يزخر السفر بالعديد من الوثائق، والتي كثيرًا ما يدور حولها النقاش، سواء من جهة موضعها في السفر أو مصادرها.
14- بعض هذه الرسائل تقطع السرد الطبيعي في السفر، فعلى سبيل المثال يقطع الأصحاح الثامن استمرارية الأصحاحين السابع والتاسع، وكذلك فإن قصة أنطيوخس أبيفانوس توقفت عند (3: 37) لتستأنف من جديد في (6: 1) مما يؤثر على الانسياب الطبيعي للسفر من جهة، كما توحي بأنها أضيفت في وقت لاحق من جهة أخرى.
[ حرص الكاتب على إبقاء قصتين مترابطتين تسيران جنبًا إلى جنب في ذات الوقت، كما أن ذلك يعد تنويعًا من الكاتب بإدخال مصدر أدبي مختلف، يضاف إلى ذلك أن هذا التركيب معروف ويسمى "فلاش باك FLASH BACK" أي إيراد لقطة سابقة تخدم السياق الحالي وتهبه زخمًا.
15 - يعترض البعض بأن هذه الرسائل المتبادلة مشكوك في مصدرها ومصداقيتها.
[ يشير السفر إلى مصدر هذه الوثائق وهو سجلات رئيس الكهنة في خزانة الهيكل (1مكا 14: 23، 49) وهو أمر مقبول وطبيعي لأن أغلب تلك الوثائق موجهة إلى الأمة اليهودية، وهي على أقل تقدير هي صور من الوثائق أعدت خصيصًا لرئيس الكهنة (8: 12و11: 37 و15: 24) راجع أيضًا (مصادر السفر وسجلات رؤساء الكهنة في هذا القسم من الكتاب).
16 - يتضح من رسالة يهود جلعاد إلى يهوذا المكابي (5: 10-13) يطلبون فيها العون، أنها مقتضبة وتوحي في (5: 15) بأنها رسالة شفهية وليست وثيقة مكتوبة فكيف نقبلها كجزء من السفر؟
[إن الذي يُعتد به ليس كون مادة السفر شفهية أو منقولة عن وثائق رسمية، ولكن الذي يعيننا في الأمر أنها موحى بها من الله فقد كتب موسى النبي الأسفار الخمسة من خلال التقليد المتوارث الذي حفظه الروح القدس وأودعه الضمير والوعي البشرى، إلى جانب السجلات المدونة ومع ذلك فإن الأرجح أن الكاتب استقى ما كتبه من مصدر مطلع.
17 - يلاحظ في الإصحاح الثاني عشر أن السرد سلس وغير منطقي، ففي البداية (12: 1) يذكر الرسل الذين أرسلوا إلى روما لعقد معاهدة سلام، ثم ينتقل فجأة في (12: 2) إلى الكتاب الذي أرسل إلى إسبرطة وأماكن أخرى، ثم تعود الأحداث إلى مجراها الطبيعي الذي بدأ عن روما في (12: 1) وعندما يتوقع القارئ من كاتب السفر تكملة أخبار إرسالية روما، يجده يواصل أخبار إسبرطة! فلما هذا الخلط.؟
[ يبدو أن العددان (1، 2) وكأنهما عنوانان أو رأس لموضوع الرسائل، ثم يبدأ العدد الثالث في سرد التفاصيل، حيث يورد أولًا ما حدث بخصوص رسل روما، ومن ثم يشرح ما حدث بخصوص إسبرطة حيث يورد وثيقتيّ التحالف الخاصة بإسبرطة (منها وإليها). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). مثلما نقرأ في (تكوين 1:1) "في البدء خلق الله السموات والأرض"، وبعد ذلك يسرد تفاصيل عملية الخلق هذه.
18 - الهدف من الكتابة إلى إسبرطة غير واضح، إذ يذكر اليهود أن ذلك بغرض تجديد المودة، ثم يعودوا فيؤكدون أنهم في غنى عن المساعدة فكيف ذلك (12: 6-18).
