محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
زكريا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21
إن كان هذا السفر قد بدأ بالعودة للتوبة ممتزجة بالرجاء في مجيء المسيا المخلص، "الراكب الفرس الأحمر"، وينطلق بنا من إعلان إلى آخر، ومن نبوة إلى نبوة خاصة بعمل المسيا الخلاصي على الصليب وفتح ينابيع دمه الأقدس لتطهيرنا، يُختم السفر بالحديث عن تمتع أورشليم الجديدة (الكنيسة) بهذا العمل الخلاصي خلال مياه المعمودية بقوة الصليب.
[1 -2]. |
||
[3 -5]. |
||
[6 -7]. |
||
[8 -11]. |
||
[12 -21]. |
"1 هُوَذَا يَوْمٌ لِلرَّبِّ يَأْتِي فَيُقْسَمُ سَلَبُكِ فِي وَسَطِكِ. 2 وَأَجْمَعُ كُلَّ الأُمَمِ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَتُؤْخَذُ الْمَدِينَةُ، وَتُنْهَبُ الْبُيُوتُ، وَتُفْضَحُ النِّسَاءُ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ الْمَدِينَةِ إِلَى السَّبْيِ، وَبَقِيَّةُ الشَّعْبِ لاَ تُقْطَعُ مِنَ الْمَدِينَةِ." [1-2].
في ختام الأصحاح السابق نرى أن ثلثي الأرض يُقطعان ويموتان بينما يبقى الثلث فيها يُمحص بالنار كالفضة ويمتحن كالذهب. وكما يرى القديس ديديموس الضرير أن الثلثين هما الوثنيون واليهود الرافضون للخلاص، أما الثلث فهو جماعة المؤمنين الذين أُعتقوا من السبي الشيطاني بالصليب وقبلوا النار الإلهية واهبة التقديس، هذه التي قال عنها القديس يوحنا المعمدان: "هو يعمدكم بالروح القدس والنار" (مت 3: 11)، كما قال السيد نفسه: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو 12: 49). ويرى القديس ديديموس الضرير أنها نار التجارب أيضًا الممحصة للنفس، إذ يقول: [الذين عبروا من النار أي الثلث الأخير من المسبيين الذين تنقوا واستجاب الرب صلاتهم هؤلاء يقولون لله الذي وهبهم السلام: "لأنك جربتنا يا الله، محصتنا كمحص الفضة، أدخلتنا إلى الشبكة وجعت ضغطًا على متوننا، ركبت أنُاسًا على رؤوسنا، دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلى الخصب" (مز 66: 10-12). وفي إشعياء أيضًا يقول الله مخلص الإنسان: "لا تخف لأني معك، إذا اجتزت في المياه فأنا معك وفي الأنهار فلا تغمرك، إذا مشيت في النار فلا تلدغ واللهيب لا يحرقك..." (إش 43: 3-4). كيف يكون المشي في النار والخروج منها بلا خسارة إلاَّ إذا كان لنا صوت الرب الذي قيل عنه أنه يطفئ لهيب النار. فكما انشق البحر الأحمر بضربة العصا المقدسة فعبر الشعب بلا خسارة هكذا ينشق لهيب النار وينفتح للعبور فيه دون احتراق(73)].
النار الإلهية سواء نار الروح القدس واهب التقديس أو نار التجارب الممحصة تزيد المؤمن بهاءً ومجدًا، أما بالنسبة للمعاندين فيتحطمون بها، لهذا يقول: "هوذا يوم الرب يأتي فيقسم سلبك في وسطك" [1]. فيوم الرب هو يوم خلاص للنفوس الخاضعة وتحرير لها من سبيها، لكنه يوم قاسٍ ومرّ للنفوس المتعجرفة المتمسكة بشرها. وكما قيل بإشعياء النبي: "هوذا يوم الرب قادم قاسيًا بسخط وحمو غضب ليجعل الأرض خرابًا ويبيد منها خُطاتها" (إش 13: 9).
غالبًا ما تُقسم الغنائم خارج المدينة المسبية حتى لا ينشغل السابون بالغنيمة فيسترد المسبيون قوتهم ويحاربونهم، أما هنا فيقول: "يقسم سلبك في وسطك" علامة استخفاف الأعداء بالمدينة وإدراكه تحطيمها تمامًا مع عدم وجود أي احتمال لتشتم نفسها. وتظهر بشاعة هذا الاستخفاف أن يقسموا النساء كغنيمة لهم ليرتكبوا الشر معهن أمام أزواجهن، وكما قيل بإشعياء: "تحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم" (إش 13: 16).
