محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13
معلمنا بولس الرسول الذي تربى عند قدمي غمالائيل، قائد إحدى مدرستي اليهود التقليديتين، وكان الكل يأمل أن يتسلم التلميذ قيادتها بعد معلمه بسبب غيرته الملتهبة نحو تراث آبائه وتقاليدهم، فقد اُبتلع قلبه كله وامتصت أحاسيسه تمامًا في عشق الهيكل بكل طقوسه... الآن يواجه المسيحيين الذين هم من أصل عبراني ليحدثهم عن حقيقة جديدة تبدو في ظاهرها مناقضة لكل خبراتهم الماضية، وهي أن الكاهن الأعظم الجديد سماوي، جاء ليرفع الإنسان بكل حياته وسلوكه وعبادته إلى السمويات، فلا نكوص إلى ما كان عليه العبرانيون. دخل بنا إلى السمويات عينها فلا رجعة إلى الظلام. قدم لنا ذاته رئيس كهنة جديد، وذبيحة جديدة، ودخل بنا إلى هيكل جديد، ليقوم بعمل جديد لحسابنا.
1 - 6 |
|||
7 - 13 |
1 وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ 2 خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ. 3 لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ يُقَامُ لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ. فَمِنْ ثَمَّ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِهذَا أَيْضًا شَيْءٌ يُقَدِّمُهُ. 4 فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الأَرْضِ لَمَا كَانَ كَاهِنًا، إِذْ يُوجَدُ الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَ قَرَابِينَ حَسَبَ النَّامُوسِ، 5 الَّذِينَ يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ». 6 وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ حَصَلَ عَلَى خِدْمَةٍ أَفْضَلَ بِمِقْدَارِ مَا هُوَ وَسِيطٌ أَيْضًا لِعَهْدٍ أَعْظَمَ، قَدْ تَثَبَّتَ عَلَى مَوَاعِيدَ أَفْضَلَ.
"وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هَذَا ،قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَوَاتِ" [ع 1]. رأس الكلام أو نهاية ما نبتغيه هو أن لنا رئيس كهنة سماوي يخدم باسمنا ولحسابنا وهو جالس في يمين عرش الآب في السموات. إن كان السيد المسيح هو رئيس الكهنة الفريد على رتبة ملكي صادق قد جاء بقسم يحمل كهنوتًا أبديًا يخدم في السموات، أمامه يختفي الكهنوت اللاوي الذي ارتبط بخدمة الخيمة أو هيكل أورشليم، فإن هذا كله إنما هو "لنا". وكأن الرسول يود أن يؤكد لهم أن ما ورد في الرسالة ليس من أجل الجدال الفكري بل بولس مكسب عملي صار "لنا" هذا الكاهن الجديد بخدمته الجديدة. ما خسره هؤلاء العبرانيون بإيمانهم بالسيد المسيح إنما هو فقدان للظل من أجل التمتع بالحق، وحرمان من شبه السمويات لأجل الدخول في السمويات عينها.
"لنا" رئيس كهنة، قدم ذاته لنقتنيه، فنقول "حبيبي لي" (نش 2: 16). في القديم كان رئيس الكهنة يمثلني ويخدمني في القدس نائبًا عني، لكنني لا أقدر أن أقتنيه في داخلي، أما رئيس الكهنة الجديد فأعطاني ذاته ملكًا لي.. هذا لا أكده الملاك للرعاة: "إنه وُلد لكم" (لو 2: 11)، وما يتمتع به إشعياء النبي وإن كان خلال النبوة "لأنه يولد لنا ولد" (إش 9: 6).
لا يقلل الرسول من شأن الكهنوت اللاوي، إذ كان الكهنة "يَخْدِمُونَ شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا، كَمَا أُوحِيَ إِلَى مُوسَى وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْنَعَ الْمَسْكَنَ. لأَنَّهُ قَالَ: «انْظُرْ أَنْ تَصْنَعَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ الْمِثَالِ الَّذِي أُظْهِرَ لَكَ فِي الْجَبَلِ»". أما خدمة العهد الجديد فهي خدمة العهد الأفضل بالدخول في السمويات.
إذ كان كهنة العهد القديم من تراب وأقامهم الله لخدمته بقيت خدمتهم لظل السمويات، أما كاهننا فسماوي، وهيكله الذي يخدمه هو السموات عينها. ما هو هذا الهيكل السماوي إلاَّ كنيسة العهد الجديد التي تحمل السمة السماوية، إذ صارت سيرتنا في السمويات (في 3: 20) وعبادتنا أيضًا سماوية. في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الكنيسة سماوية! إنها ليست إلاَّ السماء(106)]، ويقول: [صارت لنا السماء عوض الهيكل، بعد أن قادنا إلى السماء. فإن تلك الأمور كانت رمزًا لما صرنا نحن عليه، خلالها تمجدت خدمة (العهد الجديد) وظهر مجد الكهنوت كما يليق(107)]. كما يقول: [أمورنا سماوية، صارت السمويات لنا حتى وإن كانت تمارس ونحن على الأرض، وذلك مثل الملائكة الذين يدعون سمائيون حتى وإن كانوا على الأرض. لقد ظهر الشاروبيم على الأرض ومع هذا فهم سمائيون.. وأيضًا "سيرتنا هي في السموات" (في 3: 20)، حتى وإن كنا نعيش هنا.. إن كنا سمائيين وحصلنا على ذبيحة كهذه فلنخف! لا نبقى على الأرض، ففي استطاعتنا إلاَّ نكون على الأرض من الآن إن أردنا ذلك! فإن الوجود على الأرض أو عدمه هو حالة سلوكية ومحض اختيار! كمثال يُقال عن الله أنه في السماء؛ لماذا؟ ليس لأنه محدود بحيز معين (السماء)، حاشا! ولا بمعنى أنه ترك الأرض خالية من حضرته، وإنما يُقال هذا بسبب علاقته بالملائكة والتصاقهم به. فإن كنا قريبين من الله إنما نكون في السماء. فإنني ماذا أعني بالسماء؟ إنني أرى رب السماء وأصير أنا نفسي سماء! إذ يقول: "نأتي (أنا والآب) وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23). إذن لتكن نفوسنا سماء(108)].
