الروح هي عنصر الحياة في الإنسان. وقدماء المصريين كانوا يرون أن حياة الإنسان هي في الروح والنفس. الروح تُسمَّى (كا )، والنفس تُسمَّى (با ). وجمع (كا) هو (كاو) أي أرواح. وهى داخلة في اسم باني الهرم الثالث (منقرع Menkaure). وهو بالهيروغليفية (من كاو رع)، أي أرواح رع الخالدة. (وبالقبطية واليونانية منقريوس).
وحياة الإنسان مرتبطة بالروح. فإن لفظ روحه، انتهت حياة جسده. ولكن روحه تبقى حية، وترجع إلى خالقها. إلى أن يأتي يوم القيامة، فترجع الروح وتتحد بالجسد فيقوم. ومن هنا نؤمن بخلود الروح، وأنها لا تموت بموت الجسد. لأنها عنصر حيّ بطبيعته.
وروح الإنسان غير روح الملاك وروح الشيطان. فالملاك روح طاهر لا يفعل سوى الخير ويفرح به. أمَّا الشيطان فهو روح شرير لا يفعل سوى الشر ويحث عليه. ولكن روح الإنسان تتأرجح بين الخير والشر. ذلك لأنها متحدة بجسد، والجسد مرتبط بالمادة. لذلك فهو يتجه بطبيعته إلى المادة، ويصير ماديًا بعكس الروح التي لها اتجاه روحي يسعى نحو اللَّه. ومن هنا يحدث صراع بين الجسد والروح. وكل منهما يقاوم الآخر. فالجسد يقاوم الروح، ويريدها أن تطيعه في اتجاهه المادي أو الجسداني. ومن الناحية الأخرى فإن الروح تقاوم الجسد في كل شهواته لكي تجذبه إلى طريقها الروحي المتجه إلى اللَّه.
والعجيب أن غالبية الناس يهتمون كثيرًا بالجسد، ولا يهتمون ولو قليلًا بالروح!! فمن جهة الغذاء مثلًا، أنت تعطي جسدك غذاءه كل يوم، بل ثلاث وجبات في اليوم، وبكميات كافية حسبما يحتاج. فهل تعطي روحك غذاءها كل يوم؟
وأنت تعطي الجسد غذاءه من كل العناصر والأصناف اللازمة: تعطيه الكالسيوم لبناء العظام، والحديد لبناء الدم، والبروتين لبناء الأنسجة. وتعطيه السكريات والكربوهيدرات لأجل الطاقة. وتعطيه ألوانًا مُتعدِّدة من الفيتامينات والعناصر.
فهل أنت تعطي الروح كل ما يلزمها من أصناف الغذاء؟ إن الروح تحتاج في غذائها إلى كلام اللَّه، وإلى القراءات الروحية، والتأمل، وإلى التراتيل والتسابيح والألحان، وتأثير الاجتماعات الروحية، والمعاشرات الروحية. كما تحتاج إلى محاسبة النفس... فهل أنت تُقدِّم لها كل هذا الغذاء، وبانتظام؟ لمنفعتها وتقويتها...
أنت أيضًا تعطي الجسد راحته. والروح أيضًا تحتاج إلى الهدوء والخلوة الروحية. فهل تقدم لها ذلك؟ وهل تريحها أيضًا بالإيمان والسلام القلبي؟
كذلك إذا مرض الجسد، تعرضه على أطباء. وحسبما أمروا تنفذ، وتقدم للجسد الدواء اللازم والعلاج... والروح أيضًا قد تمرض بكثير من الأمراض، وتتعبها الخطايا. وتحتاج في مرضها إلى أطباء روحيين، هم المرشدون الروحيون الذين لهم خبرة بالروح وما تقاسيه. فهل أنت تأخذ من هؤلاء ما تحتاجه الروح من علاج؟
وإن كان في الطب الجسدي، الوقاية خير من العلاج، ففي الطب الروحي كذلك... بأن يُبعد الإنسان روحه عن كل ما يضعفها من أسباب الخطية والشهوة ومصادرها، فيبعدها عن المعاشرات الرديئة التي تفسد الأخلاق الجيدة، ويبعدها عن كل عثرة وكل تأثير خاطئ. وبهذا تقوى الروح ولا تتعرَّض إلى ضعفات...
كل هذه تقويات عادية. تتم بالأكثر لو كان روح اللَّه يعمل في روح الإنسان ويتولَّى قيادتها... في هذه الحالة تكتسب الروح مسحة من جمال، يمكن أن تدخل تحت عنوان (زينة الروح)...