ويرى القديس ديديموس الضرير أن الغضب الإلهي قد أدرك أورشليم إلى النهاية (1 تس 2: 16) بقتلها للرب وتلاميذه، فسقطت تحت سطوة يسطس القائد الروماني الذي خربها تمامًا بصورة بشعة سجلها يوسيفوس المؤرخ اليهودي.
إنها صورة مؤلمة للنفس التي تسقط تحت سبي إبليس خلال عدم الإيمان، فيقتحم العدو أعماقها ويذلها في الداخل، ويثير كل الخطايا (الأمم) ضدها، فينهب كل خير فيها وينجس الجسد (النساء) بكل طاقاتها، ويتحطم كل ثمر (الأطفال).
والعجيب أن نصف المدينة تُحمل إلى السبي خارجًا، أما البقية فلا تُقطع من المدينة [2]. النصف الأول يُشير إلى أورشليم القديمة أو اليهود رافضي المخلص، أما البقية فتُشير إلى الذين قبلوا الإيمان به فأقيمت عليهم الكنيسة أورشليم الجديدة. وفي نفس الوقت يُشير النصف الأول إلى الإنسان الخارجي القديم الذي يلزم أن يُطرد، أما البقية فتُشير إلى الإنسان الداخلي الذي يتجدد. ليمت القديم ويحيا الجديد فينا!
3 فَيَخْرُجُ الرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ الأُمَمَ كَمَا فِي يَوْمِ حَرْبِهِ، يَوْمَ الْقِتَالِ. 4 وَتَقِفُ قَدَمَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ الَّذِي قُدَّامَ أُورُشَلِيمَ مِنَ الشَّرْقِ، فَيَنْشَقُّ جَبَلُ الزَّيْتُونِ مِنْ وَسَطِهِ نَحْوَ الشَّرْقِ وَنَحْوَ الْغَرْبِ وَادِيًا عَظِيمًا جِدًّا، وَيَنْتَقِلُ نِصْفُ الْجَبَلِ نَحْوَ الشِّمَالِ، وَنِصْفُهُ نَحْوَ الْجَنُوبِ. 5 وَتَهْرُبُونَ فِي جِوَاءِ جِبَالِي، لأَنَّ جِوَاءَ الْجِبَالِ يَصِلُ إِلَى آصَلَ. وَتَهْرُبُونَ كَمَا هَرَبْتُمْ مِنَ الزَّلْزَلَةِ فِي أَيَّامِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. وَيَأْتِي الرَّبُّ إِلهِي وَجَمِيعُ الْقِدِّيسِينَ مَعَكَ.
إذ تتحطم أورشليم القديمة الحرفية الناموسية لتقوم فينا أورشليم الجديدة الروحية، ليسكن فيها الرب ويحارب عنها ويسندها معلنًا صليبه فيها، يقول: "فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال، وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق، فينشق جبل الزيتون من وسطه ونحو الشرق ونحو الغرب واديًا عظيمًا جدًا وينتقل نصف الجبل نحو الشمال ونصفه نحو الجنوب. وتهربون في جواء جبالي لأن جواء الجبال يصل إلى آصل، وتهربون كما هربتم من الزلزلة في أيام عزيا ملك يهوذا، ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك" [3-5].
إذ سقط الإنسان تحت سبي إبليس وانهار أمام الخطايا (الأمم) تقدم خالقه ليحرره، إذ قيل: "فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال" [3]. تقدم الرب بنفسه ليحارب إبليس بكل شروره ليحرر الإنسان من سطوته. ويعلق القديس ديديموس الضرير على كلمة "خرج" بقوله: [نعم، يقول ربنا ومخلصنا عن نفسه في الإنجيل: "لأني خرجت من قبل الله (الآب) وأتيت، لأني لم آتِ من نفسي لأن ذاك أرسلني" (يو 8: 42). وبنفس المعنى يقول حبقوق لله: "خرجت لخلاص شعبك، لخلاص مسيحك، سحقت رأس بيت الشرير، معريًا الأساس حتى العنق" (حب 3: 13). وكما يخرج ويأتي إلى من يخلصهم كذلك يخرج بصورة أوضح عندما يصنع حربًا (ضد إبليس). جاء في سفر ميخا: "فإن هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض" (مي 1: 13)، وفي إشعياء: الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه" (إش 42: 13)].
