عندما أرسل الرب موسى ليخرج الشعب من مصر، قال له: "ولكني أعلم أن ملك مصر لا يدعكم تمضون ولا بيد قوية، فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي اصنع فيها، وبعد ذلك يطلقكم" (خر 3: 19) فأخرجهم بتجارب وآيات وعجائب وحرب ويد شديدة وذراع رفيعة ومخاوف عظيمة مثل كل ما فعل ".. ليعلموا" أن الرب هو الإله ليس آخر سواه.. هو الإله في السماء من فوق وعلى الأرض من أسفل، ليس سواه" (تث 4: 34 - 39).
فكانت آيات وعجائب " وأحكام عظيمة، فيعرف المصريون إني أنا الرب" (خر 7: 3 - 5؛ انظر أيضًا مز 78: 34؛ 105: 5، 27؛ 106: 21، 22).
لقد أرسل الله في عنايته شعب إسرائيل إلى مصر في زمن يوسف، وجاء الأوان ليفتقدهم من العبودية (خر 2: 23 - 25؛ 3: 7، 8) ولكي يحقق ذلك، أرسل على مصر هذه الضربات القوية:
(خر 7: 14 - 25؛ مز 78؛ 44؛ 105: 29) والماء لازم للحياة بمختلف أشكالها ونهر النيل هو مصدر الماء في مصر، فهي " هبة النيل " ولا حياة لها بغيره، وأمر الرب موسى أن يضرب الماء بعصاه " فرفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأما عيني عبيده، فتحول كل الماء الذي في النهر دما، وكان الدم في جميع ارض مصر.. وحفر الجميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا (خر 7: 19 - 24).
ويزعم البعض أن في ذلك إشارة إلى لون ماء النيل في وقت الفيضان، عندما تحمل المياه كميات ضخمة من الطمي والمواد العالقة التي تجعل الماء داكن اللون أشبه بالدم، ولكن ما جاء بالكتاب لا يدل مطلقًا على أن ذلك حدث في وقت الفيضان، إذ المصريين " حفروا حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا" (خر 7: 24)، مما يدل على أن النهر لم يكن في وقت الفيضان، والإشارة إلى الأنهار (مجاري المياه) والسواقي والآجام وكل مجتمعات المياه - حتى في الأخشاب وفي الأحجار (خر 7: 19)، دليل آخر على ذلك، لأنه في وقت الفيضان تغمر المياه كل الأراضي حوالي النهر، علاوة على أن المياه في وقت الفيضان تكون سمراء اللون وليست حمراء كالدم.
والتفسير المنطقي الوحيد أنها كانت -بكل المقاييس- معجزة إلهية، وليست ظاهرة طبيعية، بالإضافة إلى إن موت الأسماك (خر 17: 21) يدل على أن شيئًا غير طبيعي قد حدث بالماء، وكان المصريون معتادين على مياه الفيضان ولم يكن يفوتهم إدراك ذلك، حتى يقال عنهم "أنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر" (خر 7: 21، 24).
كما أن استطاعة المصريين أن يحفروا حوالي النهر للحصول على ماء للشرب، دليل واضح على رأفة الله بالشعب في وسط هذه الضربة، إذ خفف -نوعًا- من وقعها، وكان المصريون يربطون بين النهر وبين عدد من الآلهة، تعبيرًا عن فضل النهر عليهم، وكانوا يطلقون عليه "الإله حابي" ، وكانوا يصورونه على شكل رجل ضخم له صدر مترهل، ويحمل في يديه بعض الثمار من خيرات النهر، فكانت هذه الضربة موجهه إلى الآلهة النهر.
(خر 8: 1 - 15؛ مز 78: 45؛ 105: 30)، بعد " سبعة أيام بعدما ضرب الرب النهر "، دخل موسى إلى فرعون، ولما أبى أن يطلق الشعب، " مد هرون يده على مياه مصر، فصعدت الضفادع وغطت أرض مصر" (خر 8: 6) وكان عددها من الضخامة، حتى طلب فرعون من موسى وهرون أن يصليا إلى الرب ليرفع الضفادع عنه وعن شعبه ، فيطلق الشعب، فطلب موسى من فرعون أن يحدد له متى يصلي لأجله لقطع الضفادع، فحدد له الغد "، فقال له " كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا" (خر 8: 8 - 11)
فصلى موسى للرب، وفي الموعد المحدد "ماتت الضفادع من البيوت والدور والحقول، وجمعوها كومًا كثيرة حتى أنتنت الأرض، فلما رأى فرعون انه قد حصل الفرج، أغلظ قلبه" وتنكر لوعده (خر 8: 12 - 15) ومن المستحيل أن يكون إتمام الأمر كما حدده موسى مع فرعون أمرًا طبيعيًا ولكنها يد الله.
