لقد بلغ الآباء القديسون أمثال أنطونيوس الكبير وباخوميوس ومرقس الناسك وغيرهم قامات روحية عالية، تبدو لكثيرين منا أنها درجات مستحيلة. وكأن طبيعة هؤلاء تختلف عن طبيعتنا أو مسيحهم غير مسيحنا!!!
لقد كشف لنا الآباء في كتاباتهم، أننا جميعًا طبيعة بشرية واحدة، والكل معرض لنفس التجارب والسقطات والشهوات، وإن اختلف شكل السقوط أو مظهره... هذا والإيمان هو هو مُقدّم للجميع، والإمكانية الإلهية لا تتغير... إنها قادرة أن تخلق من أشر المجرمين قديسين. إنما الفارق الحقيقي ينصب في أمرين:
الأمر الأول: هو معرفة إمكانية النعمة الإلهية القوية القادرة أن تعمل، فالقديس هو إنسان مثلي ومثلك، له ضعفاتي وضعفاتك... إنما أدرك القوة الإلهية وتلامس معها، وتلاقى مع الحب الإلهي وبركات الصليب والفداء... وعرف إنه هو ما هو ولكن نعمة الله العاملة فيه... لهذا لا عجب إن كان الرسول بولس لا يكف عن أن يطلب من أجل شعبه لكي تستنير عيونهم وقلوبهم فيدركوا تلك القوة الفائقة العظيمة التي تعمل في قلوب المؤمنين.
والأمر الثاني: أن معرفتهم لم تقف عند مجرد المعرفة العقلية البحتة، أو الإيمان النظري الذهني، لكن آمنوا إيمانًا حيَّا عاملًا. فالمعرفة تتطلب منّا أيضًا الجهاد والاغتصاب: "ملكوت السموات يغتصب والغاصبون يختطفونه"، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كان لابد لهم أن يعملوا أيضًا ويتعبوا، وكما يقول الرسول بولس عن نفسه "لكن بنعمة الله أنا ما أنا ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة بل تعبت... ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي" (1كو1:15).
لم يكف الرسول بولس عن أن يوصي تلاميذه عن حياة الجهاد والعمل إلى النفس الأخير، لأن نعمة الله لا تعمل في المتراخين والمستهترين.
وإني أعلم إنه ليس بخافٍ عليك أن ما سجله هؤلاء الآباء هو ثمرة عمل النعمة الإلهية مع جهاد طال لسنوات كثيرة... لهذا يلزمني وإياك ألا نرتئي فوق ما ينبغي... بل نعرف قامتنا الروحية ونجاهد طالبين عمل النعمة، غير منفذين كل ما جاء في هذا الكتاب إلا تحت إرشاد أب الاعتراف. لأن الإرشادات الواردة في هذا الكتاب تخص مستويات روحية مختلفة، وإن كان لم يشر كل نص إلى المستوى الروحي الخاص به.
وقد حذرنا الأبوان أوغريس ودوروثيؤس وغيرهما، كما سنرى، ألا نقدُم نحو عمل أو تدريب غير الذي يليق بنا ويتناسب معنا...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/96fxqk7