عجيب أن للإنسان -قبل أن يخرج من بيته- يقف أمام المرآة يتأمَّل نفسه، ليطمئن على أناقته وزينته وحُسن منظره... بينما لا تهمه روحه ومنظرها وحُسن زينتها!! فم هي زينة الروح إذن؟
إنَّ الروح تتزيَّن بالفضائل... تتزيَّن بالوداعة والرقة والاتضاع واللطف والأدب ودماثة الخلق... فهل أنت قبلما تختلط بالمجتمع، تنظر في مرآة روحية، لتطمئن على روحك هل هي في زينتها كما ينبغي لها أن تكون؟ فيراها الناس في هذا الجمال، ويُمجِّدون اللَّه على نعمته...
بهذه الزينة تتجمَّل الروح أيضًا في مقابلتها للَّه في السماء. حيث -في الموت- يترك الإنسان جسده، وتخرج روحه صاعدة إلى اللَّه، معطرَّة بالفضائل، لها رائحة ذكية... حقًا هكذا خلق اللَّه الإنسان منذ البدء، مجملًا ومُزيَّنًا بالبساطة والبراءة قبل أن يُخطئ. حيث كانت روحه في منتهى النقاء لا تعرف شرًّا...
إنَّ الروح النَّقيَّة الطاهرة، تقود الجسد معها في طريق روحي. أمَّ هي فيقودها روح اللَّه. وتكون مُجرَّد أداة في يد اللَّه، يعمل بها كل خير. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وتتميَّز هذه الروح بالهيبة والقوة وبالحرارة أيضًا.
الإنسان القريب من اللَّه يكون حارًا بالروح. وإن ابتعد عن اللَّه يدركه الفتور. والإنسان الحار في الروح، تشمل حرارة روحه كل شيء: إذا صلَّى، تكون صلاته حارة جدًا ملتهبة بالحب الإلهي. تكون حارة في إيمانها، وفي خشوعها، وفي ألفاظها وتعبيراتها...
والإنسان المُتميِّز بحرارة الروح، حينما يقوم بخدمة روحية، مُظهِرًا الحرارة في خدمته، فتكون خدمة ملتهبة، فيها الغيرة المقدسة النارية التي تهدف إلى انتشار الخير، وبناء ملكوت الله على الأرض، بعكس الخدمة غير الروحية الخاملة الذابلة الفاترة.
«إنَّ الروح الطاهرة تكون لها قوة وهيبة وسُلطان. يكون لها سُلطان في التأثير على الناس، يُسميه البعض كارزما charisma. فإن تكلَّم الشخص الروحي، تكون لكلمته قوة، ويكون لها سُلطان أن تدخل إلى العقل والقلب وتُحدِث تأثيرًا.
إنَّ الشخص الذي يشعر بهيبة أبيه ويخافه، هناك سُلطان من روح أبيه عليه بالإضافة إلى سُلطان الوصية الإلهية. أمَّا الشخص الذي لا تزال هناك معركة بين جسده وروحه، ويقاوم أحدهما الآخر، وقد تكون روحه منهزمة أحيانًا، فهذا قد فقد سُلطان روحه.
أمَّا الشخص القوي بالروح، فإنَّ الشياطين نفسها تخافه، لأنه قد هزمها من قبل رافضًا كل إغراءاتها.. لذلك له هيبة أمامها. ولكن الروح تفقد هيبتها، حينما تخضع للشيطان وتعطيه مجالًا أن يعمل فيها ويوجهها.. أمَّا الأرواح التي تهابها الشياطين، فهي التي جاهدت وغلبت ولم تستسلم للشيطان في أية شهوة أو هفوة.. إنها الأرواح الكبيرة.
والأرواح الكبيرة هي كبيرة في محبتها للَّه، وفي عفَّتها وفي قوتها، وفي مستواها. فلم تقتصر فقط على الوصول إلى التوبة، إنما ظلَّت تنمو إلى البِرِّ، ساعية إلى حياة القداسة والكمال. وهى لا تسعى فقط إلى خلاص نفسها، بل إلى خلاص الآخرين أيضًا.
والأرواح الكبيرة هي أيضًا كبيرة في المعرفة والفهم وفي الحكمة وبهذا أصبحت لها قدرة على إرشاد الآخرين وقيادتهم.
وبعض الأرواح الكبيرة، بعد أن تفارق جسدها على الأرض، ينتدبها اللَّه أحيانًا لأداء خدمات لبعض المُتشفِّعين بها على الأرض.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/869zd85