الله حب... وفي حبه خلق النفس نسمة صادرة منه، قادرة أن تحب لا بحكم طبيعتها الذاتية بل لارتباطها بالله الحب المطلق.
إنها صورة الثالوث الأقدس وعلى مثاله تنجذب إلى الله وتتوق إليه وتشبع منه.
علاقة الله بالإنسان أو العكس لا تقف عند مجرد علاقة عبد بسيد أو تمثال بصانعه أو خليقة جامدة بإله قوي جبار... إنما هي أعمق وأعمق، هي علاقة حب متبادل، أو قل عشق بين حبيبين أحدهم صورة أو ظل والآخر هو الأصل.
فبين الإنسان وبقية المخلوقات فارق. فالله لم يخلق الإنسان كبقية المخلوقات الأرضية التي يقف عملها عند مجرد الطاعة الكاملة متعبدة له بخضوع طبيعي مطلق لا تقدر أن تنحرف عنه ليس لها أن تقبل أو ترفض... وفي هذا تكشف عن جمال الله وقدرته وحكمته... إنما هي علاقة انجذاب للصورة نحو الأصل عبادة حب متبادل يسر الأصل بالصورة ويتبناها وتتقبل الصورة مسرة الأصل وتفرح به بإرادتها.
خلق الله الإنسان لا لاحتياجه إليه أو إلى عبادته فإن الله لا يحتاج حتى إلى الملائكة وكل الطغمات السمائية التي تتوق دومًا أن تخدمه بمسرة!!
إنما خلق الإنسان على صورته ومثاله، يلذ به لما فيه من انعكاس لانطباعات الله قبل أن يفسدها الإنسان.
فالله يحب، والإنسان يقبل الحب...
الله يعطي، ولإنسان يتقبل الحب...
الله يهتم، والإنسان يدرك اهتمام الله...
ما أجهل أولئك الذين يتصورون الله إلهًا عظيمًا جبارًا يجلس على عرش عال مرتفع، بمنأى عن الناس وشئونهم، لا يهتم بسعادتها أو شقائهم... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). يتصورون الله كما تصور أرسطو. أنه حرك العالم وأوجده ولم يعد بعد ما يربطه به فقد قيل "إن الله عند أرسطو يشبه قائدًا وقف كالتمثال اعتزازًا بكرامته وكأن هناك عساكر من خشب أخذت تحاكيه على قدر استطاعتها فتنظمت جيشًا حقيقيًا".
الله لم يخلق الإنسان ليقف متفرجًا عليه. ولا لكي يخيفه ويرعبه طالبًا منه تقديم ذبائح وتقدمات ترضيه وإلا نفث فيه غضبه... كما يحسب الوثنيون. إنما هو حب يعشق محبوبيه...
والآن ماذا قدم الحب لمحبوبيه؟!!
+ قدم لهم فردوسًا لإشباع حاجات الجسد، وقدم نفسه فردوسًا للنفس، كما أعطى للإنسان كرامة.
+ ووهبهم وصية حب.
+ ودبر لهم خلاصًا عند سقوطهم...!!
+ يقول غالبية البشر: ماذا؟ هل يفكر الله في الآن حتى يعرف ما أصنعه في منزلي؟! هل يهم الله ما أريد أن أفعله وأنا على سريري؟!!
"اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟" (مز 94: 8)، فإنك كرجل من شأنك أن تعرف كل ما يدور في بيتك وأن يصل إلى علمك كل أفعال خدمك وأقوالهم. أفما تظن أن لله عمل كهذا، أنهه يخلصك؟!!
+ إلهي... إنني إذ تأمل في ضميري، أراك ناظرًا نحوي دائمًا، ومتنبهًا إلى نهارًا وليلًا بجهد عظيم حتى كأنه لا يوجد في السماء ولا على الأرض خليقة سواه.
+ أنت الذي ترفرف بعنايتك حول كل البشر، من يوم ولادتهم إلى يوم وفاتهم...
مراحمك يا ألهي وحنوك يشملان خليقتك كلها، إذ أنك لا ترفض عمل يديك...
+ عيناك منجذبتان نحو خطوات البشر...
إذ أنت مهتم بك خليقتك، لا تحرم واحدًا من جبلة يديك عن فيض حبك!!
أنت بنفسك تهتم بخطواتي وطرقي ليلًا ونهارًا تسهر لرعايتي، تلاحظ كل سبلي لا تكف عن الاهتمام بي حتى ليمكنني أن أقول: أنك تنسى السماء والأرض وما فيهما، مركزًا اهتمامك على فتبدو كمن لا يهتم بخليقة سواي!!
نور عينيك السرمدي ينصب بكماله نحوي... ومع ذلك فهو ليس بغير موجود بالنسبة لغيري، إذ لا يضعف نورك قط باحتضانه الخليقة غير المحصية.
نظرك كامل في قدرته ليس شيء يقدر أن يفقده شيئًا من قوته يبقى رغم اتساع مداه كما هو كماله، لا تخور قوته ولا يضعف صلاحه...
نظرك كامل، يتطلع إلى الكل دفعه واحدة... لا يمس سرمدية طبيعته انقسام أو تغيير أو نقص...
أنت تحتضن وجودي برعايتك إياي رعاية كاملة دفعه واحده، وتحتضنني على الدوام، كأنك لا تتطلع إلى آخر سواي!!
تسهر على، وكأنك قد نسيت الخليقة كلها.
تهبني عطاياك، وكأني وحدي موضوع حبك.
بصلاح حلولك الدائم في كل مكان، تسرع إلى دومًا بمعونتك متى وجدتني متأهلًا لقبول عونك...
إلهي... حيثما أكون أجدك أمامي لأنك حال في كل مكان وبنعمة حلولك هذا أتقابل معك أينما أكون حتى لا اهلك لأنه بدونك ليس لي وجود.
إنني أعترف لك إذًا أن كل أعمالي أيا كانت طبيعتها فإنها مكشوفة قدامك تتطلع إليها أكثر مني وتعرف فاعلها.
إنه لا يوجد قط شيء أنت لا تعرفه... أفكاري ومقاصدي وأفراحي. وأعمالي... ليس شيء من هذا غير مطروح أمام اهتمامك الأبدي.
إلهي... أنت تعرف أفكاري في أعماق غموضها. إلهي... أنت لا تجهل جانبًا ما من جوانب روحي. أنت تعرف هدف أعمالي وما يجول بذهني وطبيعة مسراتي... عيناك تترقبان هذا كله وأذناك تنصتان إليه.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7k33jm9