1-
يقيم لك الرب إلهك نبي مثلك:
تنبأ موسى النبي، في سفر التثنية قبل
موته قائلًا: " يُقِيمُ
لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ
تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ
الاِجْتِمَاعِ قَائِلًا: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا
أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلا أَمُوتَ، قَال لِيَ
الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا. أُقِيمُ لهُمْ نَبِيًّا مِنْ
وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ
بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ
لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ" (تثنية18: 15-19)
(انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
ويرى بعض الكتّاب من الأخوة الأحباء المسلمين، بعد أنْ حذفوا الآيتين
الأولى والثانية من النبوّة، واكتفوا فقط بالآيات التي تبدأ بقوله " أُقِيمُ لهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ"، أنّ النبي المقصود في هذه
النبوّة هو نبي المسلمين وليس الربّ يسوع المسيح. وقد بنوا نظريتهم على الافتراضات
التالية:
(أ) أنَّ الإخوة المقصودين في عبارة "
مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ " هم العرب بنو إسماعيل (1). فقد كان إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر
وأخو إسحق والذي وُعد بأنْ يكون أمّة عظيمة، وبالتالي تعني عبارة "إِخْوَتِهِمْ" العرب. فقد كان إسماعيل وإسحق
أبناء الوالد نفسه إبراهيم، إذن فهما أخوان، وهكذا فإنَّ أبناء أحدهما هم إخوة
لأبناء الآخر.
(ب) أن الله سيضع كلامه في فم النبي الموعود، "وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي
فَمِهِ" وهو إشارة إلى أنَّ ذلك النبي الذي ينزل عليه الكتاب سيكون أميًا حافظًا
للكلام (2)
والملاك وضع الكلام في فم نبي
(1) انظر كتاب " إظهار
الحق"، للشيخ رحمة الله الهندي: ج2 ص199و200.
(2) المرجع السابق ص 201.
(ج) وقال البعض مستشهدين بما جاء في (تثنية 34: 10)؛ "
وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ
فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ"، وقد نقلها كاتب إظهار الحق
"ولم يقم بعد ذلك"
(ج2ص202)، مضيفًا كلمة " ذلك"، كما نقلها بعض القدماء
مُحرّفة هكذا "لا يقوم في بني إسرائيل نبي مثل موسى"!!(5)، لتوحي بأنَّه لن يخرج من بني إسرائيل نبي مثل
موسى!! وبالتالي يكون المقصود هو نبي المسلمين وليس المسيح الذي جاء من بني
إسرائيل!! وقالوا " لو كان المراد بها المسيح لقال: أقيم لهم نبيًا من
أنفسهم" (6)!!
(د) ويضعون بعض المماثلات بين موسى ونبي المسلمين وهي كالآتي(7):
1- كان لكل منهما والدان (أب وأم)، أمَّا المسيح فله أمّ وليس له أب
بشريّ.
2- وُلد كلٍّ منهما ولادة عاديّة بالأسلوب الطبيعيّ، ولكن المسيح خُلق
بالقدرة الإلهيّة المميّزة.
3- كل منهما تزوّج وأنجب ذريّة وكان له عائلة، أما المسيح فلا.
(3) انظر " ماذا يقول الكتاب
المقدس عن محمد " لأحمد ديدات، دار المنار ص 36 و37.
(4) " هيمنة القرآن المجيد
على ما جاء في العهد القديم والجديد " د. مهما محمد فربد من 71 و72.
(5) كتاب " هداية الحيارى في
أجوبة اليهود والنصارى " لابن قيم الجوزية (691-751ه) دار القرآن ص 71.
ونقلت هكذا في " هل بشر الكتاب المقدس بمحمد " (ابن مريم) عن التوراة السامرية. انظر " التوراة
السامرية " ترجمة أبو الحسن اسحق الصوري نشرها وعرف بها د. أحمد حجازي السقا
(ص 242).
(6) المرجع السابق ص 71.
(7) انظر " إظهار الحق "
ج2: 203، " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " لأحمد ديدات ص 21-33،
وكتاب " أشهد للمسيح ويشهد معي المسيح " أحمد أبو الخير ص 217و218.
4- بدأ كلٍّ منهما رسالته النبوية في سنّ الأربعين، أما المسيح فقد
بدأ رسالته في سنّ الثلاثين. وهذا خطأ واضح لأنَّ موسى النبي دعاه الله في سن
ال80 سنة. فقد قضى أربعين سنة في قصر فرعون " وَلَمَّا نُبِذَ اتَّخَذَتْهُ اِبْنَةُ
فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا اِبْنًا. فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ
الْمِصْرِيِّينَ وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَال، وَلَمَّا
كَمِلَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَطَرَ عَلَى بَالِهِ أَنْ
يَفْتَقِدَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (أعمال
الرسل7: 21-22)،
وأربعون سنة أخرى في سيناء قبل أنْ يُكلّمه الله " وَلَمَّا كَمِلَتْ
أَرْبَعُونَ سَنَةً ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ
سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ" (أعمال الرسل7: 30)!!
5- كان كل منهما مُسَلّمًا به كنبي من قبل شعبه، وحتّى اليوم، على
الرغم من أنهما عانيا الكثير. أمّا المسيح فقد رفضه اليهود برمتهم على مدى ألفي
سنة!!
وهنا وقعوا في خطأين، الأوّل هو قولهم أنَّ محمدًا كان مسلما به كنبي
من شعبه، فقد رفضه العرب معظم أيام دعوته واتهموه بأنه رجل مسحور "
إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا
مَّسْحُورًا" (الإسراء47)، وبأنه شاعر مجنون "
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ
مَّجْنُونٍ" (الصافات36)، وقالوا عن قرآنه إنه أساطير الأولين
"
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا
إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا
ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ
تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الفرقان4،
5).
والخطأ الثاني هو قولهم أنَّ اليهود برمتهم رفضوا المسيح!! وهذا غير صحيح لأنَّ جميع الذين انضموا
للمسيحية ونشروها في السنوات العشر الأولى للمسيحية كانوا من اليهود الذين آمنوا
بالمسيح، سواء في فلسطين أو في بقية دول حوض البحر المتوسط. فقد آمن في أوّل عظة
للقديس بطرس بعد حلول الروح القدس حوالي ثلاثة آلاف نفس "فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ
وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ" (أعمال الرسل 2: 41).
6- كان كل منهما نبيًا وزعيمًا وقادا معارك حربية وكان لهما السلطة
التنفيذية في إصدار حكم الموت وتنفيذه، أمَّا المسيح فقد كان من فئة الأنبياء
الذين لا حول لهم ولا قوّة في مواجهة المواقف العسيرة(8)!! وعندما حوكم المسيح أمام بيلاطس قال
" مَمْلَكَتِي
لَيْسَتْ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا
اَلْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى اَلْيَهُودِ.
وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا" (يوحنا18: 36). ومن ثم فهو لا يشبه موسي!!!!!!
ومن الواضح أنّ هذا الكاتب لا يفهم إلا لغة العنف والقوة الحربية!! فالمسيح واجه أصعب المواقف بقدرة إلهية
لا يملكها أحد سواه!! ولو استخدم فيها القوة لسالت الدماء ومات المئات وترمّلت
المئات من النساء وتيتّم الآلاف من الأطفال!! فعندما حاول أهل الناصرة طرحه من على
الجبل لم يقاوم ولم يستخدم أيّة قوّة ماديّة " فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ
الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ
مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ، أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي
وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لوقا4: 29-30)، ولما حاولوا رجمه يقول الكتاب " فَرَفَعُوا حِجَارَةً
لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ اَلْهَيْكَلِ مُجْتَازًا
فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا" (يوحنا8: 59). فهل
كان المسيح لا حول له ولا قوّة، كما يزعمون؟!! أم كان هو القوي ولكنه الوديع المحب
الذي لم يأت ليُهلك بك ليُخلّص، كقوله " لأَنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ
لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اَلنَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ" (لوقا9: 56).
