كانت هذه أساسًا وسيلة تعليم ذاتي، يتدرَّب المُبتدئون على استخدامها لأنَّ آباء البريَّة كانوا يعتبرون الطبيعة والخبرة مُعلِّمين جيدين، وهكذا عندما سخر أحد الفلاسفة من القديس الأنبا أنطونيوس ووصفه بأنه يجهل القراءة، أجابه أنطونيوس قائلًا: ”إنَّ كتابي أيها الفيلسوف هو طبيعة الأشياء المخلوقة، وهو موجود وقتما أُريد أن أقرأ كلمات الله“ (37).
فمنذ هذا العصر المُبكِر للغاية، رأى الرُّهبان الطبيعة والكون كلّه كوسيلة وأداة تعليمية فعَّالة، تُصوِّر في آنٍ واحد عظمة الخالِق وأيضًا عِنايته الإلهية، وفي كِتابه ”الهيكساميرون Hexameron أي سِتَّة أيام الخليقة“ ينصح القديس باسيليوس قارِئه أن يتأمَّل في المخلوقات الحيَّة (38)، إذ أنَّ النحل والحيوانات الأخرى يُقدِّم دومًا دروسًا نافعة للإنسان، بحسب القديس كيرلُس الأورشليمي (39).
وقد أعطى هذا النوع من التأمُّل للرُّهبان إمكانية الدراسة المُتأنية لبيئتهم واستخدام تشبيهات وصُوَرْ بلاغية مأخوذة من الطبيعة في تعليمِهِم يكون لها معناها ودلالتها للإنسان، كما هو الحال في رسائِل القديس أموناس (40) التي تُعتبر أغنَى وأهم مصدر عن تاريخ الرهبنة المُبكرة في برية الإسقيط، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لكن لابد أن نُوضِح هنا أنه في نفس الوقت، كان العديد من الرُّهبان في جهادهم وانتباهم لحياتهم الباطنية، يغِضُّون النظر عن التأمُّل في بيئتهم المادية، وفي ”الأقوال“ قيلَ عن الأُم سارّة أنها عاشت لمُدَّة 60 عامًا على ضفة نهر ولم تنظُرهُ قط (41).
وأخيرًا، الحياة نفسها كانت مُعلِّم قدير (42)، وأخطاء الراهب وحروب الشيطان وأعمال الروح القدس، كلّ هذا جميعه يُعلِّم الراهب أشياء عديدة، ويكتُب القديس يوحنَّا الدَّرجي قائلًا:
”ليتشجع الذين استعبدتهم أهواؤُهم، لأنهم وإن كانوا قد سقطوا في كافة الحُفرات واقتُنِصوا بسائِر الفِخاخ وانسقموا بكلّ الأمراض فسيصيرون بعد تعافيهم مصابيح مُنيرة ومُرشدين وأطباء للجميع يكشفون لهم أعراض كلّ مرض ويُنقِذون بفضل تجربتِهِم مَنْ أشرف على السقوط“. (43)
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/766hmz6