في الواقع إن الأعمال تنقسم إلى أربعة أقسام: عمل هو خير واضح وعمل هو شر واضح. وربما كلاهما لا يحتاجان إلى إفراز.
أما النوع الثالث، فهو يحتار أمامه الفكر: أهو خطأ أم صواب؟ أو يحتار أمام نتيجة أو وسيلته.
وهو في هذا الأمر يحتاج إلى الحكمة وإفراز، أو على الأقل يحتاج إلى مشورة صالحة، وإلى كلمة منفعة، تنير الطريق قدامه... وهنا تبدو فائدة الآباء الروحيين والمرشدين والحكماء.
والنوع الرابع
الذي يحتاج إلى حكمة وإفراز هو التفصيل بين طريقين، لا يدري الضمير أيهما أصلح.
وقد يكون كل من الأمرين خيرًا في ذاته، ولكن أيهما أكثر خيرًا؟ أو أيهما أكثر مناسبة لهذا الشخص بالذات. مثال ذلك الذي يقف حائرًا أي الطريقين يختار لتكريس حياته: الرهبنة أم خدمة الكهنوت.
مثل هذه الأمور تحتاج إلى حكمة وإفراز، وتحتاج إلى تباطؤ وريثما يفحص الإنسان ذاته، وريثما يسمع صوت الله في قلبه، أو صوت الله على فم أب حكيم ومرشد مخلص. يحتاج الأمر إلى حكمة فينا، أو إلى حكمة في مرشدينا.
وهناك مجال آخر يحتاج إلى حكمة وإفراز. وهو طريقة الوصول إلى فضيلة معينة، أو طريقة التدرج إليها.
فالفضائل واضحة، مشروحة في الكتب الروحية، ولكن ما هي نقطة البدء؟ وما هي الطريقة المثلي لاكتسابها... والبعض يندفع إليها بسرعة قد تأتي بنتيجة عكسية، أو تأتي بنكسة روحية، والبعض قد يسير ببطء، ربما يؤدى إلى فتور أو كسل أو تراخ.
والرد بأن السرعة أفضل، أو التباطؤ، ليس ردًا سليمًا. فحينما تكون هناك دفعة قوية من النعمة أو اشتعال من الروح القدس، فهنا لا يجوز التوقف... فهكذا حدث مع القديس الأنبا ميصائيل السائح، ومع القديسين مكسيموس ودوماديوس... وكل أمثال هؤلاء الذين وصلوا بسرعة. وفي حالات أخرى قد يحسن التدرج.
يلزم الإفراز أيضًا في أمور معينة تبدو حساسة ومصيرية.
فقد يتصرف الإنسان بجهل تصرفًا يندم عليه كل أيام حياته، وربما يرتكب غلطة تكون غلطة العمر كله، ويبكي عليها طوال حياته: ولا ينفعه البكاء.
وكان الأمر يحتاج إلى حرص، أو إلى حكمة، أو إلى مشورة.
وأحيانًا يتحمس الإنسان لتصرف معين، حماسًا يملك كل عواطفه ولا يكون هذا الحماس في صالحه، وقد يندم عليه.
وقد يقول بعد فوات الفرصة: ليتني ما فعلت. ليتني تباطأت واسترشدت أو استمعت للمشورات التي رفضتها في حماس...
لعل الأمر كان يحتاج إلى إفراز من جهة النظر إلى زوايا أخرى للموضوع أو التفكير في نتائج معينة.
لذلك فالمشورة تعطي وجهات النظر الأخرى، أو تعطي رؤية من زوايا غير واضحة، أو التَبْصِرة بنتائج لم يعمل لها حساب.
وهناك نقطة أخرى جوهرية يلزم لها الإفراز والحكمة، وتتركز في المفهوم السليم لبعض الفضائل، مفهومًا يعطيها تكاملًا مع باقي الفضائل مع بعد عن التطرف.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r9gz5jk