(8) أحمد ديدات، المرجع السابق، ص
28،
7 - أتى كل منهما بشريعة جديدة وأحكام جديدة، دُعيت الأولى بناموس
موسي والثانية بالشريعة، أمّا المسيح فلم يأتي لا بشريعة جديدة ولا بأحكام جديدة
إنما جاء ليكمّل الشريعة القديمة!! ويعتمدون على قوله "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ
الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (متّي5: 17).
وقال السيد أحمد ديدات " إنّ موسى ومحمد أتيا بشريعة جديدة
وأحكام جديدة لشعبيهما وإنّ موسى لم يُعط بني إسرائيل
الوصايا العشر ولكن طقوسًا
شاملة مؤكّدة لهداية الناس وجاء محمد.... إلى شعب يغُطّ في الهمجيّة والجهالة.
أنهم يتزوجون أمهاتهم واشتهروا بوأد البنات، وأنّهم مدمنون الخمر، زناة، عبدة
أوثان ومولعون بالميسر بحسب ترتيب الأيام". ثم ينقل وصف "جيبون"
للعرب قبل الإسلام بقوله أن العربيّ قبل الإسلام " إنسان وحشي غالبًا عديم
الإحساس يصعب تمييزه عن باقي الخليقة الحيوانية"!! ولا نوافق مطلقًا لا على ما قاله السيد
ديدات ولا ما قاله الكاتب الغربي جيبون لأن كليهما يتحاملان على العرب بدون أي
مرجع علمي أو دراسة تاريخيّة علميّة. والغريب أنَّ مترجم الكتاب، إبراهيم خليل أحمد، أو مراجعته فايزة
محمد بكري، لا يعلّقان على أقوال ديدات غير الحقيقية ولكن يعلّقان على أقوال
الكاتب الغربي جيبون بالقول "هذا هو الفكر الغربي المتعصّب ضد العرب وكان لا
بدّ من التعقيب، فالعرب في الجاهليّة امتازوا بصفات أبقي عليها الإسلام"!!
ونضيف هنا ونقول لجميعهم أنَّ العرب قبل الإسلام كان منهم النصارى
واليهود، وكان لهم تأثيرهم، يقول القرآن " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى" (الأعلى18و19)، وأيضًا "
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ" (الشعراء196).
بل وكان بقيّتهم يعبدون الإله الواحد وأنْ كانوا يتّخذون من بعض
الأصنام شفعاء عند الله وكان يلبّون بعضها قائلين " لبيك اللهم لبيك، لبيك لا
شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك " أو " لبيك لا شريك لك، تملكه،
أو تهلكه، فأنت حكيم فأتركه". ويقول د. جواد على "
والتلبية هي من الشعائر
الدينية التي أبقاها الإسلام، غير أنَّه غيّر صيغتها القديمة بما يتفق مع عقيدة
التوحيد" (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج6: 375و377). وكانوا يحجّون ويصومون
ويختتنون.
ويُلخّص لنا الأستاذ خليل عبد الكريم في كتابه " الجذور
التاريخية للشريعة الإسلاميّة " الشعائر التعبدية الموروثة من القبائل
العربية كالآتي:
(1) تعظيم البيت الحرام (الكعبة) والبلد الحرام....
(2) الحج والعمرة...
(3) تقديس شهر رمضان...
(4) تحريم الأشهر الحرام...
(5) تعظيم إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)...
(6) الاجتماع العام.... يوم الجمعة. (ص15-22).
كما كان منهم الحنفاء الموحّدون بالله ولا يعبدون الأصنام والذين
مدحهم القرآن بقوله: " حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ
فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ
الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ" (الحج30)،
وأيضًا "وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ
الْقَيِّمَةِ" (البينة5).
ويُلخّص الأستاذ خليل عبد الكريم أهم عقائدهم تحت عنوان " الشعائر التعبدية الموروثة عن
الحنيفية
" كالآتي:
أ.
النفور من
عبادة الأصنام والتخلّف عن المشاركة في أعيادها.
ب.
تحريم الأضاحي
التي تُذبح لها (= للأصنام) وعدم أكل لحومها.
ت.
تحريم الربا.
ث.
تحريم شرب الخمر
وحد شاربها.
ج.
تحريم الزنا وحد
مرتكيبه.
ح.
الاعتكاف في غار
حراء (للتحنث) في شهر رمضان والإكثار من عمل البر وإطعام المساكين طواله...
خ.
قطع بد
السارق....
د.
تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.
ذ.
النهي عن وأد
البنات وتحمل تكاليف تربيتهن...
ر.
الصوم.
ز.
الاختتان.
س. الغسل من الجنابة.
الإيمان بالبعث والنشور والحساب وأنَّ من يعمل صالحًا يدخل الجنة ومن
يعمل سوءًا فإلى السعير" ثم ينقل قول الإمام الحافظ أبي الفرج الجوزي "
وافقهم (الإسلام)
عليها فيما بعد وبشّر بها ودعا إليها من بين ما بشّر به ودعا إليه" (الجذور التاريخية ص23-26).
8- قاد موسى شعبه
بطريقة سريّه!! للخروج من مدينة مولده إلى مديان في محاولة للهروب من اضطهاد
أعدائهم، وهاجر نبي المسلمين، أيضًا، مع اتباعه، من مدينه مولده إلى المدينة
بطريقة سريّة ليهربوا من عذاب أعدائهم. أمَّا المسيح فلم يهرب أبدًا بأتباعه من
مدينة مولدهم.
ونقول لهم أين ذُكر أنَّ موسى قاد شعبه بطريقة سريّة وهو الذي خرج
بإذن من فرعون ثم تبعه فرعون بعد ذلك وهلك هو وجيشه في البحر الأحمر (خروج14)!!
9- انتصر موسى على أعدائه ماديًا وأخلاقيًا. فقد هزم فرعون وجنوده
وغرقوا البحر. وقابل نبي المسلمين أيضًا أعدائه في عدّة معارك وهزمهم جميعًا. وكان
هذا نصرًا أخلاقيّا وماديًا. أمّا المسيح، كما يقول الكتاب المقدس، فقد صلبه
أعداؤه، وكان نصره نصرًا أدبيًا فقط.
ولا تعليق لنا هنا سوى قول الكتاب المقدّس:"
فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ
وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ" (1كورونثوس1: 18).
10- توفّي موسى ونبي المسلمين وفاة طبيعية أمّا المسيح، وفقًا للعقيدة
المسيحيّة، فقد مات أشرّ ميتة
بقتله على الصليب.
وللرد عن ذلك نذكر ما تقوله كتب الأحاديث والسير أنَّ امرأة يهودية هي
زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكيم أهدت النبي شاة مسمومة فأخذ مضغة فلاكها ثم
لفظها وقال لأصحابه أمسكوا (امتنعوا) فإنَّ فخذها تخبرني أنَّها مسمومة.... أمّا
بشر بن البراء (الذي ابتلع ما أكله من الشاه) قال بشر والذي أكرمك لقد وجدت (أحس) ذلك من أكلتي التي أكلت حين
التقتها فما منعني أنْ ألفظها إلا إنّي كرهت أنْ
أبغض إليك طعامك.
