ذكر القديس لوقا في إنجيله (لو 24) حول هذين التلميذين (كليوباس ورفيقه)، حيث لم يكونا مجرد أشخاص عاديين، بل كانوا من ضمن الذين أخبرتهم المريمات بخبر قيامة الرب (لو 24: 9)، كما قيل عنهم "وَإِذَا اثْنَانِ مِنْهُمْ كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا «عِمْوَاسُ»" (لو 24: 13)، أي أنهما كانا "منهم"، أي من الجماعة الخاصة للرسل، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى.. ونلاحظ كيف كانا منشغلين بالأحداث "وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هذِهِ الْحَوَادِثِ" (لو 24: 14) وكانا يتحاوران فيها وهما "مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ" (لو 24: 17).. يبدوا أنهما بدآ يخافا من إشاعة القيامة التي انتشرت، وربما كان خروجهم من أورشليم نوعًا من الهروب.. حيث كان واضحًا عدم تصديقهم التام لبشارة النسوة أنه حيًّا(1)(6)، ومن هنا جاء توبيخ السيد المسيح لهما في إطار تفتيح أعينهما على الحقيقة.
![]() |
وفي أثناء حديثهما "اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا" (لو 24: 15)، وأخذ في الحديث معهما حيث "أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ" (لو 24: 16). وأخبراه كيف كان الجميع يرجو أن يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ كان هو المخلص المزمع أن يفدي إسرائيل (لو 24: 21)، وكيف زادت دهشتهما بعد مجيء النسوة من القبر مبشرات بحياته (لو 24: 22-24). وهنا بدأ السيد المسيح يكشف لهما أن هذا ما كان ينبغي أن يتحقَّق حسب أقول الأنبياء، وذلك بداية من موسى وحتى جميع الأنبياء في الكتب المقدسة والمزامير (لو 24: 25-27، 44).
وعندما عرضا عليه المبيت معهما "أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ اخْتَفَى عَنْهُمَا" (لو 24: 30-31). وهنا اكتشفا حقيقة زميل الطريق العجيب، وخاصة بعد "كَسْر الخبز" (التناول)(5). ولم يبيتا في المكان بالرغم من كونه مساءً (لو 24: 29) وأسرعا إلى أورشليم للتلاميذ الأحد عشر يؤكدان قيامته وظهوره لسمعان ويبشران الجميع.. "وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحًا. فَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي». وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ" (لو 24: 36-40). ثم أكل مع الجميع وهم "غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ" (لو 24: 41)، وكان الطعام حينها سمكًا مشويًّا وشيئًا من شهد العسل.
ثم "فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ.. هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّم وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذلِكَ" (لو 24: 45-48). وأعطاهم موعِدًا بإلباسهم قوة من الأعالي، ثم باركهم وصعد إلى السماء. "فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللهَ" (لو 24: 52-53). وكان في هذا الكلام إرسال لهؤلاء الرسولين من ضمن السبعين رسولًا، وذلك في قوله: "أَنْتُمْ شُهُودٌ لِذلِكَ".
يا لهُ من لقاء رائع وممتع ويوم عجيب مع الرب.. شبيه بحديث السيد المسيح مع نيقوديموس في المساء.. وقد ذكره الشهيد مارمرقس سريعًا بقوله: "وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. وَذَهَبَ هذَانِ وَأَخْبَرَا الْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلاَ هذَيْنِ" (مر 16: 12-13).
وفي التقليد الكنسي هذا التلميذان من السبعين رسولًا:
وقد استشهد الشهيد كليوباس الرسول على اسم السيد المسيح، ويُعَيَّد له في يوم 1 هاتور من كل عام(2).
والتلميذ الآخر هو القديس لوقا الإنجيلي، وقيل أنه لم يذكر اسمه في إنجيله تواضُعًا(3).
ومن الجدير بالذِّكر أنه في طقس صلاة القداس الإلهي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هناك رموز لهذا اللقاء العجيب في صلاة الأنافورا، حيث يتم تغطيه الكأس بعد كشفها فيه إعلان أو إشارة لظهور الرب لتلميذي عمواس ثم اختفائه عنهما(4).
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org
(م. غ.).(1) تفسير متى 13 - القس أنطونيوس فكري.
(2) كتاب أسماء السبعين، من كتب الأنبا متاؤس (مقال القديس كليوباس الرسول).
(3) كتاب أسماء السبعين، من كتب الأنبا متاؤس (مقال القديس لوقا الإنجيلي الرسول).
(4) كتاب القداس الإلهي في اللاهوت الطقسي القبطي - الأنبا بنيامين (مقال: بعض ملاحظات في الأنافورا).
(5) كتاب الأسرار السبعة (الأسرار الكنسيَّة السبعة) - القس أنطونيوس فكري (مقال: رموز سرّ الإفخارستية في العهد القديم).
(مقال: لا تلمسيني).الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع