* "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أم 34:6)
الغيرة حركة انفعال داخلية, وهى نار تشتعل في القلب, والكلمة في الأصل تتضمن الغليان, ويُعرِّفها الحكيم سليمان بأنَّها الحَمِيَّة, فَيَقول "الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ" (أم 34:6) كما يصفها بأنَّها قاسية كالهاوية حيث يقول: "الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ" (نش 6:8).
الغيرة هي الريبة في تصرفات أو أهواء شخص آخر من شدة التعلُّق به, وهى مرض نفسي دفين إذا اكتمل يُنتج حقدًا فَمَوتًا. هكذا يقول أليفاز التيمانى صديق أيوب "الْغَيْرَةَ تُمِيتُ الأَحْمَقَ" (أى 2:5).
وقال أحدهم "الغيرة هي القائد الأعمى للإرادة" وتقرأ شهادة معلمنا بولس الرسول عن أخوته بحسب الجسد فَيَقول "لأَنِّي أَشْهَدُ لَهُمْ أَنَّ لَهُمْ غَيْرَةً للهِ، وَلكِنْ لَيْسَ حَسَبَ الْمَعْرِفَةِ" (رو 2:10), ولذا قادتهم هذه الغيرة العمياء لاضطهاد المسيحيين, كما سلك هو قبلًا في ذلك الطريق وذلك قبل إيمانه بالمسيح إذ كان يسوق المسيحيين للقتل, وكان راضيًا بقتل استفانوس الشهيد الأول.
والغيرة في حد ذاتها ليست جريمة على طول الخط بل هي حسنة ورديئة, وذلك بِحَسب الباعث لها, والغرض منها, وروح صاحبها, فإنْ وُجِّهت للخير والحق صارت بركة عظمى, وعَمِلَت من أجل امتداد ملكوت السموات, ولذا فَمِن أوصاف الكتاب المقدس للغيرة الإيمانية أنَّها شعور مقدس مُضطرَم عند المؤمنين, وأنَّها تُحرِّض الإنسان على فعل الخير, وكل ما من شأنه تمجيد اسم الله القدوس, ولكن متى اتجهت نحو الشر هَدمت, ودمَّرت, وخرَّبت, وفرَّقت الأصدقاء, ووضعت العداوة بين الأشقاء, وغرست الخصام بين الأحباء, وفى الصفحات التالية سوف نقرأ أمثلة تطبيقية لذلك.
والغيرة تظهر بوضوح وجلاء في مرحلة الطفولة, وحتى مع الطفل الرضيع, ويمكنك أنْ تلمس ذلك لو أنَّ أم طفل تركته, وأخذت تداعب طفلًا آخر أمامه, أو أعطت اهتمامًا من أىّ نوع أو على وجه من الوجوه لِطِفل آخر دونه, وأيضًا حين تأخذ شيئًا من أدواته, أو لعبة من لعبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هنا وفى هذه اللحظة تظهر فيه روح الغيرة, وهكذا تستمر الغيرة في مرحلة الشباب, فَتَتمثَّل في الحماس الذاتي, وأحيانًا تكون ضرورة نفسية, وفى بعض المواقف تكون كَعَلامة للحيوية, والايجابية.
+ وأكثر من هذا, وفى بُعد آخر أعمق بِكَثير مِمَّا سبق. نُلاحظ أنَّ الغيرة سمة من سمات إلهنا تبارك اسمه الذي يقول "أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ...." (خر 5:20), ومكتوب "هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: غِرْتُ عَلَى أورشليم وَعَلَى صِهْيَوْنَ غَيْرَةً عَظِيمَةً" (زك 14:1), كما يقول له كل المجد في سفر حزقيال النبي "وَأَغَارُ عَلَى اسْمِي الْقُدُّوسِ" (حز 25:39).
ويغار الرب لأرضه, ويَرِقُّ لِشَعبه, كما يغار على مجده, ووصف صفنيا غيرة الرب بأنَّها نار تأكل الأرض كلها فَيَقول "بِنَارِ غَيْرَتِهِ تُؤْكَلُ الأَرْضُ كُلُّهَا" (صف 18:1).
أمَّا إشعياء النبي الإنجيلي, فَيَقول عن الرب "اكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ" (أش 17:59), وفى مرة يتجه إلى الرب, ويقول له "أَيْنَ غَيْرَتُكَ...؟" (أش 15:63).
* أيضًا يُحدثنا سفر المزامير عن غيرة الرب من المعبودات الأخرى فيقول "وَأَغَارُوهُ بِتَمَاثِيلِهِمْ" (مز 58:78), وغيرته من الإنسان الذي يعبد إلهًا آخر غيره. "ذلِكَ الرَّجُلِ، فَتَحِلُّ عَلَيْهِ كُلُّ اللَّعَنَاتِ الْمَكْتُوبَةِ فِي هذَا الْكِتَابِ، وَيَمْحُو الرَّبُّ اسْمَهُ مِنْ تَحْتِ السَمَاءِ" (تث 20:29).
+ وفى العهد الجديد يكتب معلمنا بولس الرسول إلى شعب كنيسة كورنثوس قائلًا "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ....." (2كو 2:11), كما يكتب إلى أهل غلاطية ويقول "حَسَنَةٌ هِيَ الْغَيْرَةُ فِي الْحُسْنَى" (غل 18:4).
وأيضًا يشهد لأبفراس خادم كنيسة كولوسي بأنَّ له غيرة كثيرة لأجل الخدمة (كو 13:4).
والروح في سفر الرؤيا حين أراد أنْ يُعالج حالة الفتور التي ظهرت في ملاك كنيسة اللاودكيين قال له: "كُنْ غَيُورًا وَتُبْ" (رؤ 19:3).
إنَّ المؤمن لَيَذوب غيرةً من أجل امتداد ملكوت السموات وانتشار كلمة الحياة في كل الأمم, كما أنَّه غيور في الخير مُتمثِّلًا بِسَيده الذي جال بين الناس يصنع خيرًا.
+ أخيرًا...
ليست الغيرة المقدسة سمة بارزة من سمات إلهنا فحسب, بل إنَّ اسمه " الغيور " مكتوب "فَإِنَّكَ لاَ تَسْجُدُ لإِلهٍ آخَرَ، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ. إِلهٌ غَيُورٌ هُوَ" (خر 14:34).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/b6xcc6t