فأرسل النبي إلى اليهودية فقال ما حملك على ما صنعت؟ قالت نلت من قومي
ما نلت! قتلت أبي وعمي وزوجي فقلت إنْ كنت صادقًا فإنَّ الله سيُطلعك على ذلك وإنْ
كنت كاذبًا أرحت الناس منك، فمات بشر بن البراء الذي أكل من الشاه قيل في الحال
وقيل بعد عام ثمّ أمر النبي بقتل هذه المرأة فقُتلت وعاش النبي بعد ذلك ثلاث سنين
حتّى كان وجعه الذي قبض (مات) فيه وجعل يقول في مرضه ما زلت أجد (أعاني) من
الأكلة التي أكلتها في خيبر وهذا أوان انقطاع أبهري (وريد بالقلب) من ذلك السمّ.
وجاء في
المستدرك على الصحيحين للإمام محمد بز عبد الله الحاكم النيسابوري، وصحيح البخاري
حديث 6165 وكذلك فتح الباري، شرح صحيح البخاري للإمام ابن حجر العسقلاني، وكذلك
فيض القدير، شرح الجامع الصغير للإمام المناوي، وكنز العمال للمتقي الهندي،
والحاوي للفتاوى للإمام السيوطي، وهذه عقيدة السلف والخلف لابن خليفة عليوي،
والبداية والنهاية لابن كثير، ومحمد صلى الله عليه وسلم لمحمد رضا في مكتبة
الجامعة العربية
" قال
عروة: كانت عائشة -رضي الله تعالَى عنها- تقول: كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم (ﷺ)- يقول في مرضه الذي توفي فيه: يا عائشة، إني أجد ألم
الطعام الذي أكلته بخيبر، فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم".
11- مات كلٍّ من
موسى ونبي المسلمين ودفنا في القبر وما زال كلٍّ منهما يرقد في قبره على الأرض،
ولكن المسيح طبقًا للتعاليم المسيحيّة، يجلس عن يمين الله.
12- تؤمن الغالبية العظمي من المسيحيّين بأن المسيح إله، ولا يؤمن أحد
من اليهود والمسلمين أنَّ موسى أو نبي المسلمين إله. ومن ثمّ لا يكون المسيح هو
النبي المثيل بموسى بل نبي المسلمين!!!
وقبل أنْ نبدأ في دراسة هذه النبوة يجب أنْ نضع في
الاعتبار أنَّ هذه النبوة قد وردت في الكتاب المقدّس ولذا يجب أن ندرسها بمفهوم
ومنطق وأسلوب الكتاب المقدّس وطريقة تطبيقه لها وليس بأيّ مفهوم أو منطق كتاب آخر
أو فكر آخر.
وعند دراستها مع بقيه الآيات المرتبطة بها متكاملة معًا مع الآيات السابقة
والتالية لها دراسة متأنّية، بمنطق الكتاب المقدّس ومفهومه، نجد الآتي:
(1)
أنَّ الآيات السابقة لها هي
وصايا الله لبني إسرائيل والوعد في النبوّة هو لهم. بدليل قوله "
يقيم لك".
(2) وأنَّ الآيات التالية لها تتكلّم عن صفات كلٍّ من
النبي الصادق والنبي الكاذب
والعلامات التي يعرفه بها بني إسرائيل.
(3) كان لموسى النبي صفات وخصائص
مرتبطة بجوهر النبوّة، وليس
بالتفاصيل التي يتشابه فيها معظم البشر، لا بد أن تتحقق في النبي الموعود بصورة
أساسيّة.
2- ماذا تقول النبوة ومن هو المخاطب فيها؟ وما معني أخوتك؟
أ– تقول النبوّة "
يقيم لك الرب إلهك " والمخاطب هنا في قوله " لك " هو
بنو
إسرائيل، أي "
يقيم لك يا إسرائيل".
ب – " نبيًا من وسطك " وعبارة "
من وسطك " هنا تعني من وسط بني إسرائيل، أي " من وسطك يا إسرائيل" (9)
أي من
الأسباط الاثني عشر وليس من
خارجك، أي ليس من شعب آخر أو أمّة أخرى خارج بني إسرائيل.
ج - وقوله " من إخوتك
" بحسب ما جاء في سفر التثنية الذي وردت به النبوّة، يقصد به
أسباط إسرائيل
باعتبارهم أخوة بعضهم لبعض، فقد وردت الكلمة في السفر عشرين مرّة واستُخدمت بخمس
طرق:
1)
استُخدمت 14
مرّة للأسباط الاثني عشر باعتبارهم إخوة بعضهم لبعض.
2)
ومرّة واحدة عن
اللاويّين،
سبط
لاوي، باعتبارهم، أيضًا، إخوة.
3)
ومرّتين عن
الآدوميين، نسل عيسو المُلقّب بآدوم، شقيق يعقوب التوأم.
4)
ومرّة واحدة عن
الأخوة بمعناها الحرفي "
إذا سَكَنَ إِخْوَةٌ مَعًا" (تثنية25: 5).
5)
ومرّتين في هذه
النبوّة.
ولم تُستخدم ولا مرّة واحدة، لا في هذا السفر ولا في غيره من أسفار
الكتاب المقدّس، عن أبناء إسماعيل كإخوة لبني إسرائيل، باستثناء الحديث عن سكن
(9) قال مؤلف إظهار الحق ج2ص 206
تعليقًا على قوله " من وسطك "؛ " أنَّ محمدًا علييه السلام لما
هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني
قينقاع والنضير وغيرهم، فقد قام من بينهم ولأنه كان من أخوتهم فقد قام من بينهم"!! ونقول لفضيلته هذه مغالطة
صريحة وواضحة وكلام غير منطقي لأنّه غير يهودي ولأنَّ عبارة " من وسطك" لا تعني مجرد المكان!! بل
تعني " منك"! أي من اليهود، وهو من قريش ومن بني هاشم. ولما
ذهب إلى يثرب (المدينة) كان يقيم فيها مع اليهود الأوس والخزرج، والذين سماهم
بالأنصار لأنهم ناصروه ونصروه، وكان في الخزرج بنو النجار أخواله من ناحية أمّه،
والذين كانوا أيضًا أخوال جده عبد المطلب، " ومن ثمّ ففي يثرب قربى موصولة وقويّة".
أما في كتاب "الدين في شبه الجزيرة
العربية " قالت الكاتبة المؤرّخة أبكار السقاف ص 217 و218:" فقد عاش في
المدينة وسط أخواله وليس وسط اليهود الذي سرعان ما دبّت العداوة بينه وبينهم".
إسماعيل نفسه " وأَمَامِ جَمِيعِ إخوته يسكن" (تكوين16: 12)، " أمام جميع إخوته نزل" (تكوين25: 18). ومن ثمّ يكون معني الأخوة بحسب مفهوم وتطبيق الكتاب المقدس وقواعد تفسيره هو الأخوة بالمفهوم الذي جاء في الكتاب المقدّس نفسه وفي سفر التثنية نفسه، والذي وردت به هذه النبوّة، والذي يعني من بقيّة الأسباط. فالأسباط هم الإخوة الأقرب بعضهم لبعض، حيث قال الله لهم " إِذَا بِيعَ لكَ أَخُوكَ العِبْرَانِيُّ أَوْ أُخْتُكَ العِبْرَانِيَّةُ وَخَدَمَكَ سِتَّ سِنِينَ فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ تُطْلِقُهُ حُرًّا مِنْ عِنْدِكَ" (تثنية15: 12)، والأخ العبرانيّ المقصود هنا هو الذي من بني إسرائيل.
كما قال لهم أيضًا " مَتَى أَتَيْتَ إِلى الأَرْضِ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ
وَامْتَلكْتَهَا وَسَكَنْتَ فِيهَا فَإِنْ قُلتَ: أَجْعَلُ عَليَّ مَلِكًا
كَجَمِيعِ الأُمَمِ الذِينَ حَوْلِي. فَإِنَّكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكًا الذِي
يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ. مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَليْكَ
مَلِكًا. لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا ليْسَ هُوَ
أَخَاكَ" (تثنية17: 14-15). فهل كان المقصود في قوله هنا "
مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ " أن يملك عليهم أحد أبناء
إسماعيل، بحسب منطق هؤلاء الكتّاب؟! كلاَّ!
لأنه يقول بكل تأكيد "لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا ليْسَ
هُوَ أَخَاكَ". وكان أبناء إسماعيل في ذلك الوقت أجانب بالنسبة لبني إسرائيل. وكان أوّل
ملك جلس على عرش إسرائيل هو شاول البنياميني، من
سبط بنيامين، وتلاه داود النبي
والملك، الذي من
سبط يهوذا، وابنه سليمان، وكلّ من جلس على عرش يهوذا بعد ذلك
وحتّى
السبي البابلي
كان من نسل داود النبي، وحتّى في أيّام السبي البابلي
والاحتلال الفارسي واليوناني ثم الروماني لكل فلسطين لم يحكم على اليهود أحد من
نسل إسماعيل، بل كان يحكم عليهم أحد الولاة اليهود، من نسل داود، من قبل
الإمبراطورية المحتلّة ثم اغتصب الحكم هيرودس اليهودي الأدومي الذي من بني آدوم،
عيسو، شقيق يعقوب التوأم،
حتى زال الحكم نهائيًا في أيام ابنه أرخيلاوس سنة
6: 7م وإرسال والي روماني يحكم على اليهودية.
كما قال الرب لهم، بنو إسرائيل، أيضًا "الرَّبُّ إِلهُكُمْ قَدْ
أَعْطَاكُمْ هَذِهِ الأَرْضَ لِتَمْتَلِكُوهَا. مُتَجَرِّدِينَ تَعْبُرُونَ أَمَامَ
إِخْوَتِكُمْ بَنِي إِسْرَائِيل" (تثنية3: 18)، أي أمام بقية إخوتكم.
3- الحذف في آيات النبوة وآيات أخرى:
وعند استخدامهم لهذه النبوّة حذفوا الآيتين الأولى والثانية منها وهما
"
يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ
نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ
كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاِجْتِمَاعِ
قَائِلًا: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا أَرَى هَذِهِ
النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلا أَمُوتَ، قَال لِيَ الرَّبُّ: قَدْ
أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا"!!
وذلك ليتخلصوا من قوله "مِنْ وَسَطِكَ" التي تؤكد أن هذا النبي الآتي لا بد أن يكون من بني إسرائيل،
من وسط إسرائيل، ولكي يتخلّصوا من التأكيد من أنَّ هذا النبي الآتي لابد أن يكون
وسيط مباشر بينهم وبين الله، يتعامل مع الله مباشرة بدون وساطة ملاك أو أي وسيلة
أخرى من وسائل الإعلان والوحي الإلهي.
وعند استشهادهم بقوله "وَلمْ
يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى" سقطوا في مغالطتين صريحتين، الأولى هي استخدامهم لقوله " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ"
(10) وحذف ما تلاها من آيات حتّى يخفوا الزمن
الذي قيلت فيه هذه الآيات!!! فقد وردت هذه الآيات في سفر التثنية الذي كتبه،
بالروح القدس، موسى النبي نفسه وأكمله تلميذه الذي تسلم القيادة والنبوة من بعده
يشوع بن نون، كما أعاد نسخه من المخطوطات القديمة، بالروح القدس أيضًا، عزرا
الكاتب والكاهن الموحى إليه حوالي سنة 400 ق.م.، وبالتالي يكون كاتب هذه الآية،
بالروح القدس، إمّا يشوع بن نون تلميذ موسي النبي أو عزرا الكاتب والكاهن. وهذا
يعني أنَّه لم يقمْ نبي مثل موسى حتّى زمن يشوع أو عزرا الكاهن والكاتب سنة 440 ق.
م..
والثانية هي، كما قلنا، قطع النصّ عمّا قبله وبعده ليوحوا بصحّة
زعمهم!! ولكن النصّ كاملًا يقول؛
(10) كما أوضحنا ذلك في ص 52.
"
وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ
فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ، فِي
جَمِيعِ الآيَاتِ وَالعَجَائِبِ التِي أَرْسَلهُ الرَّبُّ لِيَعْمَلهَا فِي
أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ أَرْضِهِ، وَفِي
كُلِّ اليَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ المَخَاوِفِ العَظِيمَةِ التِي صَنَعَهَا
مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ" (تثنية34: 10-12). إذًا لا بُدّ أنْ يماثل النبي المقصود
موسي في العجائب والمعجزات والتعامل مع الله مباشرة " فمًا لفمّ ووجهًا لوجه"!! وهذا لم يحدث بعد موسي إلاَّ مع
المسيح فقط.
4- وضع الله لكلامه في فمّ النبي:
أما القول بأنَّ المقصود بقول النبوة " وأضع كلامي في فمه "
هو وضع جبريل الكلام في فمّ نبي المسلمين ودلالة على أنَّ النبي المقصود سيكون
أمّيًا"!!! يدلّ على أنَّ هؤلاء الكتاب لم يفهموا الكتاب المقدّس جيدًا،
فهذا القول قيل عن جميع الأنبياء وكذلك عن تلاميذ المسيح ورسله. فقد وضع الله
كلامه في فمهم جميعًا، يقول الكتاب؛ "
فَقَالَتِ
الْمَرْأَةُ لإِيلِيَّا:هَذَا الْوَقْتَ عَلِمْتُ أَنَّكَ رَجُلُ اللَّهِ، وَأَنَّ
كَلاَمَ الرَّبِّ فِي فَمِكَ حَقٌّ"
(1ملوك17: 24)، وقال الله لأشعياء النبي "
قَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ" (أشعيا51: 16)، وقال أرميا النبي بالروح "
وَمَدَّ الرَّبُّ يَدَهُ وَلَمَسَ فَمِي وَقَالَ الرَّبُّ لِي
هَا قَدْ جَعَلْتُ كَلاَمِي فِي فَمِك" (أرميا1: 9)، وقال لحزقيال النبي "
فَإِذَا كَلَّمْتُكَ أَفْتَحُ فَمَكَ فَتَقُولُ لَهُمْ:
هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ" (حزقيال3: 27)، وقال داود النبي "
رُوحُ الرَّبِّ تَكَلَّمَ بِي وَكَلِمَتُهُ عَلَى لِسَانِي" (2صموئيل23: 2). ويقول العهد الجديد "
كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا" (لوقا1: 55)، "
كَمَا تَكَلَّم(الله) بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ
اَلْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ" (لوقا1: 70)، "
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هَذَا اَلْمَكْتُوبُ اَلَّذِي سَبَقَ اَلرُّوحُ
اَلْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ" (أعمال
الرسل1: 16)،
"
الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ
اَلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ اَلَّتِي تَكَلَّمَ
عَنْهَا اَللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ اَلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ اَلدَّهْرِ"
(أعمال3: 21)، "
الْقَائِلُ (الله) بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ"
(أعمال4: 25)، "
وَأَمَّا
اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ
أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ قَدْ تَمَّمَهُ هَكَذَا" (أعمال3: 18)، "
لأَنْ
لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ
فِيكُمْ" (متّي10: 20).
