إن الذين لا يُعاقبون في هذا العالم إنما هم محفوظون لعقاب أبدي لكن الرب لا يكف عن أن يمتحن أولاده بضيقات متنوعة، ويعلمنا أن نشكره ونفرح بأننا حسُبنا أهلًا للتأديب الإلهي.
إنه يقرع على أبوابنا بواسطة الضيقات لكي يذكرنا بحضرته، وآلام المسيح هي الجواب على كل حيرتنا، إنها ليست الجواب النظري بل العملي، بعد أن شاركنا الرب آلامنا حتى الموت على الصليب، فنحن في ضيقاتنا غير متروكين، حتى في أوقات الشدة هو يشاركنا ويزاملنا ويحضر معنا لأنه قادر أن يعين المجربين، ومن جهة أخرى، نرى في ضيقنا ومضات وتعزيات تشع أمامنا ينعم بها الله علينا لتنفتح أمامنا أعماق وحقائق ونأتي إلى خبرات ما كنا نتوقعها. إنه يقودنا لنحسُ ونلمس وندرك حقائق أهم: أن مشيئته هي خلاصنا ونجاتنا الأبدية، وكل ما هو مطلوب منا هو أن ننصت إلى مشيئته الإلهية التي تتراءى لنا خلال تجاربنا، وأن نكون مستعدين للخضوع لها "لتكن مشيئتك"، "لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت" فحالما نقبل ما يأتي إلينا من آلام وضيقات باعتبارها آتية من الله ونخضع لمشيئته، فإن قوة غير متوقعة ما كان يمكن أن نتخيلها تتدفق فينا وتؤيدنا وتعزينا وسط الضيق والتجارب، حينئذ نبدأ نشعر ببركة الخضوع لمشيئته، بل وببركة المشاركة في آلام ابن الله، وهذا ليس بالكلام بل هذه هي الحقيقة التي تعطي معنى لضيقاتنا، إذ صارت آلامنا جزءًا من آلامه بقبولنا إياها بحريتنا.
كثيرًا ما لا يمكننا أن نفهم طرق الله، إلا أنه في الضيق يستعلن حضوره، ولا جواب غير هذا يشبع احتياجاتنا: إنه حضور الإله الذي في كل ضيقاتنا يتضايق، إنه حضور الإله المتألم الذي صار حقًا وتمامًا أخانا البكر-بالتدبير-تألم معنا ولنا ومن أجل خلاصنا، إنه حضور إلهنا المحب الذي فيما هو مُجرب يقدر أن يعين المجربين، فآلامنا صارت آلامه وضيقنا ضيقه وتجاربنا تجاربه، وفي هذه جميعها يعظم انتصارنا به.
إن بلوغنا إلى التسليم والطاعة بصبر عند الضيق والتجربة، يمكننا أن نستظل تحت ستر جناحيه ونرتمي بين ذراعيه محتمين بحمايته وقيامته ومحبته، ونحن واثقون من وجوده وحضوره المبارك في تجاربنا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. إن محبة المسيح "المخفية والمعلنة" تنكشف لنا وسط الآتون وفي الجب، محبته "تحصرنا" وهي أقوى من الألم والضيق والموت.
فلنقبل إذن التأديب كوسيلة لإصلاحنا لئلا يغضب الرب ومن ثم نباد بتركنا للطريق المستقيم، ويقول القديس كلمنضس السكندري "بتأديب الرب لنا وإرشاده نخلص من الموت". إننا لابد أن نتيقن من أن التأديب هو صمام الأمان للرجاء الذي يدعونا للالتصاق الدائم بالمسيح وبالحياة الدائمة لأجل الله وإدراك الوعود السماوية والمكافآت الإلهية".
يلزمنا أن نسلم للتأديب لأنه نافع لنا وفيه حمايتنا من الهلاك، أما إهمالنا له وإدارة ظهورنا للضيقات فهو موت، فقط علينا أن نوقظ الرب كما لو كان نائمًا، كي يأمر الريح ويستعيد لنا هدوءنا وسط عواصف الضيقات وأمواجها، وهذه هي مسرته في أن يعين الذين يصرخون نحوه: إنه ينصت إلى مختاريه ويسمع صراخهم مصغيًا لاستعداد قلوبهم، وتأتي إجابته "هأنذا" للذين يستغيثون به ويتوسلون إليه، يكون لهم ميناء ومرساة وطوق نجاة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/za62tv7