يخرج الرب ليحارب عنا فيقف في ذلك اليوم، أي يوم الفداء، على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق، فينشق الجبل من وسطه ونحو الشرق ونحو الغرب ليصنع واديًا عظيمًا جدًا وينتقل نصف الجبل نحو الشمال ونصفه نحو الجنوب... ماذا يعني هذا؟
أولًا: وقف المخلص على جبل الزيتون شرقي أورشليم بكونه الزارع الذي غرس أشجار الزيتون المقدسة التي قيل عنها: " أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله" (مز 52: 9)، "بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك" (مز 128: 3). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). هذه الأشجار كما يقول القديس ديديموس: [لا تزرع في الوادي من جهة الغرب، إنما على الجبل في الأعالي جهة الشرق، يشرق عليها شمس البرّ بنوره الإلهي، وكأنها بالأشجار التي غرسها الرب في الفردوس في جنة عدن نحو الشرق (تك 2: 8). كل منها تسمع صوت المصلوب: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43) بهذا تقول الأشجار المقدسة مع الرسول: "أما نحن فسيرتنا في السموات" (في 3: 20)].
ثانيًا: إن كنا بالمسيح يسوع المصلوب غُرسنا كأشجار زيتون في بيت الله شرقي أورشليم، فإننا نقف هناك مع التلاميذ نتأمل صعود السيد عند جبل الزيتون متوقعين مجيئه كقول الملاك (أع 1: 12).
ثالثًا: بالإيمان غُرسنا شرقي أورشليم على الجبل المقدس، أما اليهود فبجحدهم المسيا المخلص انحدروا إلى الوادي العظيم جدًا نحو الغرب [4] ومعهم كل جاحدي النعمة الإلهية، ويكون الوادي أشبه بالهوة التي تفصل الذين يُغرسون في الشرق من الذين في الغرب.
رابعًا: ينتقل نصف الجبل إلى الشمال حيث ريح الشمال الباردة والنصف الآخر نحو الجنوب حيث الريح الدافئة الحارة. النصف الأول يُشير إلى برودة الروح أو الشر والآخر يُشير إلى حرارة الروح (الظهيرة الروحية). ويرى القديس ديديموس في قول العروس: "استيقظي يا ريح الشمال وتعالي يا ريح الجنوب، هبي على جنتي فتقطر أطيابها، ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16) أن ريح الشمال تُشير إلى إبليس حيث البرد القارس المهلك للزرع الذي يعوق نسمات العطر الإلهي، أما ريح الجنوب فبحرارتها وعطرها تلهب النفس ممثلة السيد المخلص القائل: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو 12: 49).
لنقل لريح الشمال لا باللسان بل بالعمل أن ترجع عنا بعيدًا بتحقيق كلمات الرسول: "امتنعوا عن كل شبه شر" (1 تس 5: 22)، ولندع ريح الجنوب بقبول السيد المسيح في حياتنا عمليًا!
خامسًا: يرى القديس ديديموس في القول: "جواء الجبال يصل إلى آصل" [5]، أن الاخدود الذين بين الجبال يصل إلى غسائيل الذي قيل عنه: "خفيف الرجلين كظبي البر" (2 صم 2: 18). فالمؤمن بالمسيح يسوع ينطلق بين الجبال المقدسة بأرجل خفيفة مسرعة نحو عريسها، بنظرات روحية ثاقبة نحوه.
سادسًا: يقول: "وتهربون كما هربتم من الزلزلة في أيام عزيا ملك يهوذا ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك" [5]. هذه الزلزلة المشهورة هي التي حدثت في أيام عزيا ملك يهوذا، في أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل وقد ذكرها عاموس (عا 1: 1)، وإذا عرف عزيا بخطيته نحو المقدسات بإيقاده على مذبح البخور (2 أي 26: 16) أُصيب ببرص في جبهته أمام الكهنة في بيت الرب وطُرد من هناك وأقُيم ابنه عوضًا عنه، فالهروب من الزلزلة إنما يعني هروبنا مما حل بعزيا، من برص خطيته لننعم بحلول الرب إلهنا فينا ليملك داخلنا.
لنهرب من زلزلة عزيا لنتقبل زلزلة الصليب التي خلالها انطلق كثير من الأموات إلى أورشليم وظهروا لكثيرين (مت 27: 51-52)، لكي تزلزل فكرنا الأرضي الترابي وتقيم فينا الفكر الروحي الحيّ.
