دعنا نتناول بعض النقاط مما جاء في سؤالك، وما قد يأخذنا الحديث إليه(*)..
"حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدًا، فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحقّقه من المجوس. حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل: صوتٌ سُمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها، ولا تريد أن تتعزّى، لأنهم ليسوا بموجودين" [إنجيل متى 2: 16-18].
قتل أطفال بيت لحم The Massacre of the Innocents لم يتم بمحض الصدفة، لكنّه يمثّل جزءً لا يتجزأ من حياة المخلّص، اهتم الوحي بإعلانه في العهدين القديم والجديد. لقد رأى إرميا النبي راحيل زوجة يعقوب المدفونة هناك تبكي على أولادها (أحفادها) من أجل قسوة قلب هيرودس عليهم.
هذه الحادثة ليست حادثة وهمية، بل هي مذكورة في الكتاب المقدس في العهد الجديد (وهو لم يطوله التحريف كما يدعي بعض الأخوة المسلمين)، وقد تم التنبؤ بها أيضًا في (سفر إرميا 31: 15) من العهد القديم (والذي يؤمن به اليهود حتى هذا اليوم، ولا يستطيع المشككون الطعن في صحته). وعلى الرغم من أن يوسيفيوس (جوزيفيوس) Josephus المؤرخ اليهودي لم يذكر هذه الحادثة، لكن ليس غريبًا على هيرودس أن يفعل هذا، وهو الذي قتل ثلاثة من أبناءه، وأيضًا قتل زوجته المفضلة عندما شَعَرَ ببعض التهديد على عرشه!! وقد أوضح يوسيفيوس أيضًا أسلوب هيرودس الدموي هذا في أكثر من موضع، من مؤامرات حاكها ضد أعدائه من يهود البلاط، وضد خصومه من حكام الرومان.. إلخ. ويبدو أن هيرودس كان معتادًا على أمور القتل هذه، لدرجة أنه في ساعة موته أمر بقتل جميع وجهاء أورشليم، حتى يعم الحزن المدينة ولا يجد أحد السكان فراغًا ليبتهج بموت ملكه المكروه!! وتعيِّد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذكرى استشهاد هؤلاء الأطفال يوم 3 طوبة.
الاسم بالإنجليزية هو Herod أو هيرود، وبالعبرية הוֹרְדוֹס وباليونانية Ἡρῴδης، ويُعْرَف باسم هيرودس الأول أو هيرودس الكبير. ولد حوالي سنة 74 أو 73 قبل الميلاد، ومات سنة 4 قبل الميلاد [*]. كان واليًا client king على اليهودية، وهو السبب في قتل الأطفال الأبرياء المذكورة في إنجيل متى. وكان قد أعلن الأدوميين في السابق أنهم قد أصبحوا يهودًا، وذلك تحت التهديد.. وجاء من نسلهم هيرودس هذا.. أي أنه أدومي، وهم لم يكونوا يهودًا حقًا.
فتح هيرودس أورشليم (القدس) سنة 37 قبل الميلاد، وأصبح واليًا على اليهودية.
مات هيرودس بعد 37 سنة من إعلانه ملكًا عن طريق الرومان، وبعد 34 سنة من موت أنتيجونوس Antigonus، وهذا يوضح أنه مات حوالي سنة 4 قبل الميلاد (عن عمر يناهز 70 عامًا). حيث تَمَلَّك ثلاثة من أبنائه في نفس ذلك العام، وقُسِّمَت المملكة بينهم (هيرودس أرخيلاوس على اليهودية، هيرودس أنتيباس Herod Antipas على الجليل، هيرودس فيلبس الثاني Herod Philip II على باتانيا Batanea).
كان كيرينيوس Cyrenius أو Quirinius رومانيًا، وأصبح واليًا على سوريا عام 6-11 م. ويرّجح أيضًا أنه حكمها كوالي أو قائد عسكري من سنة 3-2 ق.م. تقريبًا. وهذا ثابت من اللوحة اللاتينية التي وجدت مشوهة في تيفولي قرب رومة (روما) والتي أصلحها علماء آثار من الطبقة الأولى منهم مومسن ورامساي وروس فأظهرت كتابتها أن كيرينيوس كان واليًا على سوريا في التاريخ المذكور.
