السيد المسيح له المجد هو النور الحقيقي الذي أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه (يو 1: 5) وهو الذي قال "أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشى في الظلمة" (يو 8: 12) كما قال أيضًا "هذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة" (يو 3: 19).
الرب يسوع هو النور والعذراء مريم هي أمه التي حملته بالروح القدس إذن هي أم النور، وقد خاطبها آباء مجمع أفسس المسكوني العظيم في مقدمة قانون الإيمان التي نتلوها في كافة صلواتنا قائلين: نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله..
ولقب أم النور من الألقاب المعروفة شعبيًا للعذراء مريم، فحينما تقول كنيسة أم النور أو جمعية أم النور يفهم أنك تقصد كنيسة العذراء مريم أو جمعيتها. ونحن نكرمها لأنها ولدت لنا مخلص العالم الرب يسوع المسيح، وكما تقول التسبحة "هي مكرمة جدًا عند جميع القديسين لأنها أتت لهم بمن كانوا ينتظرونه"، وحينما نقول في مقدمة قانون الإيمان: "نعظمك يا أم النور الحقيقي" نقصد أننا نرفعك ونكرمك ونبجلك.
وإكرام العذراء والقديسين لا ينقص من إكرام الله وتعظيمه كخالق وضابط الكل بل يزيده لأن الله هو الذي عمل فيهم حتى صاروا قديسين، فإكرامهم يعنى إكرام الله العامل فيهم، وهو نفسه يكرمهم حسب قوله "أكرم الذين يكرمونني" فإن كانت العذراء مريم التي أكرمت الله هو يكرمها ويأمر بإكرامها حسبما نقول في مقدمة مجمع القداس "لأن هذا يا رب أمر ابنك الوحيد أن نشترك في تذكار قديسيك" أي في إكرامهم والاحتفال في تذكارهم، فكيف لا نكرمها نحن ونعظمها ونحتفل بتذكاراتها وأعيادها.
العذراء مريم هي السماء الثانية التي سكن فيها الله المتجسد، فالسماء هي مسكن الله حيث يقول "السماء هي كرسي الله والأرض موطئ قدميه، وحينما تجسد السيد المسيح في بطن العذراء واتخذها مسكنًا له على الأرض صارت هي السماء الثانية الجسدانية، لذلك فالناس الذين يعرفون قدرها وكرامتها في كل أنحاء العالم من مشارق الشمس إلى مغاربها يقدمون لها التمجيدات اللائقة بها.
والتمجيد يعنى كلمات المديح والتطويب التي نقدمها للعذراء مريم ولغيرها من القديسين متذكرين جهادهم وقداستهم، وتمجيدهم هو تمجيد لله العامل فيهم، وقد تنبأت العذراء مريم بأن الأجيال ستمجدها وتطوبها قائلة "هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عجائب واسمه قدوس" (لو 1: 48).
والرب يسوع حينما كان يتكلم صرخت امرأة من الجمع وقالت "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما" (لو 11: 27) وهنا نلاحظ أن المرأة قد طوبت العذراء التي حملت الرب يسوع في بطنها وأرضعته من ثدييها الطاهرين، وهذا أول تطويب نسمعه عن العذراء بعد نبوتها، وهنا قال الرب "بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو11 : 28) وهذا ليس معناه أن الرب لا يريد تطويب أمه العذراء كما يتبادر للذهن لأول وهلة بل هو يزيد على تطويب العذراء مريم لكونها حملته وأرضعته تطويبًا آخر هو أنها سمعت كلام الله وحفظته وعملت به، وكانت مثالًا يُحتذى في سماع كلمة الله والعمل بها، خصوصًا أن النص الأصلي للآية هو "أيضًا طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه". (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى).
والتمجيد الذي نقدمه للعذراء وبقية القديسين غير التمجيد الذي نقدمه لله، فالتمجيد الذي نقدمه لله هو أن نمجده ونعبده كخالق ومعبود ومخلص وفادى ومعتنى بنا ومدبر لكل أمور حياتنا، أما التمجيد الذي نقدمه للعذراء والقديسين فهو مديح وتطويب لشخصهم وجهادهم وفضيلتهم وقداستهم حتى نحتذي بهم وننظر إلى نهاية سيرتهم ونتمثل بإيمانهم (عب 13: 7) وبأعمالهم وفضائلهم.