6 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ نُورٌ. الْدَّرَارِي تَنْقَبِضُ. 7 وَيَكُونُ يَوْمٌ وَاحِدٌ مَعْرُوفٌ لِلرَّبِّ. لاَ نَهَارَ وَلاَ لَيْلَ، بَلْ يَحْدُثُ أَنَّهُ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ يَكُونُ نُورٌ. [6-7].
فإنه إذ يتحدث عن الصليب في حياتنا يفرز الأشجار المغروسة في الشرق عن التي في الغرب، والتي تتقبل الريح الجنوبية عن التي تتقبل الريح الشمالية، والتي تحمل الصليب مسرعة إلى لعسائيل بأرجل خفيفة وبصيرة ثاقبة نحو عريسها المصلوب عن النفس الجاحدة، والتي ترفض زلزلة عزيا من التي تنحني لها... هذا كله يتحقق في يوم الصليب الذي وصفه هكذا:
أولًا: "لا يكون نور"، إذ حدثت ظلمة وقت الصليب، كشف عن السلطان الذي أُعطي للظلمة ولكن إلى حين.
ثانيًا: "يوم واحد معروف للرب"، وكما يقول القديس ديديموس: [يوم الرب مستمر لا يقطعه ليل]؛ أنه يوم النور الأبدي (إش 60: 9).
ثالثًا: "لا نهار ولا ليل، بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور" [7]. إنه ليس بنهار لأن الظلمة غطت الأرض، ولا بليل لأنه وقت النهار، فهو ليس بنهار ولا ليل، لكن في وقت المساء يكون نور حيث إنقشعت الظلمة الخارجية بعد الساعة التاسعة، كما انقشعت الظلمة الداخلية خلال عمل الصليب في حياة البشرية.
8 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ مِيَاهًا حَيَّةً تَخْرُجُ مِنْ أُورُشَلِيمَ نِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ، وَنِصْفُهَا إِلَى الْبَحْرِ الْغَرْبِيِّ. فِي الصَّيْفِ وَفِي الْخَرِيفِ تَكُونُ. 9 وَيَكُونُ الرَّبُّ مَلِكًا عَلَى كُلِّ الأَرْضِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ الرَّبُّ وَحْدَهُ وَاسْمُهُ وَحْدَهُ. 10 وَتَتَحَوَّلُ الأَرْضُ كُلُّهَا كَالْعَرَبَةِ مِنْ جَبْعَ إِلَى رِمُّونَ جَنُوبَ أُورُشَلِيمَ. وَتَرْتَفِعُ وَتُعْمَرُ فِي مَكَانِهَا، مِنْ بَابِ بِنْيَامِينَ إِلَى مَكَانِ الْبَابِ الأَوَّلِ، إِلَى بَابِ الزَّوَايَا، وَمِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى مَعَاصِرِ الْمَلِكِ. 11 فَيَسْكُنُونَ فِيهَا وَلاَ يَكُونُ بَعْدُ لَعْنٌ. فَتُعْمَرُ أُورُشَلِيمُ بِالأَمْنِ.
"ويكون في ذلك اليوم أن مياهًا حية تخرج من أورشليم نصفها إلى البحر الشرقي ونصفها إلى البحر الغربي، وفي الصيف وفي الخريف تكون" [8]. ما هذه المياه إلاَّ مياه الروح القدس التي ارتبطت بالصليب؟! ففي دراستنا لسفر حزقيال (حز 47) ارتبطت المياه بالمذبح، أي بذبيحة الصليب. والآن إذ يتحدث عن الصليب كيوم معروف يشغل ذهن الله خلاله تفجرت ينبايع الروح القدس خارجة من أورشليم حيث الرسل إلى البحر الشرقي والبحر الغربي أي إلى الأمم في المشارق والمغارب. وقد جاء في الترجمة السبعنية: "البحر السابق والبحر اللاحق"، أي للعمل في حياة اليهود الذين سبقوا فتمتعوا بالشريعة ثم في حياة الأمم. هكذا انفتح الباب بالفيض على البشرية كلها كقول الرب: "ويكون بعد ذلك إني أسكب روحي على كل البشر" (يؤ 2: 28)، بهذا يتمجد اسم الله في الكل.