وفي مدة هذه الولاية الأولى جرى الاكتتاب الأول census (لو 2: 2). الذي ألزم يوسف ومريم بالحضور إلى بيت لحم.
أو أرخيلاس (أرشيلاس، أرشيلاوس) Herod Archelaus، وهو ابن هيرودس أشهر الذين أخذوا لقب "Ethnarch" وهو ملك اليهودية، وذلك بعد هيرودس الكبير أبوه، وفي زمانه عادت العائلة المقدسة من مصر إلى الناصرة. وقد تملَّك أرخيلاوس حوالي سنة 4 قبل الميلاد حتى سنة 6 بعد الميلاد.
أمر الملاك يوسف بالذهاب إلى مصر لأن هيرودس كان مزمعًا أن يقتل الصبي، وخلال فترة وجود العائلة المقدسة في أرض مصر، مات هيرودس بعد مرضه، وملك ابنه أرخيلاوس عوضًا عنه حسب وصية أبيه. وخلال فترة حكمه، عادت العائلة المقدسة إلى الناصرة.
ولد المسيح وقت هيرودس، والاكتتاب تم قبل ولادة المسيح (لوقا 2)، وقت كان كيرينيوس واليًا على سورية (سوريا)، وليس هناك أي تعارض في هذا الأمر!! حيث كان هيرودس هو الحاكم وقتئذ، ولكن كان لولاية سورية وواليها كيرينيوس إشراف إداري جزئي على هيرودس بصفته الوالي الروماني، لذلك يذكر لوقا هذا الوالي كيرينيوس في ذِكْر حادثة الاكتتاب. فكيرينيوس لم يكن واليًا على اليهودية!
ليس من اليسير أن نصل إلى معرفة تاريخ ميلاد المسيح أو معموديته أو صلبه على وجه التحقيق وبلا منازع، إلا أن جمهور المؤرخين والعلماء يتفقون على تاريخ هذه الحوادث على وجه التقريب - وقد بدأ وضع التقويم المسيحي رئيس دير يدعى ديونيسيوس اكسيجُؤس الذي مات قبل عام 550 ميلادي (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فاختار هذا الراهب تاريخ التجسد كالتاريخ الفاصل بين الحوادث السابقة والحوادث اللاحقة له (ومازال العالم يستخدم هذا التاريخ حتى الآن بغض النظر عن الدين، حيث تؤرَّخ جميع أحداث العالم بقبل وبعد ميلاد المسيح، حتى فى كثير من البلاد الإسلامية). إلا أنه ربط بين بداية التقويم المسيحي وعام 754 لتأسيس مدينة روما. فقد ذَكَرَ أن المسيح وُلِدَ في هذا العام، وأن عام 754 لتأسيس روما يقابل العام الأول الميلادي.
إلا أن ما ذكره المؤرخ يوسيفوس يُظهِر بوضوح أن هيرودس الكبير الذي مات بعد ولادة المسيح بوقت قصير (مت 2: 19 - 22)، على الأرجح أنه قد مات قبل عام 754 لتأسيس روما، التي تقابل سنة 4 ق. م.، ولذلك فالحوادث التي جَرَت بعد مولد المسيح وقبل موت هيرودس ينبغي أن توضع في تاريخ سابق للسنة الرابعة قبل الميلاد، وربما جرت هذه الحوادث في مدى شهرين أو ثلاثة أشهر قبل هذا التاريخ.
إذن فميلاد المسيح تمّ إما في أواخر سنة 5 ق.م. أو في أوائل سنة 4 ق.م.
نعم، الإجابة التي لم تكن قد تتوقعها، هي أن السيد المسيح قد وُلِدَ قبل الميلاد! وذلك حسب التقويم أي طبقًا للناحية التأريخية (تأريخ بوضع همزة على حرف الألف) أو التقويم الغريغوري المُستَخدَم حاليًا في العالم، وليس من الناحية الفعلية بالطبع.
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت
www.st-takla.org (م. غ.) - مراجعة لغوية: سامي فانوس.
* ^ موسوعة جودايكا (موسوعة اليهود) Encyclopaedia Judaica، تحت باب "هيرودس Herod".
موسوعة بريتانيكا Encyclopædia Britannica.
مقال حول ملوك و حكام اليهودية في أيام المسيح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/k7gnx2m