[ كانت هناك علاقات مودة قائمة ما بين اليهود والإسبرطيين في ذلك الوقت، كما هو واضح من (12:7: 10) وبالتالي فالغرض من الكتابة هو التأكيد على هذه العلاقات، ولم يظهر من الرسالة أنهم كانوا في حاجة إلى العون العسكري أو المعنوي أو المادي فقط، ولا مانع من أن نضع في الاعتبار اللهجة الدبلوماسية المعتادة في مثل تلك المكاتبات، في ذلك الوقت.
19 - رسالة ملك إسبرطة إلى أونيا الكاهن مُقحمة، فلماذا وُضعت في هذا المكان من السفر (12: 20-23).؟
[ وضعت هذه الرسالة كتذييل لكتاب يوناثان لتأكيد ما ورد عن علاقات سابقة بين البلدين وكنوع من التوثيق (12: 7- 9) ويلاحظ أنه ربما يكون قد مرّ حوالي مئة عام مابين تاريخ هذه الوثيقة وتاريخ كتابة السفر، مما يؤكد على الدقة البالغة التي تحفظ بها الرسائل ودقة الكاتب بالتالي.
20 - الوثيقة الواردة لتكريم سمعان المكابي في (14: 27 - 47) تكرار غير مطابق لما ورد من أخبار سمعان في الإصحاحات (11-13) مما يوحى بأن الوثيقة مضافة، وإلا لكان الكاتب.
اعتمد عليها دون الحاجة إلى سرد سابق للأحداث.
[ذكر نص تكريم سمعان في إطار تعضيد السفر بالوثائق الرسمية، ولا يوجد خلاف جوهري بين ما ورد في الوثيقة والسرد السابق في الأصحاحات (11-13) وإنما في الصياغة وبعض التفاصيل، ولولا تأكد الكاتب من أن مجملها يوافق بعضها البعض لما أوردها، وبذلك فإن الوثيقة جاءت لتؤكد سرد التفاصيل السابقة.
21- رسالة الإسكندر بالاس إلى يوناثان (10: 18 - 20) تبدو وكأنها اختصار للوثيقة الأصلية.
[كاتب السفر شأنه في ذلك شأن كتبة الأسفار الأخرى، ليس ملزمًا بنقل النصوص كما هي، وإنما له أن يختار من السجلات ما يراه مناسبًا لتدعيم حدث ما أو بعض الحقائق، ومع ذلك فلا شك أنه كانت تحت يديه الوثيقة الأصلية.
22- كتاب ديمتريوس الأول إلى اليهود والوارد في (10: 25 - 45) ملئ بعروض وامتيازات مُبالغ فيها وذلك مقابل مبايعة اليهود ومساندتهم له ضد الإسكندر بالاس، بما لا يتوافق مع الهدف منه (تزيد عطاياه عن الكسب الذي يتوقعه من اليهود).
[ يمكننا الشك في صدق ديمتريوس نفسه، وإن كان يُناور ويُخادع أم لا، وليس في مصداقية الوثيقة نفسها وبالتالي في الكاتب،ومع ذلك فقد كان ديمتريوس بالفعل في ورطة، فيما أصبح اليهود قوة يُعتد بها وورقة يمكن المساومة عليها، لقد كان ديمتريوس مولعًا بالعرش، وكثيرًا ما يهتم بعض الحكام بالعرش أكثر من رخاء شعوبهم وسلامهم، كما أن احتمال خيانة ديمتريوس ونكثه بالعهد أمر وارد. وهذه الرسالة مثلها في ذلك: مثل الرسالة الموجهة من ديمتريوس إلى يوناثان (11: 30- 37) حيث استخدم الكاتب محتويات الرسالة دون التقيد بسرد النص الكامل، وكذلك رسالة أنطيوخوس السادس إلى يوناثان (11: 579 وكذلك الخطاب الموجه من أنطيوخس السابع إلى سمعان (15:2 - 9).
23- يرد في معاهدة الرومانيين مع اليهود، احتوائها على بند ألا يقوم اليهود بمساعدة أي من أعداء روما، بما في تلك المساعدات من طعام وأسلحة وفضة وسفن (8: 26) في حين أن اليهود حتى ذلك الوقت لم تكن لديهم سفنًا، مما يحملنا على الظن بأن هذا الجزء أضيف في وقت لاحق من قبل كاتب آخر.
