حاول نسطور نشر فكره هذا وهرطقته بين رهبان مصر واللذين كان لهم دور مؤثر جدا في الأمور العقائدية واللاهوتية، ولما سمع القديس كيرلس، بطريرك الإسكندرية الرابع والعشرين (412 - 444م)، والمُلقب بعمود الدين ومعلم المسكونة ومعلم الأرثوذكسية، بما نادى به نسطور أرسل رسالة إلى الرهبان في الأديرة يوضح لهم فيها العقيدة القويمة في المسيح كما تسلمتها الكنيسة عن رسل المسيح، "الإيمان المسلّم مرة للقديسين" (يه1:3)، وخطورة ما ينادي به نسطور، وذلك دون أن يذكر اسمه صراحة في رسالته والتي جاء فيها: "اضطربت جدا لأني قد سمعت أن بعض الإشاعات قد وصلت إليكم، وأن بعض الناس يتجولون لهدم إيمانكم البسيط، ويتقيأون كثرة من سفه الأقوال الجزافية غير النافعة. ويضعون تساؤلات ويقولون: "هل ينبغي أن تدعى العذراء القديسة مريم والدة الإله أم لا؟"... فأني دُهشت من أن البعض يتساءلون فيما إذا كان ينبغي أن تدعى العذراء القديسة "والدة الإله"، أم لا. لأنه أن كان ربنا يسوع المسيح هو الله، فكيف لا تكون العذراء القديسة التي ولدته هي "والدة الإله"، أن التلاميذ الموحى إليهم سلموا إلينا هذا الإيمان، حتى وأن كانوا لم يذكروا هذا التعبير. ونحن قد تعلمنا من الآباء القديسين أن نعتقد هكذا".
وقد وصلت أخبار هذه الرسالة إلى نسطور فأرسل أكثر من رسالة إلى القديس كيرلس يعاتبه فيها ولكنه يصر على تعاليمه التي ينادي بها من ثم يقول "وأنا امتدح تمييز الطبيعتين، وارتباطهما معًا في شخص واحد، وعدم القول أن الله الكلمة كان محتاجا أن يُولد مرة ثانية من امرأة"، ثم استفاض في شرح ما للطبيعتين وكأنه يتكلم عن شخصين لا شخص واحد.
ومن ثم فقد أرسل القديس كيرلس رسالة إلى نسطور قدم فيها شرحًا مستفيضًا لعقيدة الكنيسة الجامعة في شخص المسيح وكانت هي الوثيقة الرئيسية التي أعتمد عليها مجمع أفسس في الرد على هرطقة نسطور وقد جاء فيها[95]:
"لأنه لم يولد أولا إنسانا عاديا من العذراء القديسة ثم بعد ذلك حل عليه الكلمة، بل إذ قد اتحد بالجسد الذي من أحشائها، فيقال أن الكلمة قد قبل الولادة الجسدية، لكي ينسب إلى نفسه ولادة جسده الخاص.
"وهكذا نقول أيضا أنه تألم وقام، ليس أن كلمة الله تألم في طبيعته الخاصة أو ضُرب أو طُعن أو قبل الجروح الأخرى، لأن الإلهي غير قابل للتألم حيث أنه غير جسمي. لكن حيث أن جسده الخاص، الذي وُلد عانى هذه الأمور، فأنه يقال أنه هو نفسه أيضا قد عانى هذه الأمور لأجلنا. لأن ذاك الذي هو غير قابل للآلام كان في الجسد المتألم. وعلى نفس النسق نفكر أيضا عن موته. إن كلمة الله حسب الطبيعة غير مائت وغير فاسد لكونه هو الحياة ومعطي الحياة. ولكن بسبب أن جسده الخاص ذاق بنعمة الله الموت لأجل الجميع كما يقول بولس (عب9:2)، لذلك يقال أنه هو نفسه قد عانى الموت لأجلنا".
"وهكذا فنحن نعترف بمسيح واحد ورب، ليس أننا نعبد إنسانا مع الكلمة، حتى لا يظهر أن هناك انقسامًا باستعمال لفظة "مع" ولكننا نعبد واحدًا هو نفسه الرب حيث أن جسده لا يخص غير الكلمة الذي باتحاده به يجلس عن يمين أبيه. ليس كابنين يجلسان مع الآب، بل كابن واحد متحد مع جسده الخاص".