يرى القديس ديديموس أن هذه المياه الحية الصادرة من أورشليم لتصب في البحرين الشرقي والغربي إنما هي الشريعة الروحية أو المعرفة الإلهية أو الحب الإلهي الأمور التي تفيض في الكنيسة -أورشليم العليا- لتعمل في العلم لأجل تقديسه، إذ يقول: [تبلورت هذه الفكرة عن تفسيرنا: "لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (إش 11: 9)، تمتلئ من الحب الإلهي الذي من الله، يفيض على المختارين فيستر كثرة من الخطايا (يع 5: 20)، تغطي الأفعال الشريرة فلا يبقي منها شيء، هكذا معرفة الرب هي ماء يغطي البحر ويحوله إلى مياه عذبة ونقية].
يمكننا القول أن نفوسنا قد صارت بحرًا شرقيًا مضروبًا بالبر الذاتي (الضربة اليمينة) أو بحرًا غربيًا مضروبًا بالضربات الشمالية؛ فنحن في حاجة إلى عمل الروح القدس فينا لينزع عنا ملوحة مياهنا الذاتية وملوحة مياه الشر إلى عذوبة النهر المقدس الذي يفرح مدينة الله.
خلال هذه المياه الجديدة العذبة أي فيض الروح القدس يملك الله على الكنيسة الممتدة في المسكونة، إذ يقول: "ويكون الرب ملكًا على الأرض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده وإسمه وحده" [9]... إنه يملك لا على اليهود وحدهم بل وعلى الأمم القادمين إلى الرب. وكما يقول القديس ديديموس: [قبلًا كان هناك فرق بين البحرين الشرقي والغربي، أي بين اليهود واليونانيين. لا يعترف الكل بوحدانية الله، إذ يعتقد الوثنين بوجود آلهة كثيرة، أما اليهود فلهم إله واحد، ولكن إذ جاء الإنجيل انتشرت معرفة الخالق الواحد الوحيد لدى الجميع. يكتب بولس: "أم الله لليهود فقط، أليس للأمم أيضًا؟! بل للأمم أيضًا، لأن الله واحد، هو الذي سيبرر الختان بالإيمان والغرلة بالإيمان" (رو 3: 29)... يكون الرب وحده في ذلك اليوم الذي صنعه الرب (مز 117: 24). حيث تشرق شمس البر (ملا 3: 20)، ويكون اسمه وحده أيضًا، لأنه إذ يتحد كل البشر في الفكر والتقوى التي بلا عيب يكون لهم اسم واحد يدل على الله. بهذا يتحقق قول المزمور: "ما أعجب اسمك القدوس على الأرض كلها؟!" (مز 8: 1)، وأيضًا: "عظمت اسمك القدوس على الأرض" (مز 137: 2)... وبهذا تتحقق الطلبة المقدمة لله: "ليتقدس اسمك"]...
يكمل النبي حديثه قائلًا: "وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمون جنوب أورشليم، وترتفع وتغمر في مكانها من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا، ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك، فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتُعمر أورشليم بالأمن" [10-11].
بهذه العبارات يكشف عن أبعاد الكنيسة التي يعمل فيها الروح القدس كمياه حيَّة تفيض خلال الصليب ليتمجد اسم الله وحده على الأرض، والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
أولًا: يقول: "وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمون جنوب أورشليم"، ولم كانت "جبع" عند القديس ديديموس تعني "شهادة"، و"رمون" تعني "مكان مرتفع أو عالٍ"، ففي رأيه أن معرفة الرب التي تفيض بها الكنيسة أبعادها هي الشهادة للرب بالروح العلوي (السماوي). يمكننا القول أن الكنيسة التي تفيض فيها مياه الروح القدس تمتد في حياة البشرية من جبع أي من الشهادة لله في المسيح يسوع بكونه بر الله العامل فينا لينطلق بنا إلى رمون أي يدخل بنا إلى الحياة المرتفعة العالية. أما كون رمون جنوب أورشليم، فكما سبق فرأينا أن ريح الجنوب حارة تلهب أورشليمنا بالروح الذي لا يبرد ولا يفتر.
ثانيًا: "ترتفع وتغمر في مكانها" [10]. إذ ترتفع النفس إلى رمون يليق بنا ألاَّ تتوقف عن الارتفاع، وكما يقول القديس ديديموس: [تحمل قوة علوية لترتفع ولا تهبط، إذ يليق بالذين بلغوا الهدف ووصلوا إلى الكمال عينه خلال الجهاد أن يثبتوا في القداسة].
