محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب نحميا: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19
وسط هذا العمل العظيم الذي كان يمارسه نحميا، ألا وهو إعادة بناء سور أورشليم ، والذي تحقق بقوةٍ وبسرعةٍ فائقةٍ، حيث تم في 52 يومًا (نح 15:6)، كان يبدو أنه ليس الوقت مناسبًا لنحميا لعقد اجتماع عظيم يضم العظماء والولاة [7] لمعالجة مشكلة الظلم الساقط على الفقراء والمعدمين. لكن نحميا القائد العظيم لا يمارس العمل إلا من خلال حبه لله ولإخوته. لم يكن ممكنًا له تجاهل تلك الكارثة التي حلت بالشعب.
تتلخص المشكلة في أن الظروف كانت قاسية: فمن ناحية يبدو أن الشعب كان يعاني من مجاعة بسبب قلة المطر [3]، بجانب التزام الكل بالعمل في بناء السور، وليس لدى الفقراء ما يسدون به احتياجاتهم اليومية.
بجانب هذه الظروف القاسية وُجدت قلوب قاسية لا ترحم، فانطلقت صرخة الشعب ضد إخوتهم يشتكون من وجود ديون ثقيلة يعجزون عن تسديدها، ورهونات لا يقدرون فكها، وأخيرًا عبودية سقط تحتها أولادهم كسداد للديون. هذه الكارثة المرة يعاني منها الشعب في وقت تكتلت القوى الخارجية ضد العمل لحساب أورشليم وخيرها.
المتاعب الداخلية أخطر بكثير من المضايقات الخارجية، حتى وإن كانت ثعالب صغيرة، فإنها مفسدة للكروم.
اجتمعت كل الأمة -الأغنياء والفقراء- للعمل معًا. لكن الطبيعة البشرية غالبًا ما تقاوم العمل الإلهي. لم يأخذ الأغنياء موقف الضغط الشديد على الفقراء كما ورد في إشعياء 5، إنما ما كان يشغلهم هو نوالهم ما ظنوه أنه من حقهم. فقد أقرضوا الفقراء، ووضعوا فوائد عالية (ربا) في شكل مالٍ أو ممتلكاتٍ وأيضًا الأطفال [1-5].
لم يمنع الكتاب المقدس أخذ فوائد على القروض (تث 23: 19؛ مت 25: 27)، لكن لا يجوز للإسرائيلي أن يأخذ فوائد من زميله الإسرائيلي (خر 22: 25)، ما دام القرض ليس للاستثمار بل للاحتياج.
اضطر الفقراء، إلى أخذ القروض بسبب حدوث مجاعة، وليس بقصد التجارة [3]. وبحسب الشريعة يلزم تحرير العبيد من اليهود في السنة السابعة (خر 21: 2-6).
أكد نحميا أن الفقراء وأولادهم كبشرٍ هم واحد مع الأغنياء [5]. وقد وقف نحميا في صفهم يسندهم [6-7]، مذكرًا الأغنياء أن سياسة الدولة هي رد الثمن المُشترى به العبيد لأجل تحريرهم [8].
يرى البعض أنه إذ يُشار إلى مدة طويلة من الزمن [14]، لهذا يُظن أن أحداث هذا الأصحاح تخص فترة متأخرة من حياة نحميا.
1 -5. |
||
6 -13. |
||
14 -19. |
||
من وحي نح 5 |
1 وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيمًا عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. 2 وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «بَنُونَا وَبَنَاتُنَا نَحْنُ كَثِيرُونَ. دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا». 3 وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «حُقُولُنَا وَكُرُومُنَا وَبُيُوتُنَا نَحْنُ رَاهِنُوهَا حَتَّى نَأْخُذَ قَمْحًا فِي الْجُوعِ». 4 وَكَانَ مَنْ يَقُولُ: «قَدِ اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً لِخَرَاجِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. 5 وَالآنَ لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا وَبَنُونَا كَبَنِيهِمْ، وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا، وَيُوجَدُ مِنْ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي طَاقَةِ يَدِنَا، وَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا لِلآخَرِينَ».
اهتم نحميا ومن معه في إعادة بناء سور المدينة المهدم، لكن نحميا اكتشف أن المجتمع نفسه مهدم ومحتاج إلى إصلاح.
أ. القيام بإعادة بناء السور جعل بعض الفلاحين يتركون حقولهم ويقومون بالعمل، مما سبب لهم مشاكل مالية صعبة. وقد استغل بعض الأغنياء هذه الظروف وأقرضوهم بربا يصعب سداده.
ب. كانت الجماعة في مجاعة، حتى اضطر البعض إلى رهن أطفالهم لشراء طعام لهم [2].
ج. اضطر البعض إلى رهن أراضيهم وممتلكاتهم [3].
د. التجأ البعض إلى أخذ قروض لسداد الضرائب أو الجزية التي يلتزمون بها [4].
هـ. اضطر البعض إلى بيع أولادهم وبناتهم عبيدًا [5].
