الضيق العظيم قال عنه السيد المسيح: "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون" (مت24: 21).
وأكمل السيد المسيح كلامه قائلًا: "ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام" (مت24: 22).
يوم الرب العظيم والمخوف ذكرت مواصفاته في سفر يوئيل النبي وفى سفر أعمال الرسل على لسان معلمنا بطرس في يوم الخمسين "بل هذا ما قيل بيوئيل النبي يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أنى أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلامًا وعلى عبيدي أيضًا وإمائي أسكب من روحي في تلك الأيام فيتنبأون. وأعطى عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرض من أسفل دمًا ونارًا وبخار دخانًا. تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلُص" (أع2: 15-21).
وقيل في ملاخي: "قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف" (ملا4: 5). واضح الربط بين نبوة يوئيل وبين نبوة ملاخي والمجيئين.
المجيء الأول هو يوم الخمسين ويوم الصلب والفداء.
والمجيء الثاني الذي سيحدث فيه أن الشمس تحترق والقمر.. والعناصر.. إلخ.
هذه ليست من علامات المجيء بل من الأحداث التي سوف تصاحب المجيء نفسه.
لكن كيف نطبق "دمًا ونارًا وبخار دخانًا" (أع2: 19) على المجيء الأول؟
حدث في يوم صلب المسيح أن الشمس أظلمت في وضح النهار، وكان هناك دم المسيح المسفوك، ونقول {هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة..}. فبخار الدخان هو النار التي أصعدت الذبيحة في يوم الفداء وهى نفس النار التي ظهرت في يوم الخمسين، لأن بولس الرسول يقول عن السيد المسيح في رسالته إلى أهل العبرانيين "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14) فهو قدّم نفسه بالروح القدس (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. الروح القدس الذي حلّ على هيئة ألسنة منقسمة من نار هو نفسه أصعد ذبيحة الابن الوحيد فوق الجلجثة فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء.
"الدم والنار وبخار دخان" موجودة في يوم الفداء في المجيء الأول، وموجودة في يوم الخمسين كحدث متصل بيوم الفداء، وموجودة في المجيء الثاني في نهاية العالم..
واضح هنا من نبوة يوئيل ونبوة ملاخي عن يوم الرب العظيم والمخوف إنه يشير إلى المجيء الأول والفداء وحلول الروح القدس يوم الخمسين، ويشير أيضًا إلى المجيء الثاني حينما تحدث هذه العجائب فتتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم. وهذه هي العلامات التي تكلّم عنها السيد المسيح.
"وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماوات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء" (مت24: 29، 30).
وعلامة ابن الإنسان هي علامة الصليب التي سوف تظهر في السماء لكي نستطيع أن نميّز بين المسيح الحقيقي والمسيح الغير حقيقي. "وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير" (مت24: 30). ويحيطه ألوف ألوف وربوات ربوات من الملائكة لذلك يقول: "آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى أقصائها" (مت24: 30، 31) الملائكة سيجمعون هؤلاء المختارين لنختطف لملاقاة الرب في الهواء.
"تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوئه والنجوم تسقط من السماء وقوات السماوات تتزعزع" هذه أمور سوف تحدث أثناء المجيء الثاني. معنى ذلك أن هذا أيضًا هو يوم الرب العظيم الشهير المخوف.
وليس فقط السماوات والقوات التي فيها تتزعزع، بل حتى الأرض نفسها ستحترق. لذلك يدعونا بطرس الرسول أن نعتبر من هذا الأمر فيقول: "لا يخف عليكم هذا الشيء الواحد أيها الأحباء؛ أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد. لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ولكن سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها. فبما أن هذه كلها تنحل أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى. منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب. ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضًا جديدة يسكن فيها البر" (2بط3: 8-13).
واضح من كلام معلمنا بطرس الرسول أنه لا يُفيدنا حساب الأيام والسنين لمعرفة ميعاد مجيء الرب لأن "ألف سنة عند الرب كيوم واحد"، لكن يقول "منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب". ومع ذلك يقول "لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنَّى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة". فكون الله يتأنى ويطيل أناته هذا لا يعنى أنه يتباطأ. ولكن هذا لا يمنع أن نكون مشتاقين إلى سرعة مجيء يوم الرب ومشتاقين أن ننطلق من هذا العالم مثلما قال بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (فى1: 23).
من ضمن إعجاز الكتاب المقدس أن معلمنا بطرس يقول: "تنحل العناصر محترقة". في أيام بطرس الرسول من كان يصدق أن الحديد من الممكن أن يحترق؟ في عصر الذرة نعرف أن النيوترونات تصطدم بنواة الذرة وتدمّرها وتحوّل المادة إلى طاقة. بمعنى أن العناصر نفسها تحترق وهذا ما حدث عند انفجار القنبلة الذرية في هيروشيما.
من الناحية العلمية لم يكن هذا الكلام معقولًا في أيام معلمنا بطرس لكنه كتبه لأن الروح القدس هو المتكلم.
كيف تحترق الأرض؟! من يصدق أن الرمل يحترق، بل ويحترق بضجيج!! "تزول السماوات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة".. من المعروف أنه يحدث ضجيج في الانفجار النووي. ولكن إذا حرقت حديد مثلًا وأذبته لا يحدث ضجيج؛ بل يحدث احمرار فقط. لكن متى يحدث ضجيج؟ الضجيج يحدث مع الانفجار النووي، هيدروجيني أو ذرى..
كان بطرس الرسول صياد سمك بسيط ولكنه حينما تكلم عن نهاية العالم تكلم بالروح القدس. وعلى الرغم ذلك، كان بطرس واحدًا من الذين سألوا السيد المسيح عن نهاية العالم فقال لهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع1: 7).
يا ليتنا نتضع ونقول إذا كان الآباء الرسل أنفسهم لم يعرفوا متى سوف ينتهي العالم، فمن يستطيع أن يدّعى أنه فاق الآباء الرسل القديسين كاتبي أسفار العهد الجديد، فاقهم في معرفة الأزمنة والأوقات ويستطيع أن يحدد كما فعل وليم ميلر وتشارلز راصل مؤسِّسَا بدعتيّ الأدفنتست وشهود يهوه.
يا ليتنا نستعد لمجيء الرب بروح الانسحاق والاتضاع لأن هذا أنفع لأنفسنا من أن نحاول معرفة الأزمنة.
فليعطنا الرب حياة التوبة والاستعداد بصلوات صاحب القداسة البابا شنوده الثالث أدامه الرب على كرسيه ونفعنا ببركة صلواته. ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/r2n24sz