يا سيدي الصالح، يوم دخلت أحد مجامع الناصرة، لكي تبشرهم ببشارة الملكوت وتكرز لهم بالسنة المقبولة، وتعلن لهم انه قد تمت نبوة إشعياء النبي القائلة: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ" (إش 61: 1) لكنهم بدلًا من أن يقبلوا بفرح، راحوا يتساءلون من أين لك كل هذه الحكمة؟ معللين ذلك بأنك يا رب قد تربيت بينهم، وهم يعلمون والديك، ومن هم إخوتك أيضا.
يا للعجب من ذلك!! بدلا من أن يفتخروا بك، يتجاهلون قيمتك، يا للعجب من الطبيعة البشرية التي تتعامل مع الناس وتحكم عليهم حسب فوارقهم الاجتماعية، وليس حسب مبادئهم وجوهرهم !! أهانوك بأنك اتخذت أُما لك حسب الجسد اسمها مريم، وأَبا حسب الظاهر يعمل نجارا؟ فماذا في ذلك. أليس يعمل بيديه ويقوت نفسه والآخرين ويعطى من له احتياج بدلا من أن يجلس يستعطى.
ماذا وجدوا من خطيه فيمن دعوهم إخوتك، كل هذا يا رب لأنك لم تظهر أمامهم بصورة الغني، أو تتعلم عند معلميهم المشهورين. ولكن يا رب هذه هي الطبيعة البشرية أن يثبتوا أنظارهم فقط فيما قد يبدو حقيرا.
ولأنك يا رب تعرف هذه الطبيعة البشرية وكأنك تريد أن تقومهم وتصحح معتقداتهم ـ بأنه " لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ " (مر6: 4) ـ وبدلًا من أن يرتدعوا ويسلكوا باستقامة أخذوك على الجبل التي كانت مدينتهم قائمه عليه ليطرحوك من فوقه، أما أنت فاجتزت في وسطهم لأنه لم تكن ساعتك قد جاءت بعد (لو 4: 9).
نعم يا رب إنك لم تقابل مواقفهم بجفاء، أو تطلب نارا من السماء وتحرق المدينة بمن فيها مثل إيليا (لو 9: 53ـ 56)، أو تطلب اثنا عشر جيشا من الملائكة لكي يعاقبوهم على فعلهم هذا (مت 26: 53)، ولكنك يا رب كنت تشفى مرضاهم وتقيم موتاهم وكنت دائما تجول بينهم لكي تصنع خيرا (أع 10: 38)، ولم تكتفِ بذلك ولكنك أخذت معظم تلاميذك منهم، وكأنك تلفت نظرنا إلى نبوة حزقيال القائلة: "يَا ابْنَ آدَمَ, إِخْوَتُكَ إِخْوَتُكَ ذَوُو قَرَابَتِكَ, وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بِأَجْمَعِهِ, هُمُ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ: ابْتَعِدُوا عَنِ الرَّبِّ. لَنَا أُعْطِيَتْ هَذِهِ الأَرْضُ مِيرَاثًا. فَيَأْتُونَ إِلَى هُنَاكَ وَيُزِيلُونَ جَمِيعَ مَكْرُهَاتِهَا وَجَمِيعَ رَجَاسَاتِهَا مِنْهَا. وَأُعْطِيهِمْ قَلْبا وَاحِدًا, وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحا جَدِيدا, وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ (حز 11: 15، 18، 19).
وليس هذا فقط، ولكنك يا رب ارتضيت أن تظهر لتلاميذك بعد قيامتك من الأموات في الجليل، وأوصيت النسوة أن يبلغوا تلاميذك ذلك.
ها أنت يا رب تلفت نظرنا إلى كيفية ربح الآخرين من خلال اهتمامك بالجليليين. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ها أنت تطوف المدن كلها، والقرى لكي تعلم في مجامعهم وتكرز ببشارة الملكوت وتشفى كل مرض وضعف في الشعب (مت 35:9).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/62cy7gn