1- تتميز اللتورجيات القبطية عن غيرها في تأكيد أنها ليست حِكرًا على الكهنة بل هي ليتور جيات الكنيسة ككل، يشترك فيها الشعب مع الكهنة، فللشعب ألحانه الطويلة ومرداته ودوره للاشتراك وليس مجرد الاستماع، لذا وجب على الكهنة الصلاة بلغة مفهومة وبنطق واضح يتمشى مع عذوبة اللحن حتى يجد الشعب طريقه في الشركة الحقة. هنا نقصد بالشعب شركة الكل: الرجال والنساء مع الشيوخ والشباب والأطفال؛ كل عضو يجد له موضعًا في العبادة الليتورجية. فلا تعرف الكنيسة القبطية عزل الأطفال مثلًا أثناء خدمة القداس الإلهي أو عند ممارسة أية عبادة ليتورجيا. ولعل هذا أحد أسباب قوة الكنيسة في مصر، إذ يشعر الطفل بعضويته الايجابية وحقه في الشركة في اللتورجيات الكنسية، يسنده في ذلك الطقس الممتع واللحن العذب الذي يبهجه فلا يشعر بملل بالرغم من طول فترة الخدمة الكنسية.
2- الليتورجيات القبطية ليست فقط تحقق وحدة الكنيسة حيث تتناغم الجماعة كلها من كهنة وشعب، ومن كبار وصغار لكنها أيضًا تحقق غاية الكنيسة ألا وهو الكشف عن الحياة السماوية كحياة ليست بغريبة عنا ولا بعيدة! فكل الليتورجيات القبطية تتسم بالفكر السماوي الأخروي (الاسخاتولوجي Eschatology)، ترفع المشتركين فيها إلى شركة التسبيح مع السمائيين، وتنير بصيرتهم لإدراك أسرار السماء الخفية والتمتع بعذوبتها في أعماق القلب. أذكر على سبيل المثال ليتورجية الزواج التي توجه النظر نحو العرس السماوي وإكليل القديسين بوضوح وقوة.
3- ترتبط الليتورجيات القبطية بالعقائد الكنسية، فبطقوسها ونصوصها قادرة على تعليم حتى الأطفال عن إيمان الكنيسة ومفاهيمها وعقائدها الخاصة بالله وعلاقتنا به، وعلاقتنا بالسمائيين والقديسين، ونظرتنا القدسية للعالم والجسد، وجهادنا ضد إبليس وجنوده إلخ... اللتورجيات مدرسة الشعب، تفتح أبوابها بالبساطة للطفل وبالأعماق اللاهوتية للدارس المخلص في بحثه.
اللتورجيات القبطية تعلن العقيدة بعد أن تنزع عنها الجفاف العقلاني، كما تعطي العقائد الليتورجيات مفاهيم لاهوتية أصيلة يعيشها المؤمن في لحظات تعبده.
4- ترتبط الليتورجيات القبطية بحياة الكنيسة النسكية، فان كان للنسك أثره الفعال على الليتورجيات يظهر في طول فترة العبادة وكثرة السجود والمطانيات، فان للتورجيات أثرها أيضًا على النسك فتعطيه عذوبة خاصة، تظهر بوضوح في خدمة أسبوع الآلام والجمعة الكبيرة، فمع تشديد المؤمنين على فترة الانقطاع عن الأكل وعدم الترف فيه تجد الكل في تعزية حقيقية قلما ينعمون بها خلال السنة. أيضًا ممارسة القداسات الإلهية في الصوم الكبير يجعل منها فترة مبهجة في الداخل وفي وسط ممارسة الصوم.
5- تمتاز الليتورجيات القبطية بسمتها الكتابية، فكل ليتورجية في حقيقتها كشف عن كلمة الله وتمتع بالحياة الإنجيلية، لهذا حرصت كل اللتورجيات ليس فقط أن تضم قراءات كثيرة من الكتاب المقدس بعهديه، خاصة من أسفار المزامير ورسائل معلمنا بولس الرسول ورسائل الجامعة والأناجيل، إنما تقدم صلواتها وتسابيحها تضم عبارات كتابية وتحمل الفكر الإنجيلي، حتى يمكننا القول بأن اللتورجيات تقدم تفسيرًا مبسطًا لروح الإنجيل.
6- يمكننا القول بأن اللتورجيات القبطية تمس حياة المؤمنين اليومية والأسرية، بكونها الدينمو dynamo المحرك لهم في حياتهم الواقعية، فلا يوجد فصل بين العبادة الجماعية والحياة الواقعية... بمعنى آخر لا يشعر المؤمنون أن العبادة الليتورجية هي واجب يلتزمون به بجانب أعمالهم الخاصة، وإنما هي جزء لا يتجزأ من حياتهم ككل، تسندهم في كل أيام حياتهم.
لكي نوضح ارتباط الحياة الليتورجية والعبادة الجماعية بالحياة اليومية عند الأقباط، نذكر على سبيل المثال لا الحصر:
أ] يشعر الكاهن مع الشعب أن القداس الإلهي (ليتورجيا الإفخارستيا) هو تمتع بصليب ربا يسوع، ودخول إلى الجلجثة ليجلس الكل تحت ظله، لهذا عند رفع الحمل يضع الكاهن يديه على الحمل ليذكر أسرته حسب الجسد وأولاده الروحيين بل وكل الشعب، يطلب عن النفوس الساقطة لأجل توبتها وعن المشاكل الكنسية والأسرية ومشاكل الذين في ضيق حتى يتدخل الرب بنعمته، ويصلي من أجل المسافرين والمرضى والراقدين إلخ...
اعتاد الشعب القبطي في كل مشاكله العملية أن يطلب من الكاهن أن يذكرهم بأسمائهم ويعرض مشاكلهم على مذبح الرب، ويشتركون هم بقلوبهم معه في الطلب. هكذا يجد الأقباط سر راحتهم في القداس الإلهي، حيث يجدون دم ربنا يسوع المسيح شفيعا كفاريًا عن خطاياهم، وسر سلامهم الداخلي.
ب] خلال اللتوجيات المتنوعة يشعر المؤمن بأمومة الكنيسة الحانية، وأبوة الكاهن كعلامة وظل لأبوة الله... لهذا في كل صغيرة وكبيرة يلجأ الأقباط إلى الكنيسة بكل ثقة وحب. يلجأون في كل الظروف المؤلمة والمفرحة، فإن أنعم الله على أسرة بطفل تمارس الكنيسة ليتورجيا (إن صح التعبير) حميم الطفل. فيشترك الكاهن مع الشمامسة وأفراد الأسرة والأحباء في تقديم تسابيح شكر لله، طالبين أن يعمل في الطفل لينمو عضوا حيًا مقدسًا في الكنيسة. وأن تحقق نجاح في عمل ما يقومون تمجيدًا لله أثناء القداس الإلهي؛ وإذ حدث مرض تمارس ليتوجيا سر مسحة المرضى، وأن حدث رقاد تشترك الكنيسة في خدمة التجنيز وفي اليوم الثالث تمارس صلاة جماعية في المنزل لإعلان تعزية الله خلال قيامة السيد المسيح في اليوم الثالث، وفي كل ذكرى لراقد يذكره الكاهن في القداس الإلهي (الترحيم).
هكذا لا تقحم الكنيسة نفسها في حياة أولادها بل تحنو بالحب لتشاركهم في كل دقائق حياتهم، فيشعر المؤمنون بأمومة الكنيسة ومشاركتها مشاعر أولادها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/y7w7n4a