وَكَانَ صُرَاخُ الشَّعْبِ وَنِسَائِهِمْ عَظِيمًا عَلَى إِخْوَتِهِمِ الْيَهُودِ. [1]
تظهر خطورة الموقف من شعور النساء بالالتزام بمرافقه أزواجهن في الاعتراض على ما وصلوا إليه من بؤسٍ. لم تكن الشكوى ضد سلطات أجنبية، بل ضد المواطنين زملائهم، وذلك بسبب استغلال الفقراء في وقت كانت المدينة محتاجة إلى عمل وطني يشترك فيه الجميع .
صراخ الشعب كان بالحق موجهًا إلى الله نفسه يسألونه التدخل من أجل العدالة (راجع خر 7:3؛ 22:22-23؛ مز 12:9؛ إش 7:5).
يقصد باليهود الأثرياء المستغلين للشعب، أولئك الذين عادوا من السبي ومعهم ثروة طائلة اقتنوها خلال مشاريعهم في بابل. أو نسل أولئك الذين رجعوا من قبل منذ حوالي قرن (537 ق.م.) تحت قيادة زربابل، وقاموا بمشروعات ناجحة.
وَكَانَ مَنْ يَقُولُ:
نَحْنُ وَبَنُونَا وَبَنَاتُنَا كَثِيرُونَ.
دَعْنَا نَأْخُذْ قَمْحًا فَنَأْكُلَ وَنَحْيَا! [2]
إذ عاد حوالي 50 ألفًا مع زرُبابل إلى أورشليم، ومعهم ثروتهم الهائلة، انشغلوا ببناء بيوتهم، ولم يبالوا ببناء بيت الرب ولا بإخوتهم الفقراء. وقد أرسل الله لهم النبيان حجي وزكريا يحثانهم على الاهتمام ببيت الرب، ليبارك الرب المدينة.
بالقول: "نحن وبنونا وبناتنا كثيرون" يبدو أن نسل الفقراء أكثر في العدد من نسل الأغنياء. هذه الملاحظة نجدها في كثير من المجتمعات، وهي تسبب تضخمًا للمشكلة. فمع شدة الفقر يوجد أولاد وبنات كثيرون يعانون من الجوع.
وَكَانَ مَنْ يَقُولُ:
حُقُولُنَا وَكُرُومُنَا وَبُيُوتُنَا نَحْنُ رَاهِنُوهَا،
حَتَّى نَأْخُذَ قَمْحًا فِي الْجُوعِ! [3]
من المشاكل الخطيرة أن الفقراء رهنوا بيوتهم وحقولهم وكرومهم لشراء حنطة للأكل بسبب المجاعة وقلة المطر (حج 1: 9).
لقد صارت الظروف قاسية، حتى صار الذين لديهم حقول وكروم وبيوت يقومون برهنها. فقد ازداد الأغنياء غنى، بينما متوسطو الحال والفقراء صاروا في مجاعة مرة. صار العرض قليلًا جدًا وارتفعت الأسعار، ولم يستطع الكثيرون أن يجدوا كفايتهم اليومية.
وَكَانَ مَنْ يَقُولُ:
قَدِ اسْتَقْرَضْنَا فِضَّةً لِخَرَاجِ الْمَلِكِ عَلَى حُقُولِنَا وَكُرُومِنَا. [4]
يصور الظلم الذي سقط على الفقراء، إذ اضطروا إلى الاستدانة لدفع الضرائب للحكومة الفارسية.
عُرف الفارسيون بنهمهم نحو جمع خراج بعملاتٍ ذهبية وفضية، يسبكونها في شكل سبائك لتخزينها، ولم تكن الولايات تنتفع شيئًا من هذا الخراج إلا القليل جدًا.
في الشوشن وجد الإسكندر 9000 قطعة من الذهب تبلغ وزنها 270 طنًا، 40.000 قطعة من الفضة تبلغ حوالي 1200 طنًا مخزنة كسبائك.
إذ كانت العملات الذهبية تُسحب من التداول حدث تضخم في المال وارتفاع متزايد في الأسعار.
وَالآنَ لَحْمُنَا كَلَحْمِ إِخْوَتِنَا،
وَبَنُونَا كَبَنِيهِمْ،
وَهَا نَحْنُ نُخْضِعُ بَنِينَا وَبَنَاتِنَا عَبِيدًا،
وَيُوجَدُ مِنْ بَنَاتِنَا مُسْتَعْبَدَاتٌ،
وَلَيْسَ شَيْءٌ فِي طَاقَةِ يَدِنَا،
وَحُقُولُنَا وَكُرُومُنَا لِلآخَرِينَ. [5]
لم يفقدوا حقولهم وبيوتهم فحسب، إنما بسبب الفقر باعوا أولادهم وبناتهم عبيدًا، أو سلموهم عبيدًا، لكي يجد الأبناء طعامًا وهم في خدمة سادتهم، مع أنهم إخوة لهم من جهة الجنس كيهودٍ مثلهم.
لقد سمحت الشريعة ببيع الأطفال عند الضرورة القصوى (خر 21: 7).
العجيب أن هؤلاء الأغنياء قد نسوا أن الشعب كله تقريبًا، حتى البيت الملوكي قد سقطوا تحت السبي كل هذه السنوات، وذاقوا مذلة العبودية في بابل، ومع هذا عندما عادوا إلى بلدهم، وتيسرت أحوالهم استعبدوا إخوتهم الفقراء بسبب عوزهم. كان يليق بهؤلاء الذين ذاقوا مرارة الحرمان من الحرية أن يشعروا بمرارة العبودية التي سقط تحتها إخوتهم.
6 فَغَضِبْتُ جِدًّا حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهذَا الْكَلاَمَ. 7 فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ، وَبَكَّتُّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ، وَقُلْتُ لَهُمْ: «إِنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ». وَأَقَمْتُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً. 8 وَقُلْتُ لَهُمْ: «نَحْنُ اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ طَاقَتِنَا. وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا». فَسَكَتُوا وَلَمْ يَجِدُوا جَوَابًا. 9 وَقُلْتُ: «لَيْسَ حَسَنًا الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ. أَمَا تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلهِنَا بِسَبَبِ تَعْيِيرِ الأُمَمِ أَعْدَائِنَا؟ 10 وَأَنَا أَيْضًا وَإِخْوَتِي وَغِلْمَانِي أَقْرَضْنَاهُمْ فِضَّةً وَقَمْحًا. فَلْنَتْرُكْ هذَا الرِّبَا. 11 رُدُّوا لَهُمْ هذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ، وَالْجُزْءَ مِنْ مِئَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِبًا». 12 فَقَالُوا: «نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ. هكَذَا نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ». فَدَعَوْتُ الْكَهَنَةَ وَاسْتَحْلَفْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هذَا الْكَلاَمِ. 13 ثُمَّ نَفَضْتُ حِجِرِي وَقُلْتُ: «هكَذَا يَنْفُضُ اللهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هذَا الْكَلاَمَ مِنْ بَيْتِهِ وَمِنْ تَعَبِهِ، وَهكَذَا يَكُونُ مَنْفُوضًا وَفَارِغًا». فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: «آمِينَ». وَسَبَّحُوا الرَّبَّ. وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هذَا الْكَلاَمِ.
فَغَضِبْتُ جِدًّا حِينَ سَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ وَهَذَا الْكَلاَمَ. [6]
لم يكن ممكنًا لنحميا أن يصمت أمام هذا الحال، إنما غضب جدًا، وبعد تفكيرٍ عميقٍ، قام بتبكيت العظماء والقيادات (راجع يع 5: 1-6).
في شجاعة لم يحابِ العظماء، بل وبَّخهم على عدم اهتمامهم بإخوتهم الفقراء (تث 15: 7-11).
إنجيلنا يدعونا لمساعدة كل البشرية، لا سيما أهل الإيمان.
فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ،
وَبَكَّتُّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ وَقُلْتُ لَهُمْ:
إِنَّكُمْ تَأْخُذُونَ الرِّبَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَخِيهِ.
وَأَقَمْتُ عَلَيْهِمْ جَمَاعَةً عَظِيمَةً. [7]
يدعونا الكتاب المقدس إلى عدم استخدام الربا بالنسبة للمحتاجين (خر 22: 24-26؛ لا 25: 35-38؛ تث 23: 20).
إعطاء قروض ليس بالأمر الخاطئ، ولا أيضًا أخذ فائدة، ما دام القرض لمشروع يجلب ربحًا، إنما يدين الكتاب المقدس الطمع واستغلال احتياج الناس. يقول المرتل: أمل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب" (مز 36:119). "الكلاب شرهة لا تعرف الشبع... التفتوا جميعًا إلى طرقهم، كل واحدٍ إلى الربح عن أقصى" (إش 11:56).
كثيرًا ما هاجم كل من لاكتانتيوس [1] Lactantuis والقديسون كبريانوس [2] وباسيليوس الكبير، وأمبروسيوس وأغسطينوس وغريغوريوس النزينزي وغريغوريوس النيسي ويوحنا الذهبي الفم وأثناسيوس الرسولي [3] الربا. يشير القديس كيرلس الأورشليمي إلى قائمة فخاخ إبليس منها: التهور والطمع والربا [4]. ويركز القديس هيلاري أسقف بواتييه (315-367) على الربا كأذية موجهة ضد المسيح نفسه في شخص الفقير. يقول أيضًا إن تقديم القرض الذي كان يجب أن يكون متسمًا بالفضيلة يتحول إلى لعنةٍ حين تُطلب فائدة عليه. عوض مساندة الفقير يقوم المرَّابي بمضاعفة احتياجه.
أكثر الآباء الشرقيين مقاومة للربا هما القديسان باسيليوس الكبير (330-379) وغريغوريوس النيسي (335-394)، إذ يتطلعان إلى الربا كمقاومة للفقراء وتعدي على وصية كتابية.
يحسب القديس أمبروسيوس الربا من بين الخطايا التي تقود إلى الموت فيقول: [إن أخذ أحد ربا، يرتكب لصوصية، ولا يستحق أن يعيش [5].]
إن احتج أحد بأن الربا يُمارس منذ سنوات، يرد عليهم القديس أمبروسيوس: "هذا أيضًا خطية" [6].
* [الإنسان الذي يطلب الله، ويبحث عن الحق] لا يسرق ولا يطمع فيما للغير، ولا يعطي ماله بالربا (لأنه يأخذ فائدة من آخرين في محنة)، ولا يذل إنسانًا يطلب قرضًا عن ضرورة ملحة [7].
*لماذا في جفاءٍ تتظاهر بالصلاح وأنت تجرح الآخرين؛ ما تقدم منه هبة يبكي عليه آخرون يوميًا. ألا تعتقد أن الرب يرى هذه الأمور من السماء؟ يقول الكتاب المقدس: "لا يُسر العلي بتقدمات الأشرار"... هل يقدم الإنسان عطايا يجعل بها الغير فقراء؟ أو إن كنت تُقرض بفائدة
تبلغ 24 في المائة، وتريد أن تقدم صدقة حتى تكفر عن شرٍ بتلك التي هي أيضًا في ذاتها شر. حتمًا يرفض القدير مثل هذه الأعمال. هبتك منتزعة من وسط الدموع... أيها الشرير، أنت تخدع نفسك، وليس آخر [8].كوماديانس
*أي شيء لا يمكن احتماله أكثر من تقدَّم منفعة لفقيرٍ تجعله أكثر فقرًا مما هو ع
ليه، أو يُقدم له قرضٌ يُزيد من بؤسه؟إن كنت مسيحيًا، أية مكافأة تتوقعها من الله، إن كنت لا تسعى لكي تعين أناسًا وإنما لتؤذيهم؟
إن كنت مسيحيًا لماذا تخطط لكي يكون لمالك العاطل ربحًا يعود عليك يجعل أخاك في عوزٍ، هذا الذي مات المسيح عنه، ويكون مصدرًا لغناك...؟
تذكر أن الشخص الذي تطلب منه الربا هو فقير محتاج، من أجله صار المسيح فقيرًا محتاجًا. لذلك عندما تفعل صلاحًا أو شرًا لفقيرٍ لتعرف أنك تفعله للمسيح [9].
*أخبرني، هل تطلب المال والغنى من إنسانٍ فقيرٍ؟
لو أنه قادر أن يجعلك أكثر غنى لماذا يقف على بابك؟
يأتي يطلب عونًا فيجد عداوة.
إذ يبحث عن ترياقٍ يأتي إلى سمومٍ.
من واجبك أن تلطّف من الفقر المدقع لإنسانٍ، لكنك تطلب أن تشرب من برية قاحلة، فتزيد من عوزه. وذلك مثل طبيب يزور المرضى، لا ليرد لهم الصحة، وإنما يفسد ما تبقى لهم من قليل من العافية الجسدية. هكذا أنت تستغل كوارث البائسين كفرصة لنوال عائدٍ [10].
*لا يفرح الآباء بميلاد أطفالهم قدر ما يفرح المرابون في نهاية الشهر (بجمع الربا) [11].
*لو لم يوجد جمع عظيم من المرابين، لما وجدت جمهرة كبيرة من الفقراء [12].
*بماذا تجيب حين تُتهم بواسطة الديان الذي لا يرتشي، عندما يقول لك: معك الناموس، والأنبياء، ووصايا الإنجيل. لقد سمعت هذه جميعها معًا تصرخ بصوتٍ واحدٍ من أجل المحبة والإنسانية "لا تقرض بربا" (تث 23: 20)، "لا يُقرض بربا" (راجع مز 15: 5)، "إن أقرضت أخاك لا تضغط عليه" (راجع خر 22: 25) [13].
*إنسان آخر ينجس الأرض بالربا والفائدة، حيث يجمع ما لم يزرع، ويحصد ما لم يغرس؛ يحصد ربحه لا من الأرض بل من عوز الفقراء [14].
*الربا الفاحش يستحق لومًا أكثر، والإنسان العظيم هو الذي يمتنع عنه [15].
*حتى الإنسان الفقير يقدم لكم فائدة... هل أنتم أناس رحومون حيث تستعبدون من قمتم بتحريرهم من آخرين.
يدفع الربا من هو في عوزٍ إلى طعامٍ؛ أي شيء أكثر رعبًا من هذا؟
يطلب خبزًا، فتقدم له سيفًا.
يتوسل إليك من أجل التحرر، فتلزمه بالعبودية لك.
يسألك الحرية، فتضع له عقدة لفخٍ رهيبٍ [16].
*لقد جاء أول الشهر، وأصل الدين أنجب نسبة مئوية (الربا). كل شهر يأتي يوَّلد ربا، والنسل الشرير يُولد من آباءٍ أشرارٍ. هذا هو جيل الأفاعي. النسبة المئوية تتزايد، يُطلب دفعها، لكنها لا تُسد، فتضاف إلى أصل الدين... وبالتالي تتزايد الفائدة حيث يُضاف الربا على الأصل، فلا تعود تصير فائدة، بل تصير أصلًا، لا تعود نسبة مئوية على فائدة، بل فائدة على النسبة المئوية [17].