وكانت الإلهة "حكت" إلهة "الولادة" عند قدماء المصريين، لها رأس ضفدع، لها رأس ضفدع، ولا شك في أن هذه الضربة هزت من هيبتها.
(خر 8: 16 - 19؛ مز 105: 31) مد هرون يده بعصاه وضرب تراب الأرض كما أمر الرب موسى، " فصار البعوض على الناس وعلى البهائم " ولم يستطع العرافون بسحرهم أن يفعلوا هكذا، فقالوا لفرعون "هذا إصبع الله".
(خر 8: 20 - 32؛ مز 78: 45؛ 105: 31) وقد ميز الرب في هذه الضربة بين أرض المصريين وأرض جاسان حيث كان يقيم بنو إسرائيل، وحدد له أن "غدًا تكون هذه الآية" وتم ذلك، " فدخلت ذبان كثيرة إلى بيت فرعون وبيوت عبيده، وفي كل ارض مصر خربت الأرض من الذبان "، حتى طلب فرعون من موسى وهرون أن يصليا لأجله، فيطلقهم ليذبحوا للرب إلههم في البرية، على أن "لا يذهبوا بعيدًا"، ولما ارتفع الذبان نكث فرعون عهده.
(خر 9: 1 - 7) أنذر موسى فرعون بأن " يد الرب تكون على مواشيك التي في الحقل، على الخيل والحمير والبقر والغنم وبأ ثقيلًا جدًا، ويميز الرب بين مواشي إسرائيل ومواشي المصريين، فلا تموت من كل ما لبني إسرائيل شيء، وعين الرب وقتا قائلا: غدا يفعل الرب هذا الأمر في الأرض، ففعل الرب هذا الأمر في الغد، فماتت جميع مواشي المصريين، وأما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد، وأرسل فرعون وإذا مواشي إسرائيل لم يمت منها ولا واحد " ومع ذلك أبى فرعون أن يطلق الشعب، وكان هناك عدد من آلهة المصريين تمثلها هذه المواشي، فكان العجل "أبيس" ، وكانت "هاتور" على شكل بقرة، كما كان "خنوم" على شكل كبش، وهكذا.
(خر 9: 8 - 12). أخذ موسى وهرون -بناء على أمر الرب- " رماد الأتون، ووقفا أمام فرعون، وذراه موسى نحو السماء، فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم، ولم يستطع العرافون أن يقفوا أمام موسى من أجل الدمامل، لأن الدمامل كانت في العرافين وفي كل المصريين " ولكن فرعون ظل على عناده.
(خر 9: 13 - 35؛ مز 78: 48؛ 105: 32، 33) وقبل وقوع هذه الضربة، ذكر الرب لفرعون الهدف من هذه الضربات: "لكي أريك قوتي ولكي يخبر باسمي في كل الأرض" (خر 9: 19)، وحذره قائلًا: "فالآن أرسل احم مواشيك وكل مالك في الحقل، جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل ولا يجمعون إلى البيوت، ينزل عليهم البرد فيموتون، فالذي خاف من كلمة الرب من عبيد فرعون، هرب بعبيده ومواشيه إلى البيوت "ولما مد موسى عصاه نحو السماء كما أمره الرب" أعطى الرب رعودا وبردا وجرت نار على الأرض، فكان برد ونار متواصلة في وسط البرد شيء عظيم جدًا، لم يكن مثله في كل أرض مصر منذ صارت أمة، فضرب البرد في كل ارض مصر جميع ما في الحقل من الناس والبهائم.. وجميع عشب الحقل وكسر جميع شجر الحقل، إلا ارض جاسان حيث كان بنو إسرائيل فلم يكن فيها برد ". وكانت هذه الضربة موجهه لإلهة الجو "نوت".
فأرسل فرعون ودعا موسى وهرون، واعترف بأنه أخطأ هذه المرة، وطلب منهما أن يصليا إلى الرب ليوقف تلم العاصفة الرهيبة: "فقال موسى: عند خروجي من المدينة أبسط يدي إلى الرب فتنقطع الرعود، ولا يكون البرد أيضا، لكي تعرف أن للرب الأرض" وقد حدثت هذه الضربة في أوائل العام الزراعي، "لأن الشعير كان مسبلا، والكتان مبزيا، وأما الحنطة والقطاني فلم تضرب لأنها كانت متأخرة" (خر 9: 31، 32).
