يقول القديس يوحنا الرائي أنه عندما هم بالسجود للملاك الذي كان يقوده في رؤياه قال له الملاك "أنظر لا تفعل. أنا عبد معك ومع إخوتك الذين عندهم شهادة يسوع. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة" (64)، فقد تنبأ جميع أنبياء العهد القديم عن السيد المسيح وكانت كل نبوءاتهم تشير إليه وتتجه نحوه، وقد كان هو قلب وجوهر وروح النبوة باعتباره إعلان الله النهائي والأخير للبشرية الذي جاء مخلصًا غافرًا للخطايا.
يقول بطرس الرسول بالروح القدس "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا" (65)، ويقول أيضًا أن الأنبياء لم يتنبأوا عن الخلاص بالمسيح فقط، بل "فتشوا وبحثوا عن هذا الخلاص الذي دلهم عليه روح المسيح ذاته الذي كان فيهم:
"الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء. الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم. باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها" (66).
هذه الحقيقة الجوهرية في إعلان العهد القديم أعلنها السيد المسيح لتلاميذه ورسله بأكثر وضوح بعد قيامته فقال لتلميذيّ عمواس:
"أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم له الأنبياء. أما كان ينبغي أن يتألم المسيح بهذا ويدخل إلى مجده. ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (67).
وقال لتلاميذ جميعًا "هم والذين معهم" (68):
"هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب على في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم" (69).
وهكذا يعلن الملاك والسيد المسيح وتلاميذه كما تشهد كل أسفار العهد القديم أن جميع الأنبياء تنبأوا عن السيد المسيح باعتباره إعلان الله النهائي للبشرية ومخلص العالم أجمع، لمن يؤمن به، ويقول العلامة الإنجليزي وستكوت: أن تعليم البين اليهود يقول أن "الأنبياء يحسبون أنبياء فقط لأنهم تنبأوا عن المسيا" (70).
وقد دعت النبوات المسيح بـ"النسل الآتي" و"كوكب يعقوب" و"شيلون" أي الذي يكون له خضوع شعوب و"المسيح" و"ابن داود" و"الغصن" و"عمانوئيل" و"المدير" و"العجيب المشير الإله القدير" و"رئيس السلام" و"مولود العذراء" و"مولود بيت لحم"... إلخ. وغير ذلك من الألقاب.
ويبدأ الإعلان عن المسيح المنتظر بمجرد خروج آدم وحواء من جنة عدن، فقد خرجا من الفردوس بغواية وحسد إبليس الحية القديمة (71)، ودعي هذا النسل بـ"نسل المرأة":
فقال الله للحية "وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها هو يسحق رأسك (71) وأنت تسحقين عقبه" (72).
وبتأكيد الوعد الإلهي أن هذا "النسل الموعود" الذي سيسحق رأس الحية، أي إبليس، سيأتي من المرأة، ومن المرأة فقط من دون الرجل، كان لا بُد أن يولد من عذراء، بكر، بتول، ومن ثم تنبأ إشعياء النبي بنبوته الخالدة:
"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ها العذراء تحبل وتلد أبنًا وتدعوا أسمه عمانوئيل" (73).
وقد أستخدم الوحي الإلهي في هذه الآية الكلمة العبرية "عولماْ" والتي تعنى "فتاة ناضجة" وعذراء كاملة الأنوثة، امرأة في سن الزواج، أو عروس ولكن لم تدخل على عريسها بعد (74). وقد نقلها الوحي في العهد الجديد "عذراء – بارثينوس".
وأكد الوحي في العهد الجديد (الإنجيل) أن السيد المسيح هو هذا النسل الموعود فقال "ولما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه مولودًا من امرأة" (75)،
"أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى عذراء... وأسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال... ها أنت ستحبلين وتلدين أبنًا وتسمينه يسوع... فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلًا. فأجاب الملاك وقال لها الروح القدير يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (76).
ثم أختار الله إبراهيم أبو الآباء ليأتي هذا "النسل الموعود" من ذريته وقال له "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (77)، وأكد له الله أن هذا النسل سيأتي من أبنه إسحق "امرأتك تلد لك أبنًا وتدعوه أسمه إسحق. وأقيم عهدي معه عهدًا أبديًا لنسله من بعده" (78)، ثم أكد الله هذا الوعد لإسحق وقال له نفس ما قاله لأبيه إبراهيم: "وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (79)، ومن أبنى إسحق، عيسو ويعقوب أختار الله يعقوب وكرر له نفس الوعد الذي سبق أن وعد به إبراهيم وإسحق وقال له "وتتبارك فيك وفى نسلك جميع قبائل الأرض" (80).
وأكد الوحي الإلهي في العهد الجديد إن "نسل" إبراهيم وإسحق ويعقوب هذا هو السيد المسيح، فقال القديس بطرس الرسول لآلاف اليهود: "والعهد الذي عاهد به إله آبائنا قائلًا لإبراهيم وبنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض. إليكم أولًا إذ قام الله فتاة يسوع إذ أرسله يبارككم برد كل واحد منكم عن شروره" (81)، وقال القديس بولس الرسول: "والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم... لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع... وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفى نسله. ولا يقول في الإنسان كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفى نسلك الذي هو المسيح" (82).
وتنبأ بلعام بن بعورن في زمن موسى النبي قائلًا عن هذا النسل الذي وصفه ب "كوكب من يعقوب": "أراه ليس الآن أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل فيحطم طرفي موآب ويهلك كل بنى الوغى" (83). وتنبأ يعقوب بأن هذا "النسل الآتي" سيأتي من ذرية ونسل أبنه الرابع يهوذا، من سبط يهوذا، فقال بالروح متنبئًا ليهوذا "لا يزول قضيب من يهوذا أو مشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (84). وكلمة "شيلون" في العبرية "شيلوه" وتعنى "الذي له"، "الذي له الحكم"، "الذي له الصولجان"، "الذي له السيادة"، وبحسب نص النبوءة تعني "الذي له.. خضوع شعوب".
هذا الذي سيكون له خضوع شعوب والذي سيأتي في نهاية، أو عند انتهاء الحكم من سبط يهوذا، تنبأ عنه إشعياء النبي بأنه سيكون "راية للشعوب إياه تطلب الأمم عليه مجدًا" (85)، أو كما يوضح الوحي في العهد الجديد معنى هذه النبوءة "ليسود على الأمم عليه سيكون رجاء الأمم" (86)، ومن ثم يتنبأ إشعياء عنه أيضًا: "فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك" (87)، "فيخرج الحق للأمم" (88)، "قد جعلتك نورًا للأمم لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض" (89). وتنبأ حجي النبي بأنه هو "مشتهى كل الأمم"، "وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم" (90)، وتنبأ ملاخي النبي بأنه "السيد المطلوب" و"وملاك العهد"؛ "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود" (91).
وتنبأ حزقيال النبي بأنه ستحدث انقلابات كثيرة حتى يأتي هذا "النسل الآتي" فقال بالروح "منقلبًا منقلبًا أجعله. هذا لا يكون حتى يأتي الذي له الحكم فأعطيه إياه" (92).
وقد جاء السيد المسيح في وقت انتهاء حكم سبط يهوذا الذي تسلم منهم الحكم هيرودس الكبير الذي ولد السيد المسيح في أواخر أيامه والذي قتل أطفال بيت لحم (93). والسيد المسيح وصف نفسه بأنه هو "كوكب يعقوب"، "كوكب الصبح المنير": "أنا يسوع... كوكب الصبح المنير" (94) الذي ينير القلوب كما يقول بطرس الرسول بالروح "ويطلع (يشرق) كوكب الصبح في قلوبكم" (95)، وهو الحاكم الروحي "ملك الملوك ورب الأرباب" (96) الذي جاء من سبط يهوذا لكي يملك على بيت يعقوب الروحي. قال القديس بولس الرسول بالروح "إن ربنا قد طلع من سبط يهوذا" (97) وجاء في سفر الرؤيا أنه "الأسد الذي من سبط يهوذا" (98)، وقال الملاك للعذراء حين بشرها بميلاده "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد" (99).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8z3sgbw