كل إنسان سائر في طريق الحياة، يرى أن أشياء معينة تدفع مسيرته، وتحدد له كيف يسلك... فما هي هذه الدوافع التي تقوده؟ إنها تختلف من شخص إلى آخر. نذكر من بينها:
1- هناك إنسان يقوده فكره في التمييز بين الخير والشر.
يقوده فهمه الخاص. فما يراه حقًا، هو الحق بالنسبة إليه. وما يراه باطلًا، فهو الباطل بالنسبة إليه: وفهم هذا الإنسان ليس مضمونًا. هل هو ناضج أم متعثر؟ ويقول الحكيم "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة، وعاقبتها طرق الموت".
حقًا، ما أصعب أن يركن الإنسان إلى فكره ليقوده، وبخاصة لو كان من المبتدئين، وإن كانت الأمور التي أمامه تحتاج إلى عمق في الفحص، وإلى خبرة...
2- هناك إنسان آخر تقوده رغباته وشهواته:
فهو يسعى لتحقيقها، ويرى أن له كل الحق في ذلك. بينما ليس لديه وقت ليفحص هذه الرغبات، وهل هي سليمة أم مخطئة. وإن فكرّ في ذلك، يجد فكره مؤيدًا لرغباته! وكما نقول دائمًا "إن الفكر كثيرًا ما يكون خادمًا مطيعًا لرغبات النفس"!
3- إنسان ثالث يقوده مرشد روحي:
ومن اللازم أن يكون هذا المرشد خبيرًا، وسليم الفكر، غير متحيز لاتجاه معين. وإلا انطبق المثل القائل "أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة". لأنه إن ضل هذا المرشد، يضل كل من يتبعه... والله -تبارك اسمه- لا يقصد أن الطاعة له تتحول إلى أي إنسان أيًا كان، حتى إن كان أحد الوالدين. ذلك لأنه "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"... فلا نعصم المرشدين، إنما نُحكمّ الضمير...
4- هناك أشخاص آخرون تقودهم الأحلام أو الرؤى:
فليست كل الأحلام والرؤى من الله. لذلك ينبغي على كل إنسان أن يكون لديه الإفراز الكافي، الذي يدرك به هل الأحلام التي رآها هي من الله، أم من الشيطان، أم من العقل الباطن، أم من أمور مترسبة في نفسه نتيجة لقراءات أو سماعات أو مناظر أو قصص أو رغبات كامنة في نفسه، تحولت إلى أحلام؟؟!
إن الشيطان، إذا تيقن أن أشخاصًا يؤمنون بالأحلام، ما أسهل عليه أن يقودهم بأحلام مضللة من عنده..
5- هناك أشخاص آخرون تقودهم الكتب، ووسائل النشر والإعلام:
فالفكر الذي يقرأونه في كتاب ما، أو في جريدة أو مجلة مشهورة، ما أسهل عليهم أن يعتنقوا هذا الفكر، وربما يتحمسون له ويرددونه بلا تفكير، وكأنما قد صاروا مجرد صدى لما قرأوه..!
على أن الإنسان الحكيم لا يضمن كل ما ورد في كتب، أيًا كانت شهرة الكاتب! بل يقرأ بعقل وتمييز، ويحترس من بعض الأفكار الجديدة التي تخالف بعض الثوابت التي تسلمها من قبل. بل يفحص ويسترشد، ويرفض ما يجب رفضه...
6- هناك أيضًا من تقوده الدَفعة الأولى The First Push
كإنسان أول علاقة له بالحياة الفكرية أو الفلسفية، أقنعوه بالفكر الشيوعي على اعتبار أنه الطريق السليم إلى الاشتراكية الحقة، وحسن توزيع الثروة بمساواة بين الجميع فلا غنى ولا فقير، وبأن الدين هو أفيون الشعوب، لأنه يخدّر الفقراء في واقعهم البائس فلا يحتجون عليه، بل يقبلونه بالتسليم للإرادة الإلهية!! لذلك من يتلقى هذا الفكر، يستمر في الدفعة الأولى التي دفعته..
إنه مثل كرة ألقاها أحدهم من على جبل: ففي الاتجاه الذي ألقاها فيه تظل تتحرك وتتدحرج بدون تفكير..!