ثالثًا: "من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا" [10]. تنطلق الكنيسة الحية من باب بنيامين، أي باب ابن اليمين، فتكون كعريسها الجالس عن يمين العظمة، ليس لها أعضاء عن اليسار بل كلهم أبناء اليمين، أي ورثة المجد. تنطلق الكنيسة إلى باب الزوايا فتكون كالسيد حجر الزاوية الذي رفضه البناؤن (مز 117: 22؛ إش 28: 16؛ أف 2: 20؛ 1 بط 2: 6)، ولقد ربط اليهود مع الأمم في بناء متكامل. هكذا الكنيسة كعريسها تربط الكل معًا بالروح القدس ليكون مقدسًا واحدًا للرب.
إذن، لندخل من باب بنيامين الذي يدعى "الباب الأول" الذي لا يدخله إلاَّ المختفي في السيد المسيح، القائل بدالة وقوة: "افتحوا ليّ أبواب البر، أدخل فيها وأحمد الرب" (مز 117: 49)، "هذا الباب للرب، الصديقون يدخلون فيه" (مز 117: 20). لندخل هذا الباب ونرتبط بحجر الزاوية المرذول من الناس والممجد من الله، ولا نكن كالمرائين الذين لا يدخلون الباب السماوي بل يقفون في الزوايا يطيلون الصلوات لأجل طلب مديح الناس.
رابعًا: "من برج حننئيل إلى معاصر الملك" [10]، إن كانت كلمة "حننئيل" في العبرية تعني "الله تحنن أو أنعم"؛ وهو برج قرب باب الضأن وبرج المئة كما بتجديده نحميا (نح 3: 1؛ 12: 39)، وإن كانت معاصر الملك تُشير إلى بيت الخمر الروحي (نش 2: 4) الذي يرمز للفرح الداخلي، فإن كنيسة العهد الجديد تتسم ببرج "نعمة الله المجانية"، والذي تحدث عنه السيد مع تلاميذه قائلًا: "من منكم وهو يُريد أن يبني برجًا لا يجلس أولًا ويحسب النفقة، هل عنده ما يلزم لكماله، لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل، فيبتدأ جميع الناظرين يهزأون به" (لو 14: 28-29). هكذا يبدأ الإنسان حياته الكنسية بعمل حساب النفقة: هل لديه الإيمان بنعمة الله المجانية؟ هل يستطيع أن ينعم بالبرج الإلهي الفائق حتى يستطيع التحصن فيه، قائلًا: "لأنك كنت ملجأ ليّ، برج قوة من وجه العدو، لأسكنن في مسكنك إلى الدهور، أحتمي بستر جناحيك" (مز 61: 3-4). خلال هذا البرج ينطلق المؤمن إلى معاصر الملك أي إلى بيت الخمر ليعتصر مع الرب الذي اجتاز المعصرة لينعم بفرح الروح القدس!
خامسًا: "فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن، فتعمر أورشليم بالأمن" [11]. عوض الخراب الذي حلّ بالنفس بسبب الخطية تمتلئ مجدًا وحياة، فتكون عامرة لا بالناس فحسب وإنما بالله نفسه الذي يقدسها فتتسع بحب البشرية كلها، وهكذا تخرج من حالة الخراب الكئيب إلى حالة الملء بنعمة الله وحب القريب والشعور بالسلام الفائق والأمن الداخلي.
12 وَهذِهِ تَكُونُ الضَّرْبَةُ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا الرَّبُّ كُلَّ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ. لَحْمُهُمْ يَذُوبُ وَهُمْ وَاقِفُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَعُيُونُهُمْ تَذُوبُ فِي أَوْقَابِهَا، وَلِسَانُهُمْ يَذُوبُ فِي فَمِهِمْ. 13 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ اضْطِرَابًا عَظِيمًا مِنَ الرَّبِّ يَحْدُثُ فِيهِمْ، فَيُمْسِكُ الرَّجُلُ بِيَدِ قَرِيبِهِ وَتَعْلُو يَدُهُ عَلَى يَدِ قَرِيبِهِ. 14 وَيَهُوذَا أَيْضًا تُحَارِبُ أُورُشَلِيمَ، وَتُجْمَعُ ثَرْوَةُ كُلِّ الأُمَمِ مِنْ حَوْلِهَا: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَمَلاَبِسُ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 15 وَكَذَا تَكُونُ ضَرْبَةُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْجِمَالِ وَالْحَمِيرِ وَكُلِّ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَكُونُ فِي هذِهِ الْمَحَالِّ. كَهذِهِ الضَّرْبَةِ. 