك شكّ قد يحدث في مجموعات من الناس. إذ رُبَّما خطأ فردي يُطبق على الكل. مثال ذلك سقطة أحد أفراد أسرة، تجلب الشكّ في كل الأسرة، بينما يكون باقي أعضائها من الصالحين جدًا!
أمَّا عن أسباب الشكّ فهي كثيرة، منها طبيعة الشخص الذي يشكّ. فقد يكون موسوسًا أو شكاكًا، وطريقة تفكيره تؤدي إلى الشك. وقد يكون ضيق التفكير ليس أمامه سوى الشكّ! ولو كان واسع الأفق لزال شكّه...!
أو قد يكون إنسان بسيطًا يقبل كل ما يقال له. فيُحدِّثه البعض عن أخطاء صديق له في حقّه، فيصدقهم ويشكّ فيه! أو لبساطته يخدعه الناس من جهة عقيدة أو إيمان ويوقعونه في شكّ. ومن ناحية أخرى قد يكون شخص عميق التفكير ويبحث في أمور أعمق منه، فيقع في الشكّ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وهكذا ما أكثر ما وقع بعض الفلاسفة في شكوك إيمانية، وأوقعوا غيرهم!!
قد تأتي الشكوك أيضًا من حروب الشياطين يوعز بها إلى الناس. والشيطان يعرف كل الشكوك التي مرَّت على البشرية من آلاف السنين، ويمكنه أن يحارب بها كما فعل في القديم. وهو يلقي الشكوك في كل شيء، لكي يُبلبل فكر الإنسان ويُحيِّره.
وقد تأتي الشكوك من البيئة، من الوسط المحيط، من معاشرة الشكاكين، فينتقل الشكّ منهم إلى مَن يختلط بهم. كما أنه بمعاشرة المؤمنين ينتقل الإيمان منهم إلى غيرهم. ومن مصادر الشكّ قراءة الكتب التي تحوي شكوكًا، وأيضًا الشائعات التي تنشر شكوكًا...
ورُبَّما يأتي الشكّ بسبب الوهم. فقد يتوهم البعض مثلًا أن رقم 13 وراءه شر. فيشكّ من جهة وجود هذا الرقم في أيام التاريخ وفي غير ذلك. وفي أمريكا يقفز الرقم في المصاعد من 12 إلى 14 مباشرة، تفاديًا للرقم 13!!
ومن أسباب الشك، انحصار الفكر في سبب واحد!! فقد لا يحضر أحد أصدقائك حفلة تقيمها دفعته إلى ذلك أسباب عديدة. فإن حصرت التحليل في سبب واحد هو إهمال لمشاعرك، حينئذ تشكّ. وإن تأخر زوج عن موعد رجوعه إلى بيته، وحصرت زوجته تفكيرها في سبب واحد، رُبَّما يدخلها الشكّ. كذلك إن حصر موظف عدم ترقيته في سبب واحد، فإنه يشكّ!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/gq8msxz