*ها أنت فقير، أذكر صعوبة تسديد الدين... فإن الفقر لا يُعالج بدفع الربا. فالشر لا يُصلح بشرٍ، ولا الجرح بجرحٍ، بل يصير إلى حالٍ أردأ بالقروح [18].
وَقُلْتُ لَهُمْ:
نَحْنُ اشْتَرَيْنَا إِخْوَتَنَا الْيَهُودَ الَّذِينَ بِيعُوا لِلأُمَمِ حَسَبَ طَاقَتِنَا.
وَأَنْتُمْ أَيْضًا تَبِيعُونَ إِخْوَتَكُمْ فَيُبَاعُونَ لَنَا.
فَسَكَتُوا وَلَمْ يَجِدُوا جَوَابًا. [8]
لم يقف الأمر عند أخذ ربا من أناس عاجزين عن دفعه، إنما ما هو أخطر أنه لا يستنكف الإنسان من أن يشتري إخوته عبيدًا له، مما جعل نحميا ومن معه أن يفدونهم بالمال، كما افتدوا اليهود الذين كانوا قبلًا عبيدًا للأمم (راجع لا 25: 39 إلخ).
سمح الله لشعبه أن يستأجر الواحد الآخر دون أن يظلمه، بل يقدم له أجرته دون تأخير. لكن يمنع استعباد الواحد للآخر مقابل طعامه وملبسه، دون التمتع بأية حقوق إنسانية.
يقول الحكيم: "ظالم الفقير يعير خالقه، ويمجده راحم المسكين" (أم 31:14).
صمت المتهمين وعدم تقديم إجابة على الاتهام الموجه ضدهم حمل اعترافًا أنهم مخطئون.
وَقُلْتُ: لَيْسَ حَسَنًا الأَمْرُ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ.
أَمَا تَسِيرُونَ بِخَوْفِ إِلَهِنَا بِسَبَبِ تَعْيِيرِ الأُمَمِ أَعْدَائِنَا! [9]
استعباد الإنسان وظلمه هما إهانة موجهة ضد الله، وتحلل الإنسان من مخافة الخالق المهتم بخليقته.
هذا التصرف سبب تجديفًا من الأمم على الله، ووضع شعب الله في خزي وعار بين الشعوب.
ذكر أحد الوعاظ أنه تحدث في هذا الشأن، وإذا بأحد السامعين تأثر جدًا لأنه كان قد أقرض صديقًا له مالًا بالربا وكان الصديق فقيرًا، عاجزًا عن التسديد، وبالكاد كان يدفع الفائدة، وبقي على هذا الحال خمس سنوات. تأثر الدائن وذهب إلى المدين يعتذر له على ما صدر منه من ضغطٍ، وأخبره أنه لا يطلب بعد أية فائدة، بل ولا أصل الدين، كما قدم له ما دفعه من فوائد خلال الخمس سنوات [19].
وَأَنَا أَيْضًا وَإِخْوَتِي وَغِلْمَانِي أَقْرَضْنَاهُمْ فِضَّةً وَقَمْحًا.
فَلْنَتْرُكْ هَذَا الرِّبَا. [10]
يرى البعض أن هذا النص يصعب فهمه، فهو يعني أن نحميا نفسه يعترف بأنه هو وأهل بيته من إخوة وغلمان والملتصقين به كانوا قد أقرضوا أناسًا بالربا، وفي الحال قرروا رفع الربا عن المقترضين، فسند كلماته بأعماله، ليكونوا مثالًا عمليًا يقتدي به الغير [20]. وكأنه قد أعلن عمليًا: "لنضع حدًا ونهاية لهذه الظاهرة".
عانى الشعب من موظفي الحكومة المستغلين. كان هؤلاء القادة يقرضونهم مبالغ كبيرة من المال. وإذ يعجزون عن سدادها يستولون على أراضيهم، وأحيانًا على أبنائهم كعبيد لهم.
رُدُّوا لَهُمْ هَذَا الْيَوْمَ حُقُولَهُمْ وَكُرُومَهُمْ وَزَيْتُونَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ،
وَالْجُزْءَ مِنْ مِئَةِ الْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ،
الَّذِي تَأْخُذُونَهُ مِنْهُمْ رِبا. [11]
هنا الربا واحد في المئة شهريًا.
طلب نحميا من الأغنياء إصلاحًا فوريًا، قائلًا: "ردوا لهم هذا اليوم"، فليس من مجال للانتظار إلى الغد. الوصية الإلهية لا تحتاج إلى جدالٍ أو تأجيلٍ.
فَقَالُوا: نَرُدُّ وَلاَ نَطْلُبُ مِنْهُمْ.
هَكَذَا نَفْعَلُ كَمَا تَقُولُ.
فَدَعَوْتُ الْكَهَنَةَ، وَاسْتَحْلَفْتُهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [12]
استدعى نحميا الكهنة لممارسة عمل ديني، وهو أن يحلف الكهنة بإلغاء الربا ووقفة فورًا، ثم أكمل العمل بأنه وضع لعنة على من لا ينفذ هذا التعهد أو القسم الكهنوتي، فمن لا يكون أمينًا لهذا الوعد، يصير في حالة إفلاس تام، يفقد كل ما لديه وما في جيبه!