العذراء مريم هي الزهرة العطرة بسيرتها وفضيلتها التي فاحت في كل العالم وعبقت أرجاء المسكونة، وهى الزهرة النيرة غير المتغيرة، منيرة ببتوليتها التي لم تنحل ولم تتغير حالتها بعد ميلاد المسيح، فهي العذراء الدائمة البتولية، وهى الأم الوحيدة في كل العالم التي تتمتع بهذا اللقب، فميلاد المسيح منها كان إعجازيًا لم يحل بتوليتها احترامًا لرغبتها وتكريمًا لنذرها أن تعيش متبتلة تخدم الله طول حياتها،أيضًا هو تكريم للبتولية وسموها وعلو شأنها، وقد تنبأ حزقيال النبي عن الأم الباقية عذراء وبتوليتها مختومة بقوله "ثم أرجعني إلى طريق باب المقدس الخارجي المتجه للمشرق وهو مغلق، فقال لي الرب هذا الباب يكون مغلقًا لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا" (حز 44: 1 – 3).
واستمرار بتولية العذراء مريم ليس دليل طهارتها فحسب بل هو دليل على ألوهية المسيح الذي ولد منها لأنه لولا ألوهيته وقدرته لما استطاع أن يولد منها وتظل بتوليتها مختومة، فهذه هي معجزة الأجيال التي لا يستطيع فعلها إلا السيد المسيح له المجد وحده الذي قام وخرج من القبر وهو مغلق وأختامه كما هي ودخل العلية وأبوابها مغلقة بكل حرص.
هذا نفس ما قاله الملاك عندما بشر العذراء مريم بحلول المسيح في بطنها وردًا على استفسارها "كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلًا" فأجاب الملاك قائلًا "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1: 34، 35) .
وفيه أيضًا اعتراف بالإيمان بالثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس، وفيه اعتراف بتنازل الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس إلى بطن العذراء ليتخذ منها جسدًا بفعل الروح القدس ليتمم به الفداء والخلاص على الصليب.
نطلب من أمنا العذراء بما لها من شفاعة مقبولة ودالة قوية لدى ابنها الحبيب أن تطلب إليه أن يطيل أناته على العالم الذي خلقه، وأن يدبر وصول كلمة الخلاص إلى كل ركن فيه وأن يسمع كل إنسان عن الخلاص المقدم لكل العالم، نسألها أن تتشفع لدى المسيح حتى لا ينزل غضبه على العالم في هيئة كوارث كالطوفان والزلازل والفيضانات والحروب البشعة وغيرها، نسألها أن تطلب إلى الرب أن يعطى سلامًا وهدوءًا، في ظله يفكر الناس في أمور دينهم ودنياهم.
وتشفعنا بأمنا العذراء ليس بالأمر الخاطئ بل هو عين الصواب وكثيرون من القديسين تشفعوا بآبائهم الذين كانوا قد فارقوا هذا العالم منذ زمن بعيد فيعقوب كان يتشفع بإبراهيم (تك 32: 9) وموسى تشفع بالقديسين إبراهيم وإسحق ويعقوب (خر 32: 13) وسليمان تشفع بأبيه داود المحبوب من الله وصاحب الدالة القوية أمامه (1 مل 8: 35، 36) وغيرهم كثير وكثير.
نسبح الرب تسبيحًا جديدًا مع بداية اليوم الجديد (في صلاة باكر) لأن مراحمه كثيرة، هي جديدة كل صباح ( مرا 3: 23).
نبارك الرب أي نسبحه ونزيده علوًا ونتغنى بحمده ونذكر بركاته وأفضاله الغزيرة علينا والتي لا تعد ولا تحصى.
إن كنا في صلوات الأجبية نسبح الله كل يوم بنفس كلمات المزامير والقطع والأناجيل، فهي ليست جديدة في منطوقها، ولكن يجب علينا أن نقدمها لله كل يوم بمشاعر جديدة على بركاته الجديدة وعنايته المتجددة بنا كل يوم وكل اليوم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rxk2d8s