فحاول نسطور أن يفرض فكره وهرطقته عن طريق بابا روما فكتب إلى كليستينوس بابا روما يشرح له فيها ما يعلم به، وكان كليستينوس قد سمع من كثيرين عن بدعة نسطور وأنه قسم أقنوم المسيح إلى اثنين، فأرسل إلى القديس كيرلس يستوضحه الأمر، فأرسل له في رسالة شرحًا مستفيضًا عن بدعة نسطور وتعاليمه الهرطوقية مع نسختين من رسائله إلى نسطور والتي شرح له فيها الإيمان القويم للكنيسة الجامعة الرسولية. وهنا عقد الأسقف كليستينوس مجمعًا من أساقفته، أقروا فيه بأن ما يعلم به نسطور هو بدعة وهرطقة، كما اقروا بأن ما يعلم به القديس كيرلس هو الإيمان الصحيح والعقيدة القويمة للكنيسة الجامعة الرسولية، وبعث إلى نسطور بكتاب يقول فيه "لقد وافقنا على رأي أسقف الإسكندرية ولقد نصحك، فإن شئت أن تبقى معنا لا بُد أن تنكر ما ناديت به، وأن تنادي بما ينادي به هو، فأن أصررت على رأيك ولم تر ما يراه أخونا كيرلس فأنت مقطوع من عداد زملائنا، ولا يمكن أن تكون لك شركة معنا، فأن كنت بعد عشرة أيام من وصول تنبيهنا هذا إليك لا تؤمن بما تؤمن به كنيسة الإسكندرية، ومعها كنيسة روما والكنيسة الجامعة فستقطع من الشركة كلها"[96].
ولما لم يراجع نسطور نفسه ولم يرتدع، لمخالفته للتسليم الرسولي وما تؤمن به الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية، بل وأيضًا ما يؤمن به أهل القسطنطينية وأساقفتها الذين كانوا من المفترض أن يقفوا معه ضد القديس كيرلس، لذا عقد القديس كيرلس مجمعا مكانيا في الإسكندرية، عرضت عليه هرطقة نسطور وتليت رسائل القديس كيرلس التي أُرسلت أليه وللأساقفة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وبعد الدراسة حكم المجمع على نسطور بالهرطقة. أي حكم على نسطور بالهرطقة في كل من روما والإسكندرية، ولم يكن مجرد خصما للقديس كيرلس، بل خصما للكنيسة الجامعة في الشرق والغرب.
وهكذا كان الصراع بين نسطور الذي وقف بهرطقته وفكره الذي أنساق إليه وتمادى فيه وقد منعه كبرياؤه من التراجع عنه، وأن كانت كتابته التي كتبها في المنفى، وبعد أن هدأت العاصفة والأمور، والتي اكتشفت حديثًا، والتي حاول فيها التراجع والتقارب مع فكر الكنيسة الجامعة، إلا أنه ظل بعيدا عن عقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية، فقد أنساق وراء فكره الخاص وترك التقليد الرسولي وما تسلمه عن آباء الكنيسة جيلا بعد جيل والذي كان يحتفظ به البطاركة في مكتباتهم.
ومع ذلك لا يمكن أن يكون ما نادى به هو لاهوت عربي، بحسب نظرية د. زيدان، فهو يؤمن بلاهوت المسيح وناسوته، وقد دافع عن لاهوت المسيح وعقيدة الله الواحد في ثالوث بشدة، وهذا يتناقض بشدة مع ما أفترضه د زيان في نظريته المزعومة. وإذا كان اللاهوت العربي يتمثل في علم الكلام الإسلامي والذي لا يؤمن بلاهوت المسيح ولا بعقيدة الثالوث، فلا يمكن أن يسمى لاهوت آريوس أو نسطور باللاهوت العربي لأن كل من آريوس ونسطور يؤمنان بعقيدة الثالوث، الأول يؤمن بالآب الخالق والابن المخلوق من الآب والذي في نفس الوقت هو خالق الكون ومدبره وفاديه وديانه، أي الله الظاهر للخليقة، خالقها وفاديها وديانها ومدبرها، والروح القدس المخلوق من الابن والذي يقدس الخليقة، والثاني يؤمن بعقيدة الثالوث كما يؤمن بها سائر المسيحيين، والخلاف هو في مفهومه للتجسد وليس الثالوث.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/3rbv3gk