هكذا كما أصلح نحميا السور وبناه بالحجارة القديمة، أصلح المجتمع، ونفض عنه كسرهم للناموس.
الكلمات مع تقديم العمل أثمر، فسأله الأغنياء ماذا يفعلون، وأقسم الكهنة أن يتمموا الوصية الإلهية، وكأنهم قد وقَّعوا على عقد مع الله نفسه.
ثُمَّ نَفَضْتُ حِجْرِي وَقُلْتُ:
هَكَذَا يَنْفُضُ اللَّهُ كُلَّ إِنْسَانٍ لاَ يُقِيمُ هَذَا الْكَلاَمَ مِنْ بَيْتِهِ وَمِنْ تَعَبِهِ
وَهَكَذَا يَكُونُ مَنْفُوضًا وَفَارِغًا.
فَقَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ: آمِينَ!
وَسَبَّحُوا الرَّبَّ.
وَعَمِلَ الشَّعْبُ حَسَبَ هَذَا الْكَلاَمِ. [13]
يقدم لنا Freeman تفسيرًا لهذه العادة: "نفض الحجر"، فيقول إنه كان يُصنع كيس أو جيب في الرداء الخارجي، يوضع فيه أشياء متنوعة. عندما ينفض الإنسان جيبه، يعني أنه يلعن الشخص الذي أمامه، ويطلب دماره تمامًا. يقول روبرتس Roberts إن مواطني الهند يحملون دائمًا في حجرهم كيسًا مصنوعًا من ورق شجر الكاكاو أو أوراق الأشجار الأخرى، ويحرصون دومًا ألا يتركوا الكيس فارغًا تمامًا. إنما يضعون فيه مالًا أو مكسرات (بندق أو لوز أو جوز) أو تبغ. فإنهم يعتقدون بأنهم أن تركوه فارغًا يبقى هكذا لمدة طويلة. وعندما يلعنون بعضهم البعض ينفضون حجر ثوبهم.
عندما قدم السفراء الرومان فرصة الاختيار لأهل قرطاجنة بين الحرب والسلام، استخدموا نفس هذه العادة. دخل السفراء إلى مجلس السناتور في قرطاجنة وهم يرتدون التوجة Toga، أي الثوب الروماني الفضفاض، وقد جمعوه عند أحضانهم. قالوا للمجلس: نحن نحمل لكم السلام والحرب، لكم حق الخيار". أجاب المجلس: "لكم أن تقدموا ما تختارون". عندئذ أمسك السفراء بثيابهم (التوجة)، وقالوا "نقدم لكم الحرب". عندئذ قبل المجلس الأمر برضا [21].
قام الشعب بتنفيذ ما أشار إليه نحميا.
كلمة "آمين" تستخدم في نهاية العبارات الخاصة بالتسبيح لله، كتعبيرٍ عن الموافقة بتمجيد الله مع الثقة فيه والخضوع له، كما تستخدم في تأكيد اللعنات التي تحل على الأشرار المصممين على شرورهم، وأيضًا على قبول قسم معين أو تنفيذ وصية أو تعهدٍ ما.
14 وَأَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُوصِيتُ فِيهِ أَنْ أَكُونَ وَالِيَهُمْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا، مِنَ السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاَثِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ، اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً، لَمْ آكُلْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي. 15 وَلكِنِ الْوُلاَةُ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ قَبْلِي ثَقَّلُوا عَلَى الشَّعْبِ، وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خُبْزًا وَخَمْرًا، فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ، حَتَّى إِنَّ غِلْمَانَهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الشَّعْبِ. وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللهِ. 16 وَتَمَسَّكْتُ أَيْضًا بِشُغْلِ هذَا السُّورِ، وَلَمْ أَشْتَرِ حَقْلًا. وَكَانَ جَمِيعُ غِلْمَانِي مُجْتَمِعِينَ هُنَاكَ عَلَى الْعَمَلِ. 17 وَكَانَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا، فَضْلًا عَنِ الآتِينَ إِلَيْنَا مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. 18 وَكَانَ مَا يُعْمَلُ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثَوْرًا وَسِتَّةَ خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ. وَكَانَ يُعْمَلُ لِي طُيُورٌ، وَفِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْخَمْرِ بِكَثْرَةٍ. وَمَعَ هذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي، لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هذَا الشَّعْبِ. 19 اذْكُرْ لِي يَا إِلهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهذَا الشَّعْبِ.
وَأَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُوصِيتُ فِيهِ أَنْ أَكُونَ وَالِيَهُمْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا،
مِنَ السَّنَةِ الْعِشْرِينَ إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّلاَثِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً،
لَمْ آكُلْ أَنَا وَلاَ إِخْوَتِي خُبْزَ الْوَالِي. [14]
أراد نحميا ورجاله أن يكونوا مثلًا في الرحمة بالشعب، فرفضوا خلال فترة ولايته الأولى والبالغة اثني عشر سنة أن يأكلوا خبر الوالي، وهي أقل حقوقهم التي تُقدم لهم. هذا ما فعله أيضًا الرسول بولس كما شرح في 1 كو 9. "لم نستعمل هذا السلطان، وبل نحتمل كل شيء لئلا نجعل عائقا لإنجيل المسيح. ألستم تعلمون أن الذين يعملون في الأشياء المقدسة من الهيكل يأكلون. الذين يلازمون الذبح يشاركون المذبح. هكذا أيضًا أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون. أما أنا فلم أستعمل شيئًا من هذا" (1 كو 12:9-15). كما يقول:" ولا أكلنا خبزًا مجانًا من أحدٍ، بل كنا نشتغل بتعب وكدٍ ليلًا ونهارًا لكي لا يثقل على أحدٍ منكم" (2 تس 8:3). بعد أن أكد رسوليته أوضح حقوقه كرسول، وكيف تنازل عنها بإرادته من أجل محبته لخلاص البشرية. كان كلا من الرسولين بولس وبرنابا يعملان بإرادتهما لكي لا يعتازا إلى أحد. كان يمارسان حرفة مثل صنع الخيام (أع 18: 3؛ 20: 34).
*ترك الرسول حتى الأمور المسموح بها، حتى لا يوجد عثرة لأحد، مع أن لا يوجد قانون يلزمه بهذا... فإن كان قد فعل أكثر مما يطلبه الناموس حتى لا يتعثروا وامتنع عما هو مسموح به من أجل بنيان الغير، فماذا يستحق هؤلاء الذين لم يمتنعوا عن ذبائح الأوثان، حيث بذلك يهلك كثيرون؟ الأمر الذي يلزم للشخص أن يتركه بغض النظر عن عثرة الآخرين فيه، لأنها "مائدة شياطين"؟ [22]
*إذ يظهر لكم أني قد امتنعت عن الأشياء المسموح في بها، فليس من العدالة أن تتشككوا فيَّ كمخادعٍ أو من يعمل لأجل الربح [23].
*لقد أظهر نوعية الكاهن وماذا يجب أن يكون عليه. إذ يلزمه أن يحمل شجاعة الجندي، واجتهاد الفلاح، واهتمام الراعي، وفوق هذا كله ألا يطلب شيئًا أكثر من الضروريات [24].
وَلَكِنِ الْوُلاَةُ الأَوَّلُونَ الَّذِينَ قَبْلِي ثَقَّلُوا عَلَى الشَّعْبِ،
وَأَخَذُوا مِنْهُمْ خُبْزًا وَخَمْرًا،
فَضْلًا عَنْ أَرْبَعِينَ شَاقِلًا مِنَ الْفِضَّةِ،
حَتَّى إِنَّ غِلْمَانَهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الشَّعْبِ.
وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَفْعَلْ هَكَذَا مِنْ أَجْلِ خَوْفِ اللَّهِ. [15]
يقارن نحميا بين سلوكه هو والموظفين العاملين معه طوال الاثنتي عشرة سنة التي عمل فيها واليًا، وبين ما كان يمارسه الولاة السابقون له والموظفون العاملون معه حيث ساد الظلم واستغلال الشعب في البلاد.
لعله يقصد بالولاة الأولين الولاة السامرين الذين كانوا يجمعون الضرائب من يهوذا ويخصصون نسبة عالية لهم شخصيًا.
أراد نحميا أن يُصلح ما أفسده الولاة السابقون. فقد قبل الولاية، ورفض الانتفاع الشخصي من هذا المركز، بل ورفض أن يأكل هو وإخوته من خبز الوالي، أي لم يثقل على الشعب بأخذ نصيب من الحنطة والخمر مع ضرائب. قام رفضه على مخافته لله.
لم يقصد نحميا هنا بالولاة الأولين زربابل أو عزرا، إنما يقصد أولئك الذين أشار إليهم عزرا مثل تتناي والي عبر النهر وشتربوزياي ورفقائهما (عز 3:5).
إن كان الولاة الأشرار قد ثقلوا على الشعب، فإن غلمانهم أو العاملين معهم أضافوا إلى الثقل ثقلًا أقسى.
وَتَمَسَّكْتُ أَيْضًا بِشُغْلِ هَذَا السُّورِ.
وَلَمْ أَشْتَرِ حَقْلًا.
وَكَانَ جَمِيعُ غِلْمَانِي مُجْتَمِعِينَ هُنَاكَ عَلَى الْعَمَلِ. [16]
تنازل نحميا ورجاله حتى عن حقوقهم الطبيعية، بل ونزلوا مع عامة الشعب للعمل والبناء في السور. لم يكونوا انتهازيين، بل في تواضعٍ مع غيرة ومحبة، اشتركوا مع البقية في الأعمال التي تبدو ثقيلة.
لم يمارس نحميا عمله كوالٍ على البلاد في بيروقراطية حيث تحيط به حاشية تحرسه وتعطيه مهابة، إنما قدم مفهومًا رائعًا للسلطة والقيادة والرعاية، ألا وهو مشاركه الشعب في العمل اليومي، وعدم استغلالهم، مع تنازله حتى عن حقوقه الطبيعية.
