كُتب الإنجيل بأوجهه الأربعة ليقدم للبشرية شخص وحياة وأعمال وتعليم السيد المسيح لتنال من خلاله الخلاص الأبدي والحياة الأبدية. وقد ركز الإنجيليون على شخص المسيح وحده بكل صدق وأمانة ووضوح وبصراحة مطلقة، بدون أي تزيين أو زخرفة لفظية أو مبالغة أو إظهار علامات اندهاش أو مديح أو ثناء، بل على العكس تمامًا، فقد سجلوا ودونوا بصراحة ووضوح رفض رؤساء اليهود المتواصل للرب يسوع المسيح وتوبيخه الدائم لهم ووصفه لهم بالمرائين والقبور المبيضة والعميان الذين يقودون عميان، كما سجلوا ودونوا بطء الرسل أنفسهم بما فيهم كُتاب الإنجيل، في فهم مغزى كلام السيد في مواقف كثيرة، كما سجلوا ضعفاتهم الشخصية ولم يحاولوا إخفائها أو تحسين صورتهم التي كانوا عليها قبل القيامة وحلول الروح القدس، سجلوا ضعفاتهم بصراحة ووضوح وبدون أي مواربة، كما سجلوا توبيخ الرب لهم لعدم إيمانهن بمغزى تعليمه الروحي وميلهم للتفسير المادي كيهود كانت تطلعاتهم مادية لملكوت مادي يقوم على استعباد الشعوب لهم، وذلك قبل أن يفهموا طبيعة رسالة المسيح الروحية والتي فهموها بعد القيامة وحلول الروح القدس. ومن ثم فقد سجل القديس متى عن نفسه أنه كان عشارًا وقد دعاه السيد المسيح من عند مكان الجباية (25)، وسجل القديس مرقس قصة الشاب الذي كان "لابسًا أزرارًا على عريه فأمسكه الشبان. فترك الأزرار وهرب منهم عريانًا" (26)، ليلة القبض على السيد المسيح، وقد أجمع العلماء والمفسرون على أن الشاب هو القديس مرقس الذي سجل ما حدث منه دون أن يخجل منه أو أن يحاول تبريره أو الاعتذار عنه، كما سجلت الأناجيل الأربعة قصة إنكار بطرس لسيده وكان أكثر الإنجيليون وصفًا لذلك، بل وأكثر من ذكر ضعفات القديس بطرس المتكررة هو القديس مرقس وهذا راجع لاشتراكه معه في الكرازة مده من الزمن وواضح بالطبع أنه سمع ذلك من بطرس وهو يتكلم به تكرارًا في كرازته، كما سجل الإنجيل موقف التلاميذ جميعًا ليلة القبض على السيد المسيح عندما تركوه جميعًا وهربوا في الوقت الذي كان يجب أن يكونوا فيه إلى جواره، وكذلك يأسهم التام بعد الصلب ونسيانهم بل وعدم فهمهمن لما سبق أن قاله لهم بأنه لابد أن يتألم ويصلب ويموت ويقوم في اليوم الثالث، فلم يفهموا ذلك وكانوا في حالة يأس عبر عنها تلميذا عمواس بالقول "كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدى إسرائيل" (27)، هذا القول الذي يدل على يأسهم وفقدانهم للرجاء بالرغم من أنه قد وصلتهم أخبارًا عن قيامته جعلتهم في حالة حيرة في الوقت الذي كان يجب عليهم أن يتذكروا ما سبق أن أعلنه بخصوص قيامته في اليوم الثالث، ولما ظهر لهم الرب ولم يكن نومًا معهم وأبلغوه بذلك شك ورفض أن يؤمن إلا بعد أن يراه ويتأكد من ذلك بنفسه كما سبق أن شك الرسل فيما أبلغتهم به النسوة عن قيامة الرب والقبر الخالي كما سجل الإنجيل رفض بطرس لما أعلنه الرب عن آلامه وموته وقيامته "فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلًا حاشاك يا رب. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لا يكون لك هذا. فالتفت (الرب) وقال لبطرس اذهب عنى يا شيطان أنت معثرة لي لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس" (28).
فقد دونوا كل شيء ولم يخفوا شيء ولم يعتذروا عن شيء ولم يبالغوا في شيء، بل ولم يمجدوا ذواتهم ولم يحاولوا حتى مجرد التلميح لما صاروا عليه بعد القيامة وحلول الروح القدس من إيمان وشجاعة وتضحية بالذات في سبيل الكرازة بالأخبار الشارة وصيرورتهم الرسل الموحى إليهم ورجال الروح القدس، رجال الله القديسين، وخدام العهد الجديد ورسله. لقد أخفوا ذواتهم في الإنجيل ولم يحاولوا مجرد ذكر أو تلميح لأشخاصهم ككتاب الوحي ورجال الله القديسين، فقد كان موضوعهم الأول والأخير وهدفهم الوحيد هو شخص المسيح وأعماله وأقواله كالمخلص الوحيد والطريق الوحيد المؤدى للحياة الأبدية. كان هدفهم الوحيد وغايتهم الوحيدة هو الإيمان بأن يسوع هو المسيح ابن الله وأنه الطريق والحق والحياة والباب الوحيد لدخول ملكوت الله ونوال الحياة الأبدية. ولأنهم آمنوا أنهم لا شيء فقد أخفوا ذواتهم في المسيح، ولم يظهر إلا يسوع المسيح وحده.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/haq9r86