أعطى المسيح تلاميذه ليلة العشاء الرباني جسده ودمه وقال "يسفك لأجل كثيرين" (مت26: 28). فكيف يشترك الكثيرين في هذه الإفخارستيا؟ كان هذا مبنيًا على أنه سيقوم من الأموات كما سبق وتنبأ "انه كان يعلم تلاميذه ويقول لهم أن ابن الإنسان يسلم إلى ايدي الناس فيقتلونه. وبعد أن يقتل يقوم في اليوم الثالث"(مر9: 31). والمسيح ربط بين الإفخارستيا وقيامته من الأموات وصعوده للسموات "فان رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا" (يو6: 62). وبهذا كان المسيح يربط بين جسده الذي يصلب ويسكب دمه على الصليب وبين الإفخارستيا. وكان أيضًا يربط في هذه الآية بين الإفخارستيا وبين قيامته من الأموات وصعوده للسماء حيث عرشه. ومن هناك ومن على عرشه السماوي صار يقدم جسده مأكلا حق ودمه مشربا حق لكل العالم. وبهذا يتحقق قول المسيح "تأكلون وتشربون على مائدتي في ملكوتي" (لو22: 30).
وكان كثيرين من اليهود يؤمنون بأن أجسادهم ستقوم، وأن الأرواح لن تموت، بل أن بعض فلاسفة اليونان رأوا أن الروح لن تموت. والمسيح أوضح أن هذا الرأي صحيح وأن الروح لن تموت والأجساد ستقوم، ولكن سيكون ذلك من خلال الأكل من جسده والشرب من دمه (يو6: 53: 54).
قصة تلميذي عمواس (لو24: 13 - 35) شرحت وأوضحت تمامًا عمل الإفخارستيا، وربطت بين الإفخارستيا وبين قيامة المسيح ونلاحظ شيئين فيما حدث:-
1- أن التلميذين "أمسكت أعينهما"، لقد أخفى الرب يسوع نفسه فلم يعرفاه. فليس من المعقول أنهما نسيا شكله في يومين. والمعنى أن المسيح بعد القيامة كان قادرا أن يظهر بالصورة التي يريدها، وبجسده الممجد كان قادرًا أن يظهر، أو أن لا يظهر كما حدث مع المجدلية ومع تلميذيّ عمواس، بل ومع اليهود فلم يراه أحد منهم، فقط رآه وفرح به من يستحق.
2- وكان ذلك لأن إيمانهم اهتز فيه واعتبروه نبيًا قادرًا... ولكنه ليس المسيا المنتظر. ولم يصدقوا قيامته حين سمعوا بها.
هو عمل بالضبط ما تم شرحه في الصفحات السابقة. فلقد عاد إلى العهد القديم شارحًا ما جاء فيه عنه، فالله سبق ومهد الطريق في العهد القديم لنفهم ما عمله المسيح.
وكان هذا الشرح مقدمة وإعداد لما حدث بعد ذلك.
ولم تنفتح أعين التلميذين إلا بعد كسر الخبز. وكان كسر الخبز هو ما تممه ليلة العشاء الرباني. "فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار. فدخل ليمكث معهما. فلما اتكأ معهما اخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما. فقال بعضهما لبعض الم يكن قلبنا ملتهبا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب. فقاما في تلك الساعة ورجعا إلى أورشليم ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم. وهم يقولون ان الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان. وأما هما فكانا يخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز".
وبعد أن انفتحت أعينهما وعرفاه اختفى عنهما فجأة.
ولماذا اختفى المسيح؟ هو بهذا شرح للتلميذين أنه بعد القيامة والصعود إلى السماء، سيكون حاضرًا أمامهم ليس في صورة إنسان كما تعودوا قبل ذلك، ولكن على صورة الخبز والخمر في الإفخارستيا. وكأنه يقول لهم... ها أنا ما زلت حاضرًا أمامكم في هذا الخبز المكسور ولن ترونني بعد ذلك في صورة الإنسان الذي عرفتموه قبل الصليب والقيامة. وهذا معنى قول الكتاب فدخل ليمكث معهما. فهو مع أنه اختفى لكنه ظل ماكثا معهم في صورة الخبز والخمر اللذان حولهما إلى جسده ودمه.
والمسيح بهذا شرح للتلاميذ وللكنيسة كلها أن كسر الخبز، ستكون الطريقة التي يكون حاضرًا بها معهم للأبد حسب وعده، "وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت28: 20).
والمسيح بهذا أظهر للتلميذين أن الإفخارستيا هي جسده المصلوب والقائم من بين الأموات، وأنه بعد قيامته وصعوده لم يعد مقيدا ومحدودًا في زمان أو مكان أو صورة معينة.
المسيح القائم من الأموات يستطيع أن يظهر في الوقت الذي يريده وفي المكان الذي يريده وبالصورة التي يريدها وبالكيفية التي يريدها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهو قادر أن يخفى جسده كما اختفى من أمام التلميذين في عمواس، وأيضًا مع المجدلية. وقادر أن يخفى شخصه ويظهر بصورة غير التي يعرفه بها الناس، وأيضًا هذا قد حدث مع المجدلية ومع التلميذين في الطريق إلى عمواس. وحدث هذا مع القديس الأنبا بيشوي وغيره من القديسين.
وإذ عرفه التلميذين... فهما عرفاه في كسر الخبز، انطلقا فرحين ليخبرا الباقين بما حدث، وأيضًا بالطريقة التي عرفوا بها كيف يكون المسيح حاضرًا معهم كل حين. ففي كسر الخبز أي الإفخارستيا سيكون المسيح حاضرًا معنا. ومن هنا نرى أن الإفخارستيا تساعد على فتح الأعين.
وكانت حادثة تلميذيّ عمواس بعد القيامة مباشرة، ولقد كرر المسيح معهم ما عمله ليلة خميس العهد. وهنا تم تنفيذ وعده "تأكلون وتشربون على مائدتي في ملكوتي"(لو22: 30).
في هذا اليوم أعطى المسيح تلاميذه جسده ودمه. وبينما لم يعرفه التلاميذ في الطريق لكنه استجاب لطلبهم "أمكث معنا". وفي كل قداس يستجيب المسيح لهذا الطلب وهذه الصلاة ويبقى معنا، وسيمكث معنا ومع كنيسته إلى نهاية الزمان في سر الإفخارستيا الذي أسسه ليلة خميس العهد، بدأه في العلية وأنهاه على الصليب.
الرب يسوع يؤسس سر الإفخارستيا |
الأصول اليهودية لسر الإفخارستيا - برانت بيتري |
خروف الفصح والمن وخبز الحضرة في المسيحية |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/fr-antonios-fekry/jewish-eucharist/emmaus.html
تقصير الرابط:
tak.la/3jatw33