حقيقة أن اليهود لم ينكروا حدث انتحار يهوذا وحقل الدم قد أكدها سفر الأعمال بصورة أوضح فقال:
"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ التَّلاَمِيذِ وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ داود عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلًا للَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ. إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هَذِهِ الْخِدْمَةِ. فَإِنَّ هَذَا اقْتَنَى حَقْلًا مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسَطِ فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أورشليم حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ حَقْلَ دَمَا. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ المزامير: لِتَصِرْ دَارُهُ خَرَابًا وَلاَ يَكُنْ فِيهَا سَاكِنٌ وَلْيَأْخُذْ وَظِيفَتَهُ آَخَرُ" (أع1: 15-20).
يبدو أن يهوذا عندما شنق نفسه أو سقط من فوق الجبل وقع على صخرة حادة فشقت بطنه فخرجت أحشاؤه خارجًا.
ما يهمنا في هذه الفقرة جدًا هو عبارة "وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أورشليم". إذن قصة انتحار يهوذا عرفها الكل، وهذا الكلام قيل بعد قيامة المسيح من الأموات وصعوده إلى السموات مباشرة، حيث كانت هذه الحادثة حديثة الزمن جدًا. وبغض النظر، فإنه عندما يذكر سفر الأعمال على فم بطرس الرسول هذه العبارة "وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أورشليم" فإن لم تكن هذه حقيقة واقعة لاعترض بشدة سكان أورشليم الذين كان أغلبهم وقتئذ من اليهود.
هذا الكلام كُتب ما بين (سنة 65 م. - 95 م.)، واستشهد بطرس الرسول سنة 68 م.، ولكن فلنفرض فرضًا أن هذا الكلام كُتب سنة 200 م.، وهو ما لم يحدث لكن فلنفترض ذلك فرضًا، فإن لم يكن حقيقي لاعترض يهود العالم كله على كلام بطرس الرسول واحتجوا بأنه هذه الأمور لم تصل إلى مسامعهم مطلقًا. أين يوسيفوس المؤرخ اليهودي؟! أين فيلو الفيلسوف اليهودي؟! (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات) لم يعترض أحد من مؤرخي اليهودي قائلًا أن المدون في أسفار العهد الجديد لم يحدث.
الشيء الوحيد الذي يحيّر اليهود إلى يومنا هذا هو قيامة السيد المسيح. فالسيد المسيح عندما قام ظهر لتلاميذه وللمؤمنين فقط، لأن رؤية المسيح القائم من الأموات هي معاينة للحياة الأبدية. لذلك فإن حدث القيامة إلى الآن هو ما لا يمكن تصديقه بالنسبة لليهود. لكنهم لا ينكرون أنهم قد صلبوا السيد المسيح، ولا ينكرون أنه قد صُلب، ولا ينكرون أن يهوذا انتحر، وهنا مربط الفرس... فأين في تأريخ اليهود قولهم أن يهوذا لم ينتحر..؟! لا يوجد... وبالتالي فإنه لم يكتب إنجيل..!!
وأنا أركز هنا على قوله: "وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أورشليم حَتَّى دُعِيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ حَقْلَ دَمَا".
إننا نربط نبوة زكريا النبي بما ورد في إنجيل متى وسفر أعمال الرسل. ومن الناحية المنطقية نجد عبارتين محوريتين واحدة في إنجيل متى والثانية في سفر أعمال الرسل: "لِهَذَا سُمِّيَ ذَلِكَ الْحَقْلُ حَقْلَ الدَّمِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ" (مت27) وعبارة "إلى هذا اليوم" هنا تؤكد أيضًا أن متى الإنجيلي كتب إنجيله قبل خراب أورشليم لأن اليهود بعد خراب أورشليم لم يكونوا في أورشليم. أما إذا كتب هذا الكلام في أي زمن آخر ولم يكن حقيقي لاعترض اليهود المتفرقين في العالم بأنه لم يسبق لهم سماع هذا الكلام، إلا أن أحدًا لم يقل ذلك. أما العبارة المحورية الثانية فهي الواردة في سفر أعمال الرسل "وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ" (أع 1).
إذن ما كتبه متى في إنجيله، وما كتبه لوقا في سفر أعمال الرسل على لسان بطرس ومستندًا في كلامه إلى نبوات قيلت في المزامير مثل "لتصر داره خرابًا وليأخذ وظيفته آخر" وما قيل بالنبي بخصوص حقل الفخاري، يؤكد أن كتبة العهد الجديد ليسوا أناسًا يقصون قصة. فالواحد يقول أن كل الناس يعلمون ما أقوله والآخر يقول إن ما يدونه يعلمه الكل إلى هذا اليوم.
واليهود بالمرصاد لكل شخص في المسيحية. ومن المعروف أن أول من اضطهد المسيحيين هم اليهود. ولذلك يقول القديس بولس الرسول عن اليهود في رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي "..اليهود الَّذِينَ قَتَلُوا الرَّبَّ يَسُوعَ وَأَنْبِيَاءَهُمْ، وَاضْطَهَدُونَا نَحْنُ (الرسل). وَهُمْ غَيْرُ مُرْضِينَ لِلَّهِ وَأَضْدَادٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلَكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ" (1تس 2 : 14-16).
وعبارة "أضاد لجميع الناس" تعني أنه حتى اليهود الذين هم خارج اليهودية أضداد لجميع الناس في أنحاء العالم.
هل معنى ذلك أننا نكره اليهود؟ لا، لأن السيد المسيح قال "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" (مت 5: 44). نحن نحبهم لكننا نقول لهم أنتم مخطئون. كما أننا لا ندعو إلى استخدام العنف ضد أي إنسان في العالم سواء كان يهودي أو غيره. نحن ندعو إلى السلام والمحبة. إلا أن المسيحيين قد قاسوا كثيرًا جدًا من اليهود الذين كانوا يقفون لهم بالمرصاد. فلا يمكن أبدًا أن يترك اليهود كتبة الأسفار يقولون "إلى هذا اليوم" أو "وَصَارَ ذَلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ" ولا يعترضون...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9g7nk98