أما الأرواح القوية فلا تخف. هي أقوى من الخوف.
إنها لا تخاف الموت، لأنها استعدت له بالإيمان والتوبة. ولا تخاف مما بعد الموت، إذ لها رجاء في الحياة الأبدية والعشرة مع الله فيها.
إنها تدرك تمامًا أن الموت هو مجرد انتقال من حياة أرضية مادية، إلى حياة سمائية أفضل بكثير. فتفرح بما يسمونه الموت. ولكنها تسميه الانطلاق من روابط الجسد المادية. وهي لا تخاف أيضًا من الشياطين الذين لا يجدون لهم مكانًا فيه. والأجمل من هذا كله أنها في ساعة الموت، تحيط بها الملائكة، وتحملها إلى الفردوس (لو 16: 22) وتزفها في فرح إلى مجمع الأبرار.
الأرواح القوية -في حياتها على الأرض- تستطيع أن تجذب الجسد إلى حياة الطهارة، ويمكنها أن تحمله وتصعد به إلى ما هو فوق مستواه المادي.
أنظروا إلى روح مثل روح يوسف الصديق، كيف رفعته روحه الطاهرة القوية إلى مستوى فوق الجسد وفوق كل شهواته وملاذه، فكان ساميًا جسدًا وروحًا على الرغم من الإغراءات التي أحاطت به (تك 39).
كذلك في الصوم (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، إذا انشغل الإنسان بالفكر الروحي، لا يشعر بتعب الجسد مهما صام. لأن الروح حينئذ ترفع الجسد وتحمله. مثال ذلك من ينشغل بقصة جميلة جدًا تستهوي روحه وفكره: إن قالوا له تعال فالأكل معد، يقول ليس الآن. ولا يشعر بجوع فروحه منشغلة.. وهكذا أيضًا من ينشغل بألحان أو قراءات أو تأملات روحية، تجعل روحه في حالة لا تعبًا فيها بتعب الجسد.
ومثل هذا يحدث لنا في أيام مقدسة مثل أسبوع الآلام، وبالذات يوم الجمعة الكبيرة بكل ما تحمل من صوم شديد.
الروح القوية تحمل الآخرين أيضًا. وتحتمل إساءاتهم.
الروح الضعيفة هي التي يقوى عليها الغضب والضيقة والرغبة في الانتقام من إساءات الناس. أما الروح القوية فهي كالجبل الراسخ تصدمه الرياح والزوابع والرمال، وهو صامد لا يتأثر.. لذلك قال الرسول "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء، ولا نرضى أنفسنا" (رو 15: 1).
لا شك أن الذي يحتمل هو أقوى روحًا من الذي يعتدي!
الروح القوية لا تهزها الأخبار ولا الأحداث بل لا يتعبها لمرض والألم. يقول الأطباء عن أمثال هؤلاء إن روحهم المعنوية قوية.
الإنسان الذي له روح قوية يتمتع بحرارة الروح.
تكون صلاته حارة ومستجابة، تستطيع أن تفتح أبواب السماء. وكل عمل طيب تعمله الروح في حرارة، بغير تكاسل ولا تهاون، بل بحماس وغيره ونشاط. وإن قامت بمسئولية معينة أو بخدمة للغير، تفعل ذلك بكل عواطفها. لذلك ينصحنا الكتاب بأن نكون "حارين في الروح" (رو 12: 11).
هذه الروح الحارة الطاهرة، تكون لها هيبة.
مثل هيبة الآباء أمام أبنائهم، وهيبة المرشدين أمام تلاميذهم. يكون لها هيبة أمام أفكار الخطية. فأي فكر أو شعور خاطئ لا يقوى على الاقتراب إليها. بل تكون لها هيبة أمام الأشرار وأمام الشياطين. فيخجل الأشرار أن يستهتروا أمام روح طاهرة، ولا يجرؤون على ذلك..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bjjvdz6