St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   17-Al-Ghira-Al-Mokadasa
 

كتب قبطية

كتاب الغيرة المقدسة - البابا شنودة الثالث

1- الغيرة نار تلتهب

 

الغيرة المقدسة هي نار متقدة في قلب المؤمن تدفعه بحماس شديد للسعي بكل الجهد لأجل خلاص الناس، وبناء الملكوت.

وكما قيل عن السيد الرب إنه: "يريد أن جميع الناس يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى 2: 4).. هكذا أيضًا الإنسان الذي تلهبه الغيرة المقدسة، يريد أن جميع الناس يخلصون... وليس فقط يريد، إنما يعمل بكل قوته، وبكل مشاعره، ولا يهدأ، كما قال داود النبي:

"إني لا أدخل إلى مسكن بيتي، ولا أصعد على سرير فراشي، ولا أعطي لعيني نومًا، ولا لأجفاني نعاسًا، ولا راحة لصدغي. إلى أن أجد موضعًا للرب، ومسكنًا لإله يعقوب" (مز 131).

St-Takla.org Image: The dove of the Holy Spirit, made not out of stained glass, but of transparent alabaster - details 6 from Chair of Saint Peter (Cathedra Petri, Throne of Saint Peter: relic), gilt bronze sculpture by Gian Lorenzo Bernini (between 1647–1653) - St. Peter's Basilica: The Papal Basilica of St. Peter in the Vatican: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano, Rome, Italy. Completed on 18 November 1626 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 22, 2014 صورة في موقع الأنبا تكلا: الروح القدس في هيئة حمامة، مصنوعة من المرمر الشفاف (الألابستر) وليس من الزجاج المعشق - تفاصيل 6 من كرسي القديس بطرس الرسول، نحت برونزي مُذْهَب للفنان جان لورينزو برنيبني (في الفترة ما بين 1647–1653) - صور كاتدرائية القديس بطرس الرسول، الفاتيكان، روما، إيطاليا. انتهى العمل بها في 18 نوفمبر 1626 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 22 سبتمبر 2014

St-Takla.org Image: The dove of the Holy Spirit, made not out of stained glass, but of transparent alabaster - details 6 from Chair of Saint Peter (Cathedra Petri, Throne of Saint Peter: relic), gilt bronze sculpture by Gian Lorenzo Bernini (between 1647–1653) - St. Peter's Basilica: The Papal Basilica of St. Peter in the Vatican: Basilica Papale di San Pietro in Vaticano, Rome, Italy. Completed on 18 November 1626 - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, September 22, 2014

صورة في موقع الأنبا تكلا: الروح القدس في هيئة حمامة، مصنوعة من المرمر الشفاف (الألابستر) وليس من الزجاج المعشق - تفاصيل 6 من كرسي القديس بطرس الرسول، نحت برونزي مُذْهَب للفنان جان لورينزو برنيبني (في الفترة ما بين 1647–1653) - صور كاتدرائية القديس بطرس الرسول، الفاتيكان، روما، إيطاليا. انتهى العمل بها في 18 نوفمبر 1626 م. - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، 22 سبتمبر 2014

هكذا الذي تلهبه الغيرة المقدسة، لا يهدأ ولا يستريح، إلى أن يجد موضعًا للرب في قلب كل أحد، ويخلص على كل حال قومًا (1كو 9: 22).

الغيرة نار في قلب إنسان حار بالروح، يشتعل قلبه بمحبة الله، ومحبة الناس، ومحبة الملكوت. وبكل حرارة يعمل بجدية، ولكي يحقق رغباته المقدسة، من جهة خلاص الناس وانتشار الملكوت.

ولذلك حسنا عندما أراد الله أن يرسل تلاميذه للخدمة، حل الروح عليهم مثل السنة من نار.

وبهذا ألهبهم للخدمة، وصارت كلماتهم في الكرازة كلمات نارية، كأنها أسهم من نار تلهب القلب وتحرك الضمائر، و"لا ترجع فارغة" (إش 55: 11).. كلمة من القديس بطرس الرسول في يوم الخمسين قادت ثلاث آلاف إلى الإيمان (أع 2: 41). وبهذه الروح النارية، وبهذه الغيرة المقدسة، أتى ملكوت الله بقوة...

إنها النار التي قال عنها السيد المسيح: "جئت لألقى نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت" (لو 12: 49).

إنه العمل الناري الذي بدأ يوم الخمسين واستمر. وبه وقف الرسل القديسون أمام كل قوة اليهود وكل قوة الرومان، يشهدون للإيمان " بكل مجاهرة، بلا مانع" (أع 28: 31) " ونعمة عظيمة كانت على جميعهم" (أع 4: 31، 33).

ما أجمل قول المزمور: "الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً" (سفر المزامير 104: 4).

فإن كنت نارًا تلتهب، حينئذ تصلح أن تكون خادمًا لله. إذ يجب أن يكون خدامه " حارين في الروح" (رو 12: 11)، لأن إلهنا نفسه قيل عنه إنه: "نار آكلة" (تث 24: 24).