ولكن هذه النبوّة تنطبق بصورة أروع وأدق في شخص الرب يسوع المسيح لأنه
هو كلمة الله المتجسّد وما يخرج من فمه فهو كلام الله، وما يقوله هو ما يضعه الله
على فمه كنبي.
قال الربّ يسوع نفسه "
اَلَّذِي
لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي. وَالْكلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ
لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا14: 24). وقال مخاطبًا الآب"
لأَنَّ اَلْكلاَمَ اَلَّذِي
أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ" (يوحنا17: 8).
كما ينطبق عليه قول النبوة: " فيكلمهم بكل ما أوصيه " حرفيًا حيث يقول
"
لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي لَكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي
هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا
أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ
أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ فَكَمَا قَالَ لِي الآبُ هَكَذَا
أَتَكَلَّمُ" (يوحنا12: 49-50).
كما أنَّ القول أنَّ وضع الكلام على فم النبي هو دليل على أنَّه، هذا النبي المقصود في النبوّة، سيكون أمّي غير منطقي؛ أولًا لأنَّ أنبياء إسرائيل الذين وضع الله كلامه في أفواههم كان معظمهم متعلمين ومع ذلك وضع الله كلامه في أفواههم ومنهم موسى النبي نفسه الذي وضع الله كلامه في فمه! ثانيًا،كيف تكون هناك مماثلة بين المتعلّم والذي تهذّب بحكمة المصريّين والأمّي الذي يقولون أنًّه لا يعرف القراءة والكتابة؟!!
5 - كيفية التماثل بين موسى النبي والنبي الآتي
حدد الكتاب المقدس كيفية ونقاط التماثل الجوهرية بين موسى النبي وهذا
النبي المنتظر في قوله، في نفس سفر التثنية "
وَلمْ يَقُمْ
بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا
لِوَجْهٍ، فِي جَمِيعِ الآيَاتِ وَالعَجَائِبِ التِي أَرْسَلهُ الرَّبُّ
لِيَعْمَلهَا فِي أَرْضِ مِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ عَبِيدِهِ وَكُلِّ
أَرْضِهِ، وَفِي كُلِّ اليَدِ الشَّدِيدَةِ وَكُلِّ المَخَاوِفِ العَظِيمَةِ
التِي صَنَعَهَا مُوسَى أَمَامَ أَعْيُنِ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ" (تثنية34: 10-12).
وفي قوله في النبوّة ذاتها
يُقِيمُ لكَ
الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ
تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ
الاِجْتِمَاعِ قَائِلًا: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا
أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلا أَمُوتَ، قَال لِيَ
الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا". ونلخصها
هنا فيما يلي:
1.
التعامل مع الله
مباشرة، وجهًا لوجه وفمًا لفم، بدون وساطة ملاك أو أي طريقة أخرى من طرق الإعلان
والوحي الإلهي."
وَيُكَلِّمُ الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ
الرَّجُلُ صَاحِبَهُ" (خروج33: 11). قال الله ذاته لمريم النبية وهرون
الكاهن أخوي موسى النبي "
فَقَال: اسْمَعَا كَلامِي. إِنْ كَانَ مِنْكُمْ نَبِيٌّ
لِلرَّبِّ فَبِالرُّؤْيَا أَسْتَعْلِنُ لهُ. فِي الحُلمِ أُكَلِّمُهُ. وَأَمَّا
عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. فَمًا
إِلى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ
يُعَايِنُ. فَلِمَاذَا لا تَخْشَيَانِ أَنْ تَتَكَلمَا عَلى عَبْدِي مُوسَى؟" (عدد12: 6-8).
2.
وتقوم مهمته على
المعجزات والعجائب العظيمة التي يعملها الله على يده كما فعل مع موسى أمام أعين
المصريين وبني إسرائيل.
3.
أن يقطع عهدًا
مع الله كما قطع موسى النبي عهدًا مع الله في حوربب (خروج34: 27؛ تثنية 9: 11).
وهذا ما تحقق في المسيح ولم يتحقق في غيره مطلقًا ومن ثمّ فالتماثل
المزعوم، الذي يقال عنه، بين موسى ونبي المسلمين لا يصحّ أنْ يكون هو المقياس لأنه
تماثل بعيد تمامًا عن التماثل المقصود في النبوّة والمقصود في النبي الآتي. بل
وينطبق على معظم البشر وينطبق على معظم الأنبياء أيضًا!
1)
فجميع البشر
والأنبياء لهم آباء وأمهات، ومعظمهم ماتوا ويموتون بشكل طبيعي، وجميع الذين ماتوا
من البشر والأنبياء ما زالوا يرقدون في قبورهم.
2)
كما كان كلّ من
يشوع وقضاة إسرائيل وصموئيل النبي قادة وزعماء بالمفهوم المزعوم وكان في يدهم
سلطان الموت، كما كان كل من داود وسليمان ملكًا ونبيًا، وقاد يشوع والقضاة وداود
الكثير من المعارك الحربية.
3)
أما مسالة أنَّ
المسيح لم يأتِ بشريعة جديدة فقد أوضحناها في الفصل السابق.
أما شريعة موسى وشريعة نبي المسلمين فلا تختلفان إلا في مسألة الحدود
ذات الطبيعة العربية وبعض ما يخصّ الطبيعة والبيئة العربية وظروف الدولة العربية
الدينية الناشئة. كما بينّا في ص (47و48)، وكما سنوضّح في الفصل التالي (الخامس).
أمّا الخلاف بين موسى ونبي المسلمين هو خلاف جوهريّ يقطع بعدم التماثل
بينهما، سواء من جهة الشخصيتن أو من جهة التماثل النبويّ المقصود أصلًا في
النبوّة:
1-
فموسى جاء من
شعب الله المختار ونبي المسلمين جاء من العرب.
2-
موسى ولد في مصر
وهو في مكّة.
3-
موسى حفظه الله
من خطر الموت الذي أحدق به وقت ميلاده وهو لا.
4-
موسى كلّم الله
وجهًا لوجه وفمًا لفم وتناقش مع الله وسمع صوت الله ورأى شبه مجده، وهو لا.
5-
أجرى الله على
يدي موسى عشرات المعجزات التي شاهدها عشرات الآلاف من بني إسرائيل والمصريّين وهو
لا.
6-
موسى عبر ببني
إسرائيل البحر الأحمر ولم يغرق منهم أحد، كما أطعمهم الله عن طريقة
بالمن والسلوى
الذي نزل من السماء وهو لا.
7-
تربّى موسى في
قصر فرعون كأمير وتعلم بكل حكمة المصريين وهو، حسب الاعتقاد الإسلامي العام، أمّي
لا يقرأ ولا يكتب.
8-
مات موسى ميتة
طبيعية وحرس الملاك قبره وهو لا (إذ يُقال، كما بيّنا، أنَّه مات من تأثير السمّ
الذي دسّته له المرأة اليهوديّة).
9-
موسى توفي وعمر
110سنة وهو توفي وعمر 63سنة.
6- التماثل بين موسي والمسيح:
وبرغم عدم التماثل بين موسى والمسيح في بعض الأمور غير الهامة والتي
ذكرناها أعلاه فالمماثلة بين موسى والمسيح هي مماثلة في الأمور الجوهريّة الخاصة بالنبوّة ذاتها وليس في مجرّد الأمور البشريّة العادية التي
يتماثل فيها معظم الناس مثل الولادة من أبوين والزواج والإنجاب. فقد تماثلا في
النقاط الجوهرية الخاصة بالنبوة، وأهمها(11):
1- تعامل موسى مع الله مباشرة فمًا لفم ووجهًا لوجه وعاين شبه الرب
"
وَيُكَلِّمُ
الرَّبُّ مُوسَى وَجْهًا لِوَجْهٍ كَمَا يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ" (خروج33: 11)،
" وَأَمَّا
عَبْدِي مُوسَى فَليْسَ هَكَذَا بَل هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي. فَمًا
إِلى فَمٍ وَعَيَانًا أَتَكَلمُ مَعَهُ لا بِالأَلغَازِ. وَشِبْهَ الرَّبِّ يُعَايِنُ"
(عدد12: 7-8).
وَلمْ يَقُمْ
بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا
لِوَجْهٍ" (تثنية34: 10).
وكان الربّ يسوع المسيح هو كلمة الله وصورة الله الذي من ذات الله
الذي "
اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ
غَيْرِ الْمَنْظُورِ" (كولوسي1: 15)، والذي يعرف الله الآب المعرفة
الحقيقيّة حيث يقول "
أَنَا أَعْرِفُهُ لأَنِّي
مِنْهُ وَهُوَ أَرْسَلَنِي" (يوحنا7: 29)، "
كُلُّ شَيْءٍ
قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ اَلاِبْنَ إِلاَّ
اَلآبُ وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ اَلآبَ إِلاَّ اَلاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ
اَلاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (متّي11: 27)، "
اَللَّهُ لَمْ
يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ
خَبَّرَ" (يوحنا1: 18).
2- وكما صنع الله على يدي موسى النبي المعجزات والعجائب العظيمة أمام
بني إسرائيل والمصريون، صنع المسيح آلاف المعجزات والعجائب أمام بني إسرائيل
والكثير من الذين من الأمم مثل الخلق وإقامة الموتى وشفاء جميع أنواع الأمراض
وتحويل الماء إلى خمر وإشباع الآلاف من قليل من الخبز والسمك والمشي على الماء
وتهدئة الريح الهائج والبحر العاصف بكلمة الأمر من فمه الطاهر وإقامة نفسه من
الأموات بل وصعوده إلى السماء.... إلخ.، "
وَأَشْيَاءُ
أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً فَلَسْتُ
أَظُنُّ أَنَّ اَلْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ اَلْكُتُبَ اَلْمَكْتُوبَةَ" (يوحنا21: 25).
3- وكما قطع موسى النبي عهدًا مع الله، صنع المسيح العهد الجديد بدمه:
(11) تقول الدكتورة مها محمد فريد
" يعتقد إخواننا المسيحيون أن كلمة مثلك يا موسى تنطبق على عيسى عليه السلام،
ولا تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم. ودليلهم في هذه الرأي التشابه يبن موسى
وعيسى في أنَّ كلًا يهودي وهذا دليلهم الوحيد.." (ص65)!! ونقول لها من أين
أتيت بهذا الكلام غير الصحيح؟؟؟ كان من الواجب عليك وأنت تكتبين في مثل هذا الموضوع
أن تقرئى ما كتبه الكتاب المسيحيين والمسلمين على السواء!!!
" لأَنَّ
هَذَا هُوَ دَمِي اَلَّذِي لِلْعَهْدِ اَلْجَدِيدِ اَلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ
كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ اَلْخَطَايَا" (متّي26: 28)، كما سبق وتنبأ أنبياء العهد القديم
" هَا
أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ اَلرَّبُّ وَأَقْطَعُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ
بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لَيْسَ كَالْعَهْدِ اَلَّذِي قَطَعْتُهُ مَعَ
آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُهُمْ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ
حِينَ نَقَضُوا عَهْدِي فَرَفَضْتُهُمْ يَقُولُ اَلرَّبُّ، بَلْ هَذَا هُوَ
اَلْعَهْدُ اَلَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ
اَلأَيَّامِ يَقُولُ اَلرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ
وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَأَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي
شَعْبًا" (أرميا31: 31-33). إنها شريعة روحيّة تُكتب على القلوب
وليست مجرّد شريعة فروض وحدود وثواب وعقاب، إنها شريعة حبّ.
4- كان موسى والمسيح من نسل إسحق ويعقوب (إسرائيل)، النسل الذي
اختاره الله ليأتي منه النسل الموعود ولتكون منه النبوّة كقول الله لإبراهيم
"
وَلَكِنْ
عَهْدِي أُقِيمُهُ مَعَ إِسْحَاقَ الَّذِي تَلِدُهُ لَكَ سَارَةُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ فِي
اَلسَّنَةِ اَلآتِيَةِ" (تكوين17: 21)، وقول القرآن
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ" (العنكبوت27)..
5- كانت والدتا موسي والمسيح من نسل يعقوب وكانتا مؤمنتان بالله الحي
ولم تكونا مشركتان أو وثنيتان.
6- وقد خُتن موسى والمسيح في اليوم الثامن حسب عهد الله مع إبراهيم
"
هَذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي
تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ
مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ" (تكوين17: 10).
7- وقد ولد موسى والشعب يرزح تحت العبودية في مصر كما ولد المسيح
الشعب تحت حكم الرومان. بينما ولد نبي المسلمين بين أهله الأحرار.
8- تعرّض كل من موسى والمسيح للقتل والموت في طفولتهما، موسى من قبل فرعون
(خروج1: 17؛2: 2-10) والمسيح من قبل هيرودس (متي2: 16). وقد أنقذ كل منهما بتدبير إلهي. ولم
يتعرض نبي المسلمين لذلك بل تربى في كنف عمه الذي كان من أعيان قبيلته.
9- وُضع كلّ من موسى والمسيح في مكان غريب بعد ولادته، فموسى وضعته
أمّه في تابوت (سفط) في الماء (خروج2: 3)،
والمسيح وُلد في مزود للبقر(لوقا2: 7).
10- وقد حمى الله موسى في طفولته بإيمان والدته (خروج2: 2و3)، "بالإِيمَانِ مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ،
أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ
جَمِيلًا، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ" (عبرانيّين11: 23). كما حمي المسيح بإيمان وطاعة كل من
العذراء ويوسف النجار لرسالة الملاك (متي2: 13و14).
11- وقد ترّبي كل من موسى والمسيح في بيت ليس له، فقد تربي موسى في
بيت فرعون (خروج2: 10) وتربى المسح في بيت يوسف النجار (متى 13: 55).
12- وقد تنبأ كل منهما عن خراب إسرائيل، موسى بسبب خطاياها (تثنية 28)، والمسيح بسبب رفضها له(لوقا 13: 3و35).
13- موسي عبر ببني إسرائيل البحر الأحمر(خروج14: 21-22)، والمسيح مشى على الماء وجعل بطرس
أيضًا يمشي على الماء (متي14: 28-29)، كما أمر الريح العاصفة والبحر الهائج
بالهدوء فأطاعاه(متي8: 24-27).
14- قدّم كل من موسي والمسيح الطعام للشعب بصورة إعجازيّة، موسي قدّم
المنّ الذي أعطاه الله لهم في البريّة(خروج16: 14-17)، والمسيح أشبع خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال بخمسة أرغفة
وسمكتين وفاض اثنتا عشرة قفّة مملوءة من الكُسر(متي14: 14-21). وفي مرة أخرى أشبع فيها أكثر من أربعة
آلاف بسبع خبزات وقليل من صغار السمك وفاض عنهم سبعة سلال من الكسر(متى15: 33-38).