16 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الْبَاقِي مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ، يَصْعَدُونَ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَنَةٍ لِيَسْجُدُوا لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ وَلِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ. 17 وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لاَ يَصْعَدُ مِنْ قَبَائِلِ الأَرْضِ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيَسْجُدَ لِلْمَلِكِ رَبِّ الْجُنُودِ، لاَ يَكُونُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ. 18 وَإِنْ لاَ تَصْعَدْ وَلاَ تَأْتِ قَبِيلَةُ مِصْرَ وَلاَ مَطَرٌ عَلَيْهَا، تَكُنْ عَلَيْهَا الضَّرْبَةُ الَّتِي يَضْرِبُ بِهَا الرَّبُّ الأُمَمَ الَّذِينَ لاَ يَصْعَدُونَ لِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ. 19 هذَا يَكُونُ قِصَاصُ مِصْرَ وَقِصَاصُ كُلِّ الأُمَمِ الَّذِينَ لاَ يَصْعَدُونَ لِيُعَيِّدُوا عِيدَ الْمَظَالِّ. 20 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ عَلَى أَجْرَاسِ الْخَيْلِ: «قُدْسٌ لِلرَّبِّ». وَالْقُدُورُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ تَكُونُ كَالْمَنَاضِحِ أَمَامَ الْمَذْبَحِ. 21 وَكُلُّ قِدْرٍ فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي يَهُوذَا تَكُونُ قُدْسًا لِرَبِّ الْجُنُودِ، وَكُلُّ الذَّابِحِينَ يَأْتُونَ وَيَأْخُذُونَ مِنْهَا وَيَطْبُخُونَ فِيهَا. وَفِي ذلِكَ الْيَوْمِ لاَ يَكُونُ بَعْدُ كَنْعَانِيٌّ فِي بَيْتِ رَبِّ الْجُنُودِ.
يختم النبي حديثه عن عمل الله الخلاصي في كنيسته المقدسة التي رأينا أبعادها بالكشف عن ضرورة هدم الإنسان القديم بكل أعماله الشريرة وقيام الإنسان الجديد المقدس في الرب، معلنًا الآتي:
أولًا: يعلن عن الضربة التي تصيب الأمم الوثنية التي كانت تحيط بأورشليم لمحاربتها بكونها رمزًا لأعمال الإنسان القديم أو حرب الخطايا، فيقول: "لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم، وعيونهم تذوب في أوقابها، ولسانهم يذوب في فمهم" [12]. إن كان الجسد - قبل تقديسه - يمثل بشهواته الشريرة الإنسان القديم لذا يذوب هذا الجسد الحامل العداوة لله (رو 8: 7). ولئلا يظن أحد أن الجسد في ذاته شر قال: "لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم" فإن ما يحلّ بالجسد ليس انحلالًا لكيانه المادي وإنما لشهواته القديمة ليحمل فيه تقديسًا، وهكذا أيضًا تذوب عيونهم في أوقابها أي تنحل عن نظراتها القديمة لتتقبل بصيرة روحية داخلية جديدة تليق بالإنسان الجديد، ويذوب لسانهم في فمهم فلا يهلك اللسان في ذاته إنما يموت عن شره ليقدم صوتًا مقدسًا يليق بالحياة الجديدة. فالإبادة لا تمس الجسد وأعضاءه في ذاتها إنما تصيب الشر الكامن فيها لتحل البركة والبر عوضًا عنه.
ثانيًا: "ويكون في ذلك اليوم أن اضطرابًا عظيمًا من الرب يحدث فيهم فيمسك الرجل بيد قريبه وتعلو يده على يد قريبه" [13]. يشرح القديس ديديموس الاضطراب هنا لا بمعنى فقدان السلام وإنما الشعور بالعجب الشديد أمام عمل الله الذي يربك النفس فيجعلها عاجزة عن إدراك أسراره، كالقول: "يفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام" (هو 3: 5)، أو "سمعت خبرك فجزعت" (حب 3: 2). فكل نفس تعجب أمام عمل الله، فيمسك الرجل بيد قريبه، فيسير الكل معًا بروح واحد في جهادهم الروحي.