[توقع الرومان أن يكون لدى اليهود سفنًا، نظرًا لطول سواحلهم، وربما لتوقعهم امتلاك اليهود لتلك السفن في وقت قريب، وقد حدث بالفعل أن أقام سمعان المكابي ميناءًا في يافا وفتح مجازًا (طريقًا) لجزائر البحر (14: 5) راجع أيضًا (13: 29).
24- في تجديد التحالف مع روما وإسبرطة (14: 16- 24) توجد بعض المفارقات، فالرومانيين والإسبرطيين يرسلون بعد وفاة يوناثان ليؤكدوا تحالفهم مع اليهود (عدد18) وفي وثيقة الإسبرطيين إلى اليهود يُذكر أن اثنين من الرسل اليهود هم الذين أبلغوا خطاب المعاهدة (عدد23) وأخيرًا يذكر أن سمعان أرسل رسولًا إلى روما بهدية ليقر التحالف (عدد24)، وفي هذا عدة متناقضات.
[بالرجوع إلى النص المشار إليه، يتضح لنا أن سمعان المكابي أرسل اثنان من رجاله هما:
"نومانيوس بن أنطيوخس" و"انتيباتر بن ياسون" إلى روما وإسبرطة، وهناك علم الإسبرطيين بخبر موت يوناثان فأرسلوا في ردهم على سمعان بتأكيد التعاهد السابق، ومن بعد رجوعهم عاد سمعان فأرسل "نومانيوس" ثانية إلى روما محمّلًا بهدية ثمينة تأكيدًا للتحالف، غير أنه لم تثبت هنا سوى وثيقة الإسبرطيين دون الرومان.
25- لوقيوس الوزير الروماني والذي أُرسل إلى بطليموس يورجيتيس الثاني ملك مصر وإلى بلدان
أخرى، هذا الوزير ذكره يوسيفوس المؤرخ باعتباره قد أرسل رسائل مودة إلى اليهود في عهد هركانوس الثاني (63-40 ق.م.) (1) مما يوحى بأن الخطاب أضيف إلى السفر في وقت لاحق، إذ أن الأحداث الواردة في (1مكا 15: 15-24) تخص سنة 139 ق.م. لا سيما وقد ذكر يوسيفوس اسم "نومانيوس" و"ترس الذهب" (هدية اليهود إلى الرومان) كما يتضح أن هذا الجزء مُقحم في هذا المكان من السفر بطريقة غير مريحة.
[الخطاب الذي أشار إليه يوسيفوس يختلف عن مثيله المذكور هنا، ويؤكد بعض العلماء أن أحد وزراء الرومان في سنة 138 ق.م. كان يُدعى "لوقيوس كالبرينوس بيسو" وهو المقصود في نص المكابيين، ويؤكد العالم "مومسن" أن الخطابين غير متشابهين (1)، ويمكنا اعتبار المرجعين صحيحين كل في موضعه.
26 - يعترض البعض على أن (الآية24) يجب أن تكون في الأصحاح الرابع عشر قبل (الآية16) حيث يرد في (آية24) إرسال سفير سمعان إلى روما في حين كان يجب أن يذكر ذلك في البداية، أو يُذكر الإسبرطيون والرومان معًا في (آية16).
[ صاحب هذا الرأي هو العالم "بيفنوت Bevenot" ويجب أن نضع في الاعتبار أن تحالف روما جاء بعد إسبرطة، كما سيجيء ذلك في (15: 15) (2).
27 - كما يعترضون بأن ما ورد في (14: 40) غير منطقي، إذ يرد أن ديمتريوس ثبّت سمعان في الكهنوت، في حين كان ديمتريوس في ذلك الوقت مأسورًا في "برثية".
[الامتيازات الواردة في (14: 38-40) منحها ديمتريوس بالفعل لليهود من قبل، أما بقية الامتيازات التي نالها اليهود فلربما سمع بها وهو في الأسر (راجع التفسير).
اعتراضات والرد عليها في
سفر المكابيين الثاني |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
الاعتراضات على سفر
المكابيين الأول والرد عليها |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/s88hf36