"وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه" (تك2:1). ونجد كلمة خربة في الترجمة الإنجليزية formless أي بلا شكل.
هذه العبارة وإن كانت صغيرة في مظهرها، إلا أنها كبيرة في محتواها. بسيطة ولكنها عميقة في جوهرها لما تحتويه من أسرار وخبايا. ولقد ظلت هذه العبارة غريبة على الآذان، إلى أن تقدم العلم وأثبت أن الأرض لا بُد أنها كانت خربة وخالية من كل مظاهر الحياة في بداية تكوينها... فلم تكن في بدايتها إلا مجرد تجمع من الأبخرة الملتهبة للعناصر المختلفة، والتي لم يتحدد لها شكل بعد formless. فالحرارة المرتفعة لم تسمح بتكوين مركبات ولا بوجود المادة في الصورة الصلبة ولا السائلة... بل كانت على هيئة أبخرة (بخار حديد - بخار نحاس... إلخ.). لذا لم يكن لها شكل محدد؛ مثل السحب... ومع الوقت وبدورانها حول الأصل الذي أُخِذَت منه (السديم أو النجم مثلًا) متأثرة بقوتي الجاذبية والطرد المركزي، بالإضافة إلى دورانها حول نفسها... كل هذا أدى في النهاية إلى اكتمال شكلها الحالي القريب من الشكل الكروي.
يا لها من لآلئ ثمينة في الكتاب المقدس، فلم يفطن الإنسان لمعنى هذا الكلام الغريب إلا مع تقدم العلم... فكلمة "غمر" توضح أن الأرض كانت مغمورة بسبب أن درجة حرارتها وقت أن انفصلت عن مصدرها النجمي كانت حوالي 6000 درجة، وهي كدرجة حرارة سطح الشمس حاليًا... وفي هذه الدرجة تكون العناصر حرة ولا يوجد بها مركبات كيميائية.
ومع انخفاض درجة حرارة الأرض تدريجيًا، بدأ الاتحاد بين العناصر لتكوين المركبات... فعندما وصلت درجة الحرارة إلى 400 درجة، تم اتحاد الأكسوجين مع الهيدروجين مكونًا جزئي الماء من ذرتين هيدروجين وذرة أكسجين. وبتكوين الماء بدأ يتجمع على سطح الأرض، ولكنه لا يلبث ويتبخر مرة أخرى إلى مسافات قد تصل إلى بضعه أميال نتيجة لارتفاع درجة الحرارة... ومع تلامس الأبخرة بالفضاء يتكاثف البخار ويعود إلى سطح الأرض على هيئة مياه لتغطي هذه المياه سطح الأرض (الغمر)، وتعود المياه فتتبخر مرة أخرى بتأثير الحرارة، ثم تتكاثف... وهكذا تتكرر العملية مما يسبب الآتي:
1- غمر الأرض بالمياه مما أدى إلى تسميتها "غمرًا".
2- المشاركة في جعل الأرض مظلة، والتي يرجع ظلامها في ذلك الوقت إلى عاملين:
العامل الأول: هو ذلك السُمك الهائل من الأبخرة التي تحيطا بالأرض فتفصلها عن الضوء الخارجي... ويحدث هذا حاليًا أحيانًا مثلما نراه في حالات "الشبورة"؛ حيث أن جزيئات بخار الماء تعمل على انكسار أشعة الضوء مما لا يسمح للضوء أن يصل إلا لمسافات قصيرة. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ويمكن ملاحظته كذلك عندما تمر سحابة أسفل الشمس فتحجب عنا الضوء، وهذا ما كان يحدث بالفعل في بداية تكوين الأرض، ولكن بصورة أكبر نتيجة لذلك السمك الهائل من الأبخرة.
العامل الثاني: يرتبط بمصدر الضوء نفسه (الشمس في مراحل تكوينها الأولى) والتي لم تكن قد وصلت إلى كمال قوتها بعد...
ومن هنا كانت عبارة سفر التكوين "وكانت الأرض خربه وخاليه وعلى وجه الغمر ظلمة"، والتي قد عبر عنها ارميا النبي بقوله: "ونظرت إلى الأرض وإذا هي خربة وخالية، وإلى السموات فلا نور لها" (إر23:4) مما يعطي إحساسًا بالروح الواحد الذي يحرك كاتبي الكتاب المقدس ألا وهو روح الله القدوس.
فهرس أيام الخلق الستة * مقدمة:
العصور وعلم الجيولوجيا -
محاولات
التوفيق بين مفهوم اليوم وحقبات التاريخ -
مفهوم
اليوم في الكتاب المقدس |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
Connection failed: SQLSTATE[08004] [1040] Too many connections