ثالثًا: "ويهوذا أيضًا يحارب (في) أورشليم وتجمع ثروة كل الأمم من حولها ذهب وفضة وملابس كثير جدًا" [14]. من هو يهوذا الذي يُحارب في أورشليم وليس ضد أورشليم، ليجمع لحسابها ثروة الأمم من ذهب وفضة وملابس كثيرة، إلاَّ شخص السيد المسيح الخارج من سبط يهوذا أي يهوذا الحقيقي الساكن في أورشليمنا الداخلية يحارب عنا الحرب الروحية ما دام ساكنًا فينا ليغتصب الإمكانيات والطاقات التي كانت تستخدم قبلًا للشر كغنيمة له، يستخدمه لبنياننا الروحي؟! إنه كملك حقيقي يحارب في النفس ليهبها النصر والغنى فتتزين له ملكة سماوية؟
إن كان الذهب يُشير إلى الروح أو السماء، والفضة إلى النطق أو الكلمة الإلهية والملابس إلى المواهب، فإن عريسنا الساكن فينا يُحارب ضد إبليس لتقديس روحنا وفكرنا وكل مواهبنا.
رابعًا: "وكذا تكون ضربة الخيل والبغال والجمال والحمير وكل البهائم التي تكون في هذه المحال كهذه الضربة" [15].
يرى القديس ديديموس أن هذه الحيوانات تُشير إلى الخطايا التي يضربها الروح أي خطايا الإنسان القديم التي يجب التخلي عنها. ففي رأيه الخيل يُشير إلى اشتهاء الإنسان امرأة أخيه كقول الكتاب: "صاروا حصنًا معلوفة سائبة، صهلوا كل واحد على امرأة صاحبه" (أر 5: 8). وتُشير البغال إلى عقم الروح خاصة الذين يمارسون بتولية الجسد دون التمتع ببتولية الروح وطهارتها، فيكون الإنسان كخصي لا من أجل الملكوت بل من أجل إعجاب الناس بهم (مت 19: 12). وتُشير الجمال إلى الذين يهتمون بشريعة الله لكن بلا تمييز، إذ ليس لهم الظلف المشقوق فهم دنسون (لا 11: 14). وتُشير الحمير إلى عدم الفهم، يتثقلون بالأحمال منحنية رؤوسهم نحو الأرض وغير قادرين على التطلع نحو أورشليم العليا.
هكذا بالروح القدس تصيب الضربة هذه الأعمال الشريرة التي سقط الإنسان تحت نيرها حتى يتحرر منها.
خامسًا: يُحدثنا عن تمتع الأمم بعيد المظال، إذ يصعدون إلى أورشليم من سنة إلى أخرى ليسجدوا للملك العظيم [16-19]. لا يعيد اليهود وحدهم بل يتمتع الأمم بهذا العيد حيث تنطلق كنيسة العهد الجديد نحو أورشليم السماوية بلا توقف لتقديس العالم، فيعيد البشر بعيد المظال، مدركين أن أجسادهم "المظال" قد تقدست للرب، خلالها يسجدون للملك رب الجنود حتى يخلعوها (2 بط 1: 14) ليلبسوها من جديد أجسادًا روحية في اليوم العظيم. إنها ذات أجسادنا لكنها تحمل طبيعة تليق بالأبدية. في هذا يحدثنا الرسول بولس معلنا كيف يشتاق المؤمن لا أن يخلع الجسد بل يحمله جديدًا صار لا يقوى عليه الموت، إذ يقول: "فإننا نحن الذين في الخيمة نئن مثقلين إذ لسنا نُريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها لكي يُبتلع المائت من الحياة" (2 كو 4: 5).
سادسًا: يعود فيؤكد تقديس الجسد بقوله أنه يكتب على أجراس الخيل "قدس للرب" [20]. فإن كانت الخيل تُشير إلى الجسد، فحتى أجراسها تصير قدسًا للرب، بمعنى أنه يكون في الجسد عضوًا دنسًا أو حاسة نجسة، بل كل ما فيه من الداخل والخارج هو قدس الرب.
مرة أخرى يؤكد قدسية كل شيء لحساب الرب فيقول أن القدور التي في بيت الرب وكل قدور أورشليم ويهوذا تكون "قدسًا لرب الجنود" [21]، وكأنه لا يوجد في الكنيسة المقدسة شيء دنس أو نجس إنما يكون كل شيء أشبه بقدر أو آنية تحوي داخلها الكنز السماوي.
للمرة الأخيرة يؤكد ذات المعنى بقوله: "لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود" [21]، أي ليس من مقاوم لله ولا عابد للوثن داخل الكنيسة الحقيقية، وليس من شيء غريب داخل المؤمن الحقيقي.
_____
(73) ترجمة الدكتورة منى أبو سيف حلمي.
← تفاسير أصحاحات زكريا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
مراجع هذا التفسير |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير زكريا 13 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6vxmar3