7 فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ. 8 لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ لاَئِمًا: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. 9 لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 10 لأَنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 11 وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلًا: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. 12 لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». 13 فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ.
بدخولنا إلى الهيكل السماوي الجديد في خدمة سماوية عوض الهيكل القديم، بقيادة رئيس الكهنة السماوي، دخلنا في العهد الجديد الذي طالما اشتاق إليه الأنبياء، إذ يقول الرسول: "فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ. لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ لاَئِمًا: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْدًا جَدِيدًا. لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ" [ع 7 - 9]. هذه هي غاية الكتاب المقدس: دخول الله مع الإنسان في عهد. ففي البداية إذ سقط الإنسان الأول في الفردوس لم يتخل الله عنه وإنما دخل معه في عهد أن يقيم من نسل المرأة من يسحق رأس الحية (تك 3: 15). وحين دخل العالم تحت عقوبة الطوفان، وتجددت الخليقة بالمياه أقام الله عهدًا مع نوح وجعل العلامة قائمة في الطبيعة (قوس قزح) (تك 9: 9)، هذه العلامة تظهر حول العرش الإلهي (رؤ 4: 3؛ 10: 1). ومع إبراهيم أب الآباء أقام الله عهدًا خلال علامة في الجسد، أي الختان (تك 17). وأخيرًا دخل الله مع الشعب في عهد خلال موسى النبي على جبل سيناء إذ أخرجهم من أرض العبودية ممسكًا بيدهم ليدخل بهم إلى أرض العهد، أما العلامة فهي الدم الذي رُش على لوحي العهد أو كتاب العهد والمذبح كل ما يستخدم في العبادة (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). أما استخدام الدم لتثبيت العهد فنعود إليه بشيء من التفصيل في الأصحاح التالي إن أذن الرب.
إذن العهد مرّ بمراحل كثيرة، أولًا مجرد وعد (مع آدم)، أكده بعلامة طبيعية (مع نوح) ثم علامة بالجسد (مع إبراهيم) وأخيرًا علامة الدم (مع موسى).. وماذا اكن مصير هذا العهد؟ لقد تعبد الشعب للعجل الذهبي قبل نزول موسى من الجبل وإذ سمع صوت الرب قائلًا له: "اذهب، إنزل، لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر" (خر 32: 7). حاسبًا الرب إياه شعب موسى (فسد شعبك) وليس شعبه هو نقض العهد حتى "حمي غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في أسفل الجبل" (خر 32: 19). وكأن موسى قد أعلن عن كسر العهد، وعجز الإنسان عن الحفاظ عليه. هذا ما دفع الأنبياء في العهد القديم إلى التطلع إلى عهد جديد بسمات جديدة قادر على تغيير قلب الإنسان والدخول إلى الحياة الداخلية لكي لا يكسر الإنسان العهد. فيقول إرميا النبي: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم.. بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد دلك الأيام يقول الرب: أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم أبًا وإلهًا وهم يكونون لي شعبًا" (إر 31: 31 - 33). كما يقول حزقيال النبي: "وأقطع معهم عهد سلام فيكون معهم عهدًا مؤبدًا وأقرهم وأكثرهم وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد، ويكون مسكني فوقهم وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبًا" (حز 37: 36، 37).
العهد الجديد ليس كالعهد القديم منقوش على حجارة خارجية، إنما يسجله الروح القدس في أعماقنا، إذ يمس حياتنا الداخلية حيث ملكوت الله فينا.. "يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا" [ع 10].
ينقش الروح القدس هذا العهد في داخلنا ويكون الله نفسه هو معلمنا، إذ يقول الرسول: "يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلًا: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ" [ع 11].
في العهد الجديد لا يتقدم السيد المسيح كمعلم خارج عنا يقدم لنا وصاياه، لكنه دخل إلينا، في حياتنا، ليغير طبيعتنا ويجددها بروحه القدوس.. ويكون هو نفسه الوصية والحياة والقيامة والبرّ فينا! وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولي في مقالاته ضد الأريوسيين: [إن كنا لسنا مخلوقين فيه، فلا يكون لنا (السيد) في داخلنا، بل نقتنيه خارجًا عنا، ويكون بذلك مجرد معلم نتقبل منه التعليم. لو كان الأمر كذلك بالنسبة لنا فإن الخطية لم تفقد بعد سلطانها على الجسد كوارثة له وغير مطرودة منه. ولكن الرسول يعارض مثل هذا التعليم إذ يقول: "نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع" (أف 2: 10)(109)].
_____
(106) In Hebr. hom 14: 3.
(107) Ibid 14: 4.
(108) Ibid 16: 7.
(109) Against Arians 2: 56.
← تفاسير أصحاحات عبرانيين: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير عبرانيين 9 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير عبرانيين 7 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/yyz5n4c