St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty  >   002-Saint-Paul-Chrysostom
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب في مديح القديس بولس - القديس يوحنا ذهبي الفم - القمص تادرس يعقوب ملطي

39- بولس والافتخار

 

كثيرون ممن تطّلعوا إليه أرادوا التمثل به بلا تفكير أو تمييز، هذا يحدث أيضًا في مجال الأطباء فنجد ما يصفه الطبيب بعناية لشخصٍ ما يستخدمه الآخر باستهتار فيفقد تأثيره وفاعليته. ولتجنب المزيد من الصعوبة لاحظ كيف أحاط بولس الرسول ممارساته وأفعاله بحدود عظيمة مؤجلًا مدح النفس لا مرة ولا اثنين بل مرات عديدة قائلًا : "ليتكم تحتملون غباوتي قليلًا" (2 كو 1:11) وأيضًا:" الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه" ( 2كو 17:11، 21) "في غباوة أنا أيضًا أجريء فيه". ولم يجد هذا القول ملائمًا ولكن في رفضه لنزعة الافتخار يخفي شخصيته قائلًا: "أعرف إنسانًا في المسيح"، وأيضًا "من جهة هذا أفتخر ولكن من جهة نفسي لا أفتخر إلا بضعفاتي"، وبعد كل ذلك يضيف قائلًا: "قَدْ صِرْتُ غَبِيًّا وَأَنَا أَفْتَخِرُ. أَنْتُمْ أَلْزَمْتُمُونِي!" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 2، 5، 11).

حينما نرى هذا الرجل القديس يرفض ويتردد كثيرًا في الافتخار بنفسه حتى حينما يقتضي الأمر ويلزمه بذلك دائمًا يلجًم حديثه، كحصان جامح ينحدر من على قمة جبل، مستخدمًا أقل الكلمات الممكنة، فمن يمكنه التجاسر والحمق في أن ينغمس في مدح النفس بدلًا من ترشيد هذا الافتخار عند الضرورة القصوى إن اقتضى الأمر؟

أتريد أن أقول لك عن ميزة أخرى فيه؟ إننا نُعجب لا فقط بشهادة الضمير، بل في أنه كيف أرشدنا في السلوك في كل تلك الظروف. إنه يعتذر من الافتخار بنفسه، لأن الحاجة ألزمته بذلك، ولكنه أيضًا ينتهز تلك الفرصة لُيعلمنا أن لا نضيع هذا الموقف لو حدث ذلك ولا أن نجتذبه بالقوة للمدح.

St-Takla.org         Image: Saint Paul in prison, Coptic icon by Sis. Sawsan صورة: أيقونة القديس بولس الرسول في السجن، رسم تاسوني سوسن - أيقونة قبطية حديثة

St-Takla.org Image: Saint Paul in prison, Coptic icon by Sis. Sawsan.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديس بولس الرسول في السجن، رسم تاسوني سوسن - أيقونة قبطية حديثة.

أن هدف ملاحظاته هنا توضيح أنه لشر عظيم الانغماس في الحديث عن النفس. أيها الأحباء إنها علامة غباوة عظمى مدح أعمالنا بلا ضرورة أو بدون سببٍ ملزمٍ لذلك. فمثل هذا الكلام لا يتوافق مع السيد الرب ولكنه علامة حقيقية تجردنا من كل ما اقتنيناه بتعب وجهاد. فمثل هذا التحذير وجهه لجميعنا وخاصة حينما أُلزم على الحديث بافتخار عندما ألزمته الحاجة.

الحقيقة التي تسترعي الانتباه أنه لم يتحدث بصراحة عن كل شيء حينما تتطلب الموقف ذلك ولكنه نجح في إخفاء الجزء الأعظم من إنجازاته. "فإني آتي إلى مناظر الرب وإعلاناته. ولكني أتحاشى لئلا يظن أحد من جهتي فوق ما يراني أو يسمع مني" (2 كو 1:12، 6) هذه الكلمات درس لنا تعلمنا ألا نفصح كل شيء عن أنفسنا حتى لو اضطررنا للكلام، ولكن نتحدث فقط عن ما سيفيد سامعينا.

هكذا أيضًا فعل صموئيل، لأن لا شيء يمنع مدح ذلك الرجل البار حتى نستفيد كلنا منه، فهو أيضًا افتخر في بعض المواقف، وتحدث عن أعماله الصالحة، ولكن بأي طريقة وأسلوب؟ تحدث فقط ليفيد سامعيه، فلم يسهب في الحديث عن الوداعة والتواضع ومسامحة الإساءة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولكن عما تحدث؟ تكلم عما احتاجه الملك في هذا الوقت عن العدل وعن حفظ النفس من الرشوة.

داود أيضًا افتخر بنفسه في نطاق فائدة سامعيه فقط، فلم يخصص فضيلة معينة، ولكنه قاتل أسد ودب لا أكثر (1 صم 34:17). الحديث بلا داعي يكشف عن طموح وافتخار (كبرياء) ولكن الالتزام بما يتطلبه الموقف يشبه عمل صديق يشبع احتياجات صديقه دائمًا.

هكذا فعل بولس الرسول، اتهموه بأنه ليس رسولًا، وله قوة خارقة، فالتزم الأمر دليل على صحة رسوليته وإظهار قيمته. لاحظ كيف في حديثه لم يكن هناك أي كبرياء بل لاستنارة سامعيه:

أولًا: وضح أنه تصرف هكذا كما استلزم الأمر.

ثانيًا: دعا نفسه مختل العقل واستخدم تعبيرات مماثلة كثيرًا.

ثالثًا: لم يفصح عن كل شيء بل احتفظ بالجزء الأعظم وأخفاه.

رابعًا: أخفي شخصيته قائلًا: "أعرف إنسانًا..."

خامسًا: لم يظهر كل فضائله كدليلٍ بل فقط ما تتطلب الأمر إظهاره.

 احتفظ بهذا التوازن بين افتخاره لنفسه وعدم مدحه آخرين، لأن توبيخ الآخر وإدانته شيء مرفوض، ولكن بولس وبخ في أوقات معينة جديرة بالثناء حتى أنها ظهرت كالمديح مثلًا مرة أو مرتين دعا الغلاطيين أغبياء (غل 1:3) و"الكرتيون كذابون وحوش ضاربة بطون بطالة" (تي 12:1) وجعل هذا نصًا في كرازته.

وكقدوة لنا أسس تعريف وفنون التعامل مع مَنْ هم ضد الله وألا يجب الترفق بهم ولكن علينا اختيار الكلمات التي تصيب الهدف. في الواقع بولس وضع قوانين عديدة لكل شيء، فكل كلماته وأعماله مقبولة، سواء كانت مدحًا أم توبيخًا قاسيًا أو مترفقًا في افتخار بالنفس أو التقليل من شأنها، في مدح أم ذم، ولماذا نتعجب لو كان التوبيخ يستحق المديح لو كان ضد القتل والخيانة والخطية ونجده مستخدمًا في العهد القديم والجديد؟ لنتأمل كل تلك الأمور بعناية ودقة لنمدح بولس الرسول ونمجد الله ونقتدي به لنحصل على البركات الأبدية بالنعمة وبصلاح ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة الآن وإلى الأبد وأبد الآبدين آمين.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-020-Father-Tadros-Yaacoub-Malaty/002-Saint-Paul-Chrysostom/St-Paul-Zahaby-El-Fam-39-Pride.html

تقصير الرابط:
tak.la/gfa4d6h