15- كان لموسى سبعون شيخًا حل عليهم الروح القدس كمساعدين له (عدد11: 24-29)، وكان للمسيح أيضًا سبعون رسولًا، إلى
جانب الاثني عشر يعملون آيات وعجائب باسمه (لوقا10: 1و17).
16- وقد كلم الله موسى بصوت مسموع " أمام عيون بني إسرائيل" (خروج24: 12-16)، ونادى الله الآب المسيح، الابن، من
السماء بصوت مسموع:
"
وَلَمَّا اِعْتَمَدَ جَمِيعُ
اَلشَّعْبِ اِعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي اِنْفَتَحَتِ
اَلسَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ اَلرُّوحُ اَلْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ
مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ اَلسَّمَاءِ قَائِلًا: أَنْتَ اِبْنِي
اَلْحَبِيبُ بِكَ سُرِرْتُ!" (لوقا3: 21-22).
17- عاش موسي الأربعين سنه الأولى من حياته في مصر وهرب المسيح إليها
في طفولته.
18- كان موسي هو كليم الله لأنه كلّم الله فمًا لفم وحمل كلام الله
للشعب، وكان المسيح هو كلمة الله الذي كلّمنا من خلاله " كلّمنا في ابنه" (عبرانيين1: 2).
19- تكلم كل من موسى والمسيح اللغة العبرية (لغة بني إسرائيل)
والآرامية (التي كانت لغة السياسة أيّام موسى واللغة العامة لبني إسرائيل وقت
المسيح)، كما تكلما بلغات أخرى (كالمصرية بالنسبة لموسى واليونانية بالنسبة
للمسيح).
20- يقول الكتاب أن موسى تهذب "
فَتَهَذَّبَ
مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ
وَالأَعْمَالِ" (أعمال
الرسل7: 22)،
وكان المسيح يقرأ ويكتب ويعلم كل شيء بالرغم من أنّه لم يتعلّم عند معلمين من
البشر "
فَتَعَجَّبَ اَلْيَهُودُ قَائِلِينَ: كَيْفَ
هَذَا يَعْرِفُ اَلْكُتُبَ وَهُوَ لَمْ يَتَعَلَّمْ؟" (يوحنا7: 15)، " وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ
كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حَتَّى بُهِتُوا وَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ
لِهَذَا هَذِهِ الْحِكْمَةُ وَالْقُوَّاتُ؟" (متي13: 54)، كما يقول عنه الكتاب أيضًا "
الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ" (كولوسي2: 3) ولم يكن أحدهما أميًا.
21- كما صام كل من موسي والمسيح مدة أربعين نهارًا وأربعين ليلة في
البرية دون أن يأكلا طعامًا أو يشربا ماء طوال هذه المدة " وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ
الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا
وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ
الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ" (خروج34: 28؛تثنية9: 9و19)، "
فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ
نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً جَاعَ أَخِيرًا" (متي4: 2).
22- دعي الله موسي لحمل رسالته بأن كلّمه مباشرة من وسط العليقة التي
كانت مشتعلة بالنار قائلًا " أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ
وَإِلَهُ يَعْقُوبَ" (خروج3: 6). وبدأ الرب يسوع المسيح خدمته كالإله
المتجسد، ابن الله الوحيد، بلّ وكإنسان ونبي بإعلان صوت الله الآب من السماء
قائلًا: "
هَذَا
هُوَ اِبْنِي اَلْحَبِيبُ اَلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متي3: 17)، وقال القديس بطرس عنه " لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ
اللَّهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهَذَا
مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى: هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا
سُرِرْتُ بِهِ" (2بطرس1: 17).
23- موسي رُفض من شعبه وعاد إليهم ليقبلوه بدون أنْ يحاربهم وقادهم
للخلاص من العبودية وقادهم إلى أرض الميعاد، والمسيح رُفض من شعبه وقبلوه في يوم
الخمسين بدون أن يحاربهم وسيقبلوه عند رجوعه الثاني في يوم خلاصهم النهائي. وأمّا
نبي المسلمين فقاد مجموعة من الغزوات قتل فيها من قتل وسبي من سبي حتى دخل مكة
أخيرًا، وحدثت ردة شديدة بعد وفاته قامت بسببها حروب الردّة الشهيرة بقيادة خليفته
الأول " أبو بكر" الذي غزاهم بأحد عشر لواء على رأسها خالد بن الوليد
وتم إخماد التمرّد بقوة السيف.
24- عَكَسَ كلّ من موسى والمسيح مجد الله على وجهيهما؛ فعندما نزل
موسي من الجبل بعد وجوده في الحضرة الإلهيّة أربعين نهارًا وأربعين ليلة صار جلد
وجهه يلمع "
فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ فَخَافُوا أَنْ
يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ" (خروج34: 30). والمسيح تجلّى على الجبل وكشف عن مجده
لتلاميذ: " وَتَغَيَّرَتْ
هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ وَصَارَتْ ثِيَابُهُ
بَيْضَاءَ كَالنُّورِ" (متي17: 2).
25- جاء كل من موسى والمسيح مكملًا بعضهما لبعض، فموسى أعطى الناموس
والمسيح أكمله وتمّمه في ذاته وأعطى لنا النعمة والحق " لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى
أُعْطِيَ أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا" (يوحنا1: 17).
26- كان موسى شفيعًا لشعبه أمام الله وقد قدّم نفسه لله ليفتدي شعبه
" فَرَجَعَ
مُوسَى إِلَى الرَّبِّ وَقَالَ: " آهِ قَدْ أَخْطَأَ هَذَا الشَّعْبُ
خَطِيَّةً عَظِيمَةً وَصَنَعُوا لأَنْفُسِهِمْ آلِهَةً مِنْ ذَهَبٍ. وَالآنَ إِنْ
غَفَرْتَ خَطِيَّتَهُمْ - وَإِلاَّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الَّذِي كَتَبْتَ" (خروج32: 31-32)،
وجاء المسيح كالشفيع الوحيد والوسيط الوحيد بين الله والناس " إِنْ أَخْطَأَ أَحَدُكُمْ،
فَلَنَا عِنْدَ الآبِ شَفِيعٌ هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. فَهُوَ
كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا، لاَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا الْعَالَمِ
كُلِّهِ" (1يوحنا2: 1-2).
27- عمل الله على يدي موسى عشرات المعجزات العظيمة أمام شعبه وأمام
فرعون والمصريين مثل عبور البحر، كما عمل المسيح مئات بل آلاف المعجزات بلا حد ولا
حصر أمام جموع الشعب وأمام تلاميذه، ويذكر منها القرآن خلق طير من طين ومعرفة
الغيب وشفاء للمرضى وإقامة الموتى وتفتيح لأعين العميان بما فيهم المولودين بدون
أعين وتطهير للبرص وإنزال مائدة من السماء لتلاميذه.
28- وقد أمر الله موسى أن يصنع الفصح الأول وختم المسيح هذا الفصح
وأسّس الفصح الأخير مع تلاميذه وأما نبي المسلمين فلم يعرف الفصح. كما قدّم المسيح
نفسه عنّا كذبيحة فصح "
لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا اَلْمَسِيحَ قَدْ
ذُبِحَ لأَجْلِنَا" (1كورونثوس5: 7).