على مثل هذا الشخص أن يوسّع ذهنه لمناقشة الأفكار الأخرى، ولا يتحمس لفكره الأول، في رفض لكل ما يقابله من نقد...
كذلك كل من كان انتماؤه الأول إلى هيئة ما، يتحمس لها مهما انحرفت أو تغير مسارها...
7- هناك إنسان آخر تقوده عوامل نفسية معينة:
كأن يكون في نفسيته عامل الخوف. فيقود الخوف حياته، ويوصله الخضوع لأية رئاسة والاستسلام لأية سلطة. أو يكون في نفسيته عنصر المجاملة أو عنصر الإشفاق أو ما شابه هذه المشاعر، فتقوده نفسيته إلى اتجاهات ربما تكون بعيدة تمامًا عن الحق!
وهكذا تختلف تصرفات الناس حسب نوعية نفسياتهم وقيادتها لهم: ما بين إنسان يقوده الهدوء الذي في طبعه، وآخر يقوده العنف الذي تتميز به نفسيته.. واحد يقوده الطموح، وآخر تقوده القناعة والرضى بما هو فيه، وثالث يقوده الزهد. كل منهم حسب نوعية نفسيته...
فإن كان شخص غضوبًا (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، يرى أن الوسيلة المثلى هي أن ينفذ ما يريده بالعنف والشدة. لأن هذه -في نظره- هي الطريقة الفعالة التي توصل إلى المطلوب بسرعة ونجاح وبنتيجة مضمونة!! ولا شك أن هذا التفكير غير سليم، ولا يتفق مع الحق.
ولكنه على أية الحالات، يدل على أن البعض تقودهم نفسياتهم وطباعهم، وليس الفكر أو الحكمة.
8- هناك نوع آخر من الناس تقوده المنفعة أو المصلحة الخاصة:
يزن كل شيء بمقدار ما ينتجه من نفع خاص به. ويرى أن هذه المنفعة هي الحق بالنسبة إليه. ويقول هذا هو حقي، أو هذا هو الخير بالنسبة لى. ولا يضع أمامه أية مقاييس للحق أو للخير، سوى المنفعة. وطبعا يعنى منفعته الخاصة، وليست المنفعة العامة!
مثل هذا الشخص: إن أردت أن تقنعه بأي أمر، فهذا هو المفتاح الذي تدخل به إليه: أعنى ما يعمله من نفع...
9- هناك نوع آخر، تقوده التقاليد أو القدوة أو التيار العام:
ونذكر في مقدمة هذا النوع: الأطفال، والمبتدئين، والعامة، ومن هم في مستوى هؤلاء وأولئك... فحسب الأمثلة التي أمامهم ينقادون، وحسب روح الجماعة يسيرون بالتيار السائد...
هذا النوع يأخذ مبادئه وقيمه من المجتمع الذي يعيش فيه، سواء مجتمع الأسرة أو المدرسة أو العمل، وما في تلك المجتمعات من تأثيرات وأفكار وتوجيهات...
لذلك ننصح بأهمية وجود القدوة الصالحة في محيط الأسرة. فهي المنبع الأول الذي يتلقى فيه الإنسان أولى أمثلته، وفيها القيادات الأولى التي يصادفها... وإلى جوار ذلك ما يجب أن تكون عليه القدوة في دور التعليم، وفي مراكز الشباب وفي مجال الرياضة...
وكذلك كل ما تقدمه الأفلام من توجيهات وإيحاءات ترسخ في العقول والنفوس، وتقود البعض -عن طريق التقليد- إلى مواقف عملية في الحياة، متأثرين بما رأوه.
10- قيادة أخرى تعتبر من أهم القيادات، وهى الضمير.
على شرط أن يكون ضميرًا صالحًا، مؤسسًا على الخير المطلق، وما توحي به وصايا الله وتعاليمه. وهذا الضمير يمكن أن يسيطر على كل القيادات الأخرى، بحيث أن تسنده إرادة خيرّة قوية.
لأنه قيل أحيانًا عن الضمير إنه قاضٍ عادل. ولكن الضعف يقف أحيانًا في سبيل تنفيذ أحكامه. ونقصد ضعف الإرادة، وليس ضعف الضمير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ftz67g4