إرمياء النبي كذلك: كانت كلمة الله في جوفه " كنار محرقة " فلم يستطيع أن يهدأ، ولم يقدر أن يسكت، على الرغم من كل التعب الذي أصابه (إر 20: 9). قال له الرب: "هأنذا جاعل كلامي في فمك نارًا" (إر 5: 14). وصاح إرميا: "أحشائي أحشائي. توجعني جدران قلبي. يئن في قلبي. لا أستطيع السكوت" (إر 4: 19).

وهوذا داود النبي يقول: "غيرة بيتك أكلتني، وتعييرات وقعت عليّ" (مز 69: 9).

أي أن التعبير الذي يصيبك يا رب من الخطاة، أو يصيب كنيستك وشعبك، كأنه وقع على أنا شخصيا. وداود شعر بهذا فعلًا، لما عير جليات صفوف الله الحي (1صم 17: 26). ولم يهدأ حتى أزال ذلك العار...

الغيرة هي حالة قلب متحمس، ومتقد بمحبة الله، يريد أن محبة الله تصل إلى كل قلب. وهو إنسان يحب الله، ويريد أن جميع الناس يحبونه معه

هو إنسان يشتغل قلبه من نحو مجد الله ونشر كلمة الله، ويريد أن ملكوت الله ينتشر حتى يشمل كل موضع وكل أحد. ويريد أن الإيمان يدخل كل قلب، ولا يفقد أحد نصيبه في هذا الملكوت.

الإنسان الذي يتصف بالغيرة، يكون إنسانًا متقدًا بالنار.

كلامه كالنار في حماسته، وصلاته كالنار في قوتها، وخدمته كالنار في فاعليتها وفي امتدادها.

بغيرته يلهب القلب، ويشغل المشاعر، ويقوى الإرادة ويدفع السامع دفعًا نحو التوبة (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات) ونحو الملكوت، وينخسه في ضميره بطريقة لا يمكن أن يقاومها...

وبعكس ذلك هناك من يتكلمون بأسلوب فاتر لا يقنع أحدًا ولا يأتي بثمر، ولا تظهر فيه حرارة الروح.

ومن أمثلة الكلمة الباردة، توبيخ عالي الكاهن لأولاده.

قال لهم "لا يا بنى، ليس حسنا الخبر الذي اسمع: تجعلون شعب الله يتعدون..."  كلام لا جدية فيه ولا حزم ولا حرارة، لذلك لم يؤثر فيهم، وقيل بعده: "ولم يسمعوا الصوت أبيهم" (1صم 2: 23-25). عرضوا أباهم لغضب الله عليه.

مثال آخر وهو إنذار لوط لأنسبائه في سادوم.

لم تكن في حياته بينهم القوة التي تجعل لكلامه تأثيرًا. لقد رأى شرورهم من قبل، ولم تكن له الغيرة المقدسة على وصية الله. يكفى أنه أعطاهم بناته زوجات وصاهرهم! لذلك عندما قال لهم " قوموا اخرجوا من هذا المكان، لأن الله مهلك المدينة"، لم يسمعوا، بل يقول الكتاب " فكان كمازح في أعين أصهاره" (تك 19: 14).

بعكس ذلك كان بولس الرسول مثلًا، الذي أنه وقف متهما أمام فيلكس الوالي، ويقول عنه الكتاب "وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة ارتعب فيلكس..." (أع 24: 25). وبنفس الوضع حينما تلكم أمام أغريباس الملك، لم يستطع هذا الملك الوثني أن يقاوم قوة الكلام الذي كان يتكلم به بولس، " فقال أغريباس لبولس: بقليل تقنعي أن أصير مسيحيًا" (أع 26: 28).

الغيرة قوة فعالة، فيها الاهتمام والجدية، وليست فيها رخاوة.

فقد قال الكتاب "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة" (أر 48: 10). لذلك كان خدام الله المتصفون بالغيرة، يعملون بكل جهد وقوة وبذل ولعلنا سنشرح ذلك في الفصل الخاص بـ(شروط الغيرة).

قال الرب لتلاميذه: هلم ورائي فأجعلكم صيادي الناس (مت 4: 19).

والصياد المفروض فيه أن يبحث عن الأماكن التي يوجد فيها اسماك، والتي يمكن فيها الصيد، ويضع الطعم، ويرمى الشبكة، ويجاهد ويصبر، كما قال القديس بطرس " تعبنا الليل كله..." (لو 5:5). إذن المسألة فيها تعب وجهد، ولكنها تنتهي بالفرح كلما امتلأت الشبكة سمكًا.

بولس الرسول كان يسهر إلى بعد منتصف الليل يَعِظ (أع 20: 7). ومعروفة قصة أفتيخوس الذي نام فوقع من الطاقة (أع 20: 7).

وربنا يسوع المسيح ظل يعظ الناس طول اليوم، حتى مال  النهار (لو 9: 12). إذن علينا أن نبذل جهدًا، بكل غيرة، من أجل خلاص الناس، كما قال الرسول عن خدمته "في تعب وكد، وأسهار مرارًا كثيرة" (1كو 11: 27). لخادم الملتهب بالغيرة، لا يكتفي فقط بالتعب، وإنما يصلي ويكتئب ويبكي!


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/17-Al-Ghira-Al-Mokadasa/Holy-Zeal_01-Fire.html

تقصير الرابط:
tak.la/ntmnpt8