29- يرنم السمائيّون ترنيمة واحدة لموسى والمسيح "
وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اَللهِ
وَتَرْنِيمَةَ اَلْحَمَلِ قَائِلِينَ: عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ
أَيُّهَا اَلرَّبُّ اَلإِلَهُ اَلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ
هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ اَلْقِدِّيسِينَ" (رؤيا15: 3).
30- تميّز موسى النبي بالحلم الشديد مع شعبه "
وَأَمَّا الرَّجُلُ مُوسَى فَكَانَ حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ
جَمِيعِ النَّاسِ الذِينَ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ" (عدد12: 3). وكان المسيح أيضًا كما قال عن نفسه
"
وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي
وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ اَلْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (متي11: 29).
7- تأكيد الكتاب المقدّس صراحة أنّ النبي الموعود هنا هو المسيح:
والكتاب المقدس يؤكد أن النبوة هنا المقصود بها المسيح المنتظر الذي
هو الرب يسوع المسيح، وكان تلاميذه يعرفون ذلك جيدًا، بناء على شرح المسيح نفسه
لكلّ نبوّات العهد القديم لهم؛ فقال تلميذه فيلبس لزميله نثنائيل:
- 64-
"وَجَدْنَا
الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ:يَسُوعَ
ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ" (يوحنا1: 45). كما أكّد ذلك الربّ يسوع المسيح نفسه
الذي قال لليهود "
لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ
تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي"
(يوحنا5: 46)(12). وفي خطاب القديس بطرس الرسول في الهيكل
وأمام علماء ورجال الدين اليهود والجموع الحاشدة أكّد لهم أنّ كل ما تنبّأ به جميع
أنبياء العهد القديم وتكلم به الله على أفواههم تمّمه في أيامهم في شخص المسيح
يسوع: "
وَأَمَّا
اللهُ فَمَا سَبَقَ وَأَنْبَأَ بِهِ بِأَفْوَاهِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ أَنْ يَتَأَلَّمَ الْمَسِيحُ
قَدْ تَمَّمَهُ هَكَذَا. فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ لِكَيْ
تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ. وَيُرْسِلَ يَسُوعَ
اَلْمَسِيحَ اَلْمُبَشَّرَ بِهِ لَكُمْ قَبْلُ. الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ
اَلسَّمَاءَ تَقْبَلُهُ إِلَى أَزْمِنَةِ رَدِّ كُلِّ شَيْءٍ اَلَّتِي تَكَلَّمَ
عَنْهَا اَللهُ بِفَمِ جَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ اَلْقِدِّيسِينَ مُنْذُ اَلدَّهْرِ.
فَإِنَّ مُوسَى قَالَ لِلآبَاءِ: إِنَّ
نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ
تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ لاَ
تَسْمَعُ لِذَلِكَ النَّبِيِّ تُبَادُ مِنَ الشَّعْبِ. وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ
أَيْضًا مِنْ صَمُوئِيلَ فَمَا بَعْدَهُ جَمِيعُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا سَبَقُوا
وَأَنْبَأُوا بِهَذِهِ الأَيَّامِ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَالْعَهْدِ
الَّذِي عَاهَدَ بِهِ اللهُ آبَاءَنَا قَائِلًا لإِبْراهِيمَ: وَبِنَسْلِكَ
تَتَبَارَكُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ. إِلَيْكُمْ أَوَّلًا إِذْ أَقَامَ اللهُ
فَتَاهُ يَسُوعَ أَرْسَلَهُ يُبَارِكُكُمْ بِرَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَنْ
شُرُورِهِ" (أعمال3: 18-26).(13).
وهذا تأكيد مطلق على أنّ المقصود في هذه النبوّة هو المسيح وليس أحد
غيره.
(12) قال كاتب إظهار الحق أن قول
المسيح هذا " ليس فيه تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في الموضع
الفلاني، بل المفهوم أن موسى كتب في حقه، وهذا يصدق إذا وجد في موضع من مواضع
التوراة إشارة إليه"!! ونقول لسيادته أن اليهود كانوا يعرفون هذه النبوّة،
التي نحن بصددها، والتي تنبأ بها موسى النبي، وكانوا ينتظرون هذا النبي، وعندما
يقول لهم المسيح " موسي كتب عنّي " يدركون على الفور أنّه يشير إليها،
بدليل أنّه عندما أشبع الجموع بخمسة خبزات وسمكتين قالوا " إِنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ
اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى
اَلْعَالَمِ!" (يوحنا6: 14).
(13) وهنا قال نفس الكاتب تعليقًا
على عظة القديس بطرس هذه بعد أن لجأ إلى إحدى الترجمات الفارسيّة" فهذه
العبارة سيما حسب التراجم الفارسية تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح عليه
السلام، وأن المسيح لابد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبي"!! ونقول
لسيادته إن لغة الإنجيل الأصلية هي اليونانية وليست الفارسية التي هي مجرد ترجمة
ولا يصح تأويل معناها ويجب الرجوع إلى اللغة الأصلية لمراجعة الكلمات في أصولها،
كما أن محتوى عظة القديس بطرس عن " يسوع المسيح المُبشّر به لكم قبل"
ونبوّات الأنبياء ومنهم موسى، وهذه النبوّة بالذات عن المسيح، وليس عن غيره!!
8- المسيح إله ورب
أم إنسان؟
يقول البعض أن موسى نبي وأنتم تؤمنون أنّ المسيح إله نزل من السماء ومن ثم لا يكون مثل موسى. وللإجابة على هذا التساؤل نؤكّد أننا نؤمن بحسب ما جاء في الكتاب المقدّس أنّ الربّ يسوع المسيح هو كلمة الله وصورة الله الذي من ذات الله الآب " نور من نور إله حق من إله حق " ولكنه أيضًا " تتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنّس " أي أنه تجسد وظهر في الجسد كإنسان وكان كاملًا في ناسوته، إنسانيته، كما كان كاملًا في لاهوته؛ يقول الكتاب عنه " وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" (يوحنا1: 14)، " الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اَللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا لِلَّهِ، لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ اَلنَّاسِ، وَإِذْ وُجِدَ فِي اَلْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى اَلْمَوْتَ مَوْتَ اَلصَّلِيبِ" (فيليبي2: 6-8).
فهو كلمة الله بطبيعته ولكنه كان أيضًا إنسانًا بتجسّده، وكإنسان حلّ
عليه الروح القدس ومسحه كاهنًا وملكًا ونبيًا، فقام بمهام وعمل ودور ووظيفة النبي
في حمل رسالة الله الآب للعالم، وكان كاهنًا على الصليب، وملكًا لملكوت السموات.
قال عنه القديس بطرس بالروح، بعد أن قال أنه " رب الكلّ" (أعمال10: 36)، "
يَسُوعُ
الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ
وَالْقُوَّةِ الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ
عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ" (أعمال10: 38)، ولذا قيل عنه "
هَذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ" (متي21: 11)، ورأى فيه اليهود نبيًا عظيمًا وقالوا
عنه "قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ
عَظِيمٌ وَاِفْتَقَدَ اَللهُ شَعْبَهُ" (لوقا7: 16)، بل والنبي الذي تنبأ عنه موسى "هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ اَلنَّبِيُّ الآتِي إِلَى اَلْعَالَمِ" (يوحنا6: 14).
ونخاطب هؤلاء الكتاب أيضًا بمنطقهم ونقول
لهم وأنتم لا تؤمنون أن المسيح إله بل نبي. وبهذا المنطق فالمسيح مثل موسى.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rvp64gs