وَكَانَ عَلَى مَائِدَتِي مِنَ الْيَهُودِ وَالْوُلاَةِ،
مِئَةٌ وَخَمْسُونَ رَجُلًا،
فَضْلًا عَنِ الآتِينَ إِلَيْنَا مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ حَوْلَنَا. [17]
كان قلبه مفتوحًا للجميع، وأيضًا دار الولاية، فكان يأكل مع مئة وخمسين شخصًا من اليهود والقادمين إليه من الأمم الذين حوله.
وَكَانَ مَا يُعْمَلُ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ ثَوْرًا وَسِتَّةَ خِرَافٍ مُخْتَارَةٍ.
وَكَانَ يُعْمَلُ لِي طُيُورٌ وَفِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ نَوْعٍ مِنَ الْخَمْرِ بِكَثْرَةٍ.
وَمَعَ هَذَا لَمْ أَطْلُبْ خُبْزَ الْوَالِي،
لأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ كَانَتْ ثَقِيلَةً عَلَى هَذَا الشَّعْبِ. [18]
كانت العادة في الشرق أن تُقَّدر مصاريف الملك أو الحاكم، لا بمبلغٍ معينٍ من المال، وإنما بالإمكانيات التي تُقدم للذين يستضيفهم الحاكم في القصر، سواء من أهل بيته أو رجاله أو القادمين إليه.
اذْكُرْ لِي يَا إِلَهِي لِلْخَيْرِ كُلَّ مَا عَمِلْتُ لِهَذَا الشَّعْبِ. [19]
أخيرًا يؤكد نحميا أن ما فعله ليس لأجل نوال كرامةٍ أو مديحٍ من أحدٍ، إنما من أجل الله نفسه، العارف بأعماله، كما عارف بما في قلبه وفكره من إخلاص وحب وبذلٍ.
يقول المرتل: "اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فَّي طريق باطل واهدني طريقًا أبديًا" (مز 139: 23-24).
*لماذا كثر الذين يحزنونني؟
لماذا يثير العدو من هم حولي لهلاكي؟
لماذا يجتمع الكل لتحطيم نفسي؟
*إلهي مهما اشتدت الحرب من الخارج،
فإن مرارة المعركة الداخلية لا يُعبر عنها.
من يحررني من متاعبي الداخلية سواك؟
مهما اشتدت الحرب من الخارج،
لكنها يومًا ما تنتهي.
أما الداخل فمن ينقذني منه سواك؟!
*مع المرتل أصرخ كل يوم:
قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله،
وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي!
*لست أخشى وحشية الأعداء الخارجيين،
لكنني أصرخ إليك من قسوة قلبي.
من يقدر أن يقدس أعماقي إلا أنت؟!
من يسكب الحب والحنو في أعماقي غيرك!
*هب لي أن يرتفع قلبي إليك بالحب،
ويتسع ليحمل إن أمكن كل إخوتي!
لأحبك وأحب كل البشرية فيك!
لتغرس فردوس الحب في داخلي!
لتسقه بمياه روحك القدوس.
ولتعلن حضورك البهي في أعماقي!
_____
لدراسة "الربا المُحرَّم" أرجو الرجوع إلى:
1. المؤلف: الخط الاجتماعي عند آباء الكنيسة الأولى، الإسكندرية، 2005، الباب 9.
2. Robert P. Maloney: Teaching of the Fathers on Usury (Everett Ferguson: Studies in Early Christianity, vol. 1, p. 345 ff.)
[1] Lactantius: Institutiones divinae 6: 18 PL 6: 698- 699.
[2] St. Cyprian: Testimoniorum Libri 3.
[3] Expositio in Ps 14 (15): 2- 5 PG 27: 100.
[4] Catech. Lect. 4: 37 PG 33: 501.
[5] De bono mortis 12: 56 PL14: 566.
[6] De Tobia 88 PL 14: 792.
[7] Lactantius: Epitome, 64 PL 6: 1076.
[8] Commadianus: Qui de malo domant, instructiones 65. PL 5: 251.
[9] Tractatus in Ps 15 (14) PL 9: 307.
[10] Homily 2 on Ps 15 (14) PG 29: 264 f.
[11] Contra usurarios PG 46: 446. Trauslatecl by R. P. Maloney.
[12] C. usurarias PG 46: 446.
[13] C. usurarios 46: 447.
[14] Oratio 16: 18 (R. Maloey).
[15] On Tobit, 8.
[16] De Tobia 11 PL 14: 763.
[17] De Tobia 42 PL 14: 775.
[18] De Tobia 82 PL 14: 790.
[19] David Hocking: Reviving The Stones, (comment on Neh. 5:9).
[20] The Collegeville Bible Commentary, Liturgical Press, Minnesota 1989, p. 359
[21] James M. Freeman: Manners and Custom of the Bible, N.J, 1972, article 380.
[22] In 1 Corinth., hom. 21:1.
[23] In 1 Corinth., hom. 21:3.
[24] In 1 Corinth., hom. 21:4.
← تفاسير أصحاحات نحميا: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير نحميا 6 |
قسم
تفاسير العهد القديم القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير نحميا 4 |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/5wy5a78