(خر 10: 1 - 20؛ مز 78: 46؛ 105: 34، 35). كثيرًا ما يهدد الجراد الزراعات والمحاصيل في كثير من بلاد الشرق الأوسط، ولكن هذه الهجمة من الجراد، كانت شيئا ثقيلا جدًا " لم يكن فقبله جراد هكذا مثله ولا يكون بعده هكذا، وغطى وجه كل الأرض حتى أظلمت الأرض، وأكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرد، حتى لم يبق شيء أخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كل أرض مصر" (خر 10: 14، 15) وكانت الإلهة "إيزيس" تعتبر حامية البلاد من الجراد فكانت هذه طعنة موجهه إليها، فأسرع فرعون إلى استدعاء موسى وهارون واعترف بأنه اخطأ إلى الرب، وطلب منهما الصفح عن خطيئته وأن يصليا إلى الرب ليرفع "هذا الموت"، واستخدم الرب ريحًا شرقية لتأتي بالجراد، وريحًا غربية شديدة جدا " لتحمل الجراد وتطرحه إلى البحر الأحمر ولكن فرعون عاد إلى عناده.
(خر 10: 21 - 29؛ مز 105: 28) عندما مد موسى يده نحو السماء ، بناء على أمر الرب له صار "ظلام دامس في كل أرض مصر ثلاثة أيام، لم يبصر احد أخاه، ولا قام احد من مكانه ثلاثة أيام، ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم" (خر 10: 22، 23)، وكانت هذه الضربة ضد إله الشمس (رع وخفرع وأتوم وغيرهم)، حتى اضطر فرعون أن يقول لموسى: "اذهبوا اعبدوا الرب، غير أن غنمكم وبقركم تبقى" (خر 10: 24) فرفض موسى ذلك: فقال له فرعون: اذهب عنى احترز لا تر وجهي أيضًا، إنك يوم ترى وجهي تموت، فقال موسى: نعما قلت، أنا لا أعود أرى وجهك أيضا" (خر 10: 28، 29).
(خر 11: 1 - 10؛ 12: 29 - 32؛ مز 78: 51؛ 105: 36) انذر موسى فرعون بان الرب سيخرج "نحو نصف الليل في وسط مصر، فيموت كل بكر في ارض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه، إلى بكر الجارية التي خلف الرحى، وكل بكر بهيمة، ويكون صراخ عظيم في كل أرض مصر، لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضًا، ولكن جميع بني إسرائيل لا يسن كلب لسانه إليهم، لا إلي من الناس ولا إلى البهائم" (خر 11: 4 - 7) وأمر الرب بني إسرائيل بعمل الفصح ورش دم الخروف الفصح على القائمتين والعتبة العليا في كل بيت، " ليكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها، فأرى الدم وأعبر عنكم، فلا يكون عليكم ضريبة للهلاك حين اضرب ارض مصر" (خر 12: 13)، "فأني اجتاز في ارض مصر هذه الليلة واضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وأصنع أحكاما بكل الآلهة أنا الرب" (خر 1: 12).
وعندئذ نفذ الرب هذا الأمر "وكان صراخ عظيم في مصر لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت، فدعا فرعون موسى وهرون ليلًا، وقال قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعًا واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم" (خر 12: 29 - 33).
ويتضِح من كل ذلك أن المصريين أدركوا أنها أحداث غير طبيعية:
(1) لشدة الضربات وتوقيتها ومددها.
(2) كما تجلى مصدرها الإلهي في تزايد شدتها.
(3) وحدوثها في الوقت وعلى الصورة كما أنبأ موسى وهرون، وزوالها أيضا ببناء على صلاتهما وفي الوقت الذي حدداه.
(4) عدم امتدادها إلى أرض جاسان حيث كان شعب الله يقيم.
كما أثبتت هذه الضربات عجز آلهة المصريين وعدم نفعها، أو بالحري ثبت أنها بطل وأوهام لا وجود لها في الحقيقة، لأنها لم تستطع أن تحمي نفسها من سطوة الإله القدير الحي الحقيقي (خر 7: 5، 17؛ 8: 19؛ 9: 27).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/q69y9fb