في هذا الموقف الحرج، فنكر في أن يشرك معه في الإدارة أحد الرهبان ممن يستطيع أن يعيد الوئام تبعًا لثقة الإخوة في نصائحه. كان لا بُد أن يكون هذا مختار الله، وذلك ما اجتهد أن يناله بواسطة الصلاة.
وانفرد لذلك الأمر في مكان منعزل، حيث انطلق في أنينه وتوسلاته إلى الله، وصلىَّ هذه الصلاة المتواضعة:
"أنت تعلم يا رب أن عبدك بترونيوس أوصاني وهو يسلم الروح أن أعتني بسلوك الإخوة وأن أعمل على تقديسهم، ولكني آسف لأنه باستثناء البعض الذين يخدمونك بأمانة في حفظ القوانين التي وضعها أبونا القديس أنبا باخوم، فإن الآخرين لا يريدون أن يستمعوا إلى آرائي، ويفضلون أن يتبعوا هوى قلوبهم، ولا يمكنني أن أرى كل هذه البلبلة في الأديرة دون أن يخالجني ألم كبير جدًا، لا سيما إني لا أعتقد انى أعطيت لهم الفرصة لذلك، بل بالحري بذلت كل جهدي لكي أحافظ على السلام بين النفوس يا إلهي، إني لست أحزن بسبب هذا الدير فقط، ولكني أرى الشر يجد طريقة إلى الأديرة الأخرى ويهدد بتبديل الهدوء فيها أيضًا، وأخشى الاَّ يبقى فيها فيما بعد أية إشارة إلى هذا الاتحاد الجميل الذي كان يسود فيها فيما مضى. وإذ إني لا أستطيع يا رب في هذه الشدة ان أحمل هذا الحمل الثقيل، أتوسل إليك أن تعَّين لي بنفسك رجلًا مملوءًا من الحزم والشجاعة، يمكنه أن يعالج الأخطاء، وسوف أعرضه على الرهبان لكي يقودهم، حتى لا اصبر مدانًا بخسارة أرواحهم، الأمر الذي قد يحدث بغير ذلك".
وفي نفس الليلة أعله الله بإرادته بواسطة حلم عجيب لن يصعب عليه تفسيره. رأى سريرين كلاهما جميل وثمين بدرجة واحدة، ولكن الواحد كان قديمًا وباليًا، والآخر جديدًا: وبالتالي كان هذا الأخير أكثر صلابة وثباتًا من الآخر، وسمع هذه الكلمات: أرح نفسك على السرير الجديد. وعندما استيقظ أخذ يفكر في هذه الرؤية، وفهم أن تيودوروس التلميذ المفضل عند القديس أنبا باخوم، هو المشار إليه بهذا السرير الجديد. وأراحته هذه المعرفة في محنته، لا سيما انه كان لتيودوروس عنده كل الاعزاز، ويعرف انه رجل جدير بأن يسمو فوق ضجر الآخرين، وأن يهدئهم بحلاوة تواضعه.
فمنذ الصباح أخذ على عاتقه دعوة كل رؤساء الأديرة المختلفة، باستثناء تيودوروس، ولما رأى ان كلهم كانوا مجتمعين قال لهم:
"إنكم لا تجهلون الاضطرابات التي تهز مجموعتنا الديرية. لقد تألمت وقتًا كافيًا: وكنت آمل أن يسود الهدوء من جديد بعد العاصفة، ولكني خذلت في انتظاري، ولم أر السلام يعود. وليس ذلك فحسب، بل رأيت الفوضى تزداد. اني اعترف لكم انى لم أعد أستطيع أن أتحمل وحدي كل هذه المسئوليات، وأفخر انى لم أعد أستطيع أن أتحمل وحدي كل هذه المسئوليات، وأفخر بأنكم لن ترغموني، طالما أرى انى لا أستطيع أن أعالج شيئًا. وافتكر أن تيودوروس هو الأجدر بأن يحكم المؤسسة الديرية في الظروف الراهنة، لا سيما انه منذ زمان طويل قد اكتسب تقدير كل الرهبان، كما كان يتمتع بتقدير أبينا".
واستقبل الجميع هذا الاختيار بفرح، لأنهم كانوا يثقون ثقة كبيرة في تيودوروس منذ مدة طويلة. فأرسلوا يستدعونه لكي يعينوه أبًا عامًا، وفيما كانوا ينتظرونه، انسحب أورسيسيوس في هدوء إلى دير "كنوبك" Chenobosque، ولكنه سرعان ما اضطر للعودة، لأن تيودوروس كان يصر على أن يرفض بتاتًا أن يحل محله حتى يتفاوض معه.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وعندما رجع، نجح في إقناعه بأن يقبل أن يأخذ مكانه، ثم عاد راضيًا جدًا إلى دير "كنوبك"، وبعد بعض الوقت تركه ليذهب ليسكن في دير "منكوز"، إما لكي يبين أنه لا يحقد اطلاقًا على رهبان هذا الدير حيث كان قد بدأ الشر، أو لكي يذوق فيه فوائد العزلة والطاعة في حياة خاصة.
ولكن تيودوروس لم يأخذ الأمر هذا المأخذ: فما كان يعتبر نفسه سوى نائب له في الإدارة. وبالرغم من أن دير "منكوز" كان أبعد من دير "كنوبك" بالنسبة لدير "بابو" حيث كان قد جعل مقره، الا أنه ما كان يهمل أن يذهب إلى "منكوز" لكي يأخذ رأيه في كل المسائل. وعلاوة على ذلك، دعاه أن يسكن في "بابو"(1) (1) لكي يقوم فيها بإلقاء محاضرات روحية على الاخوة. وأراد له أيضًا أن يفتش على الأديرة مثله. ولم يرد تيودوروس إلا أن يكون نائبًا لأورسيسيوس، وكان اتحادهما وثيقًا جدًا حتى صار سبب عجب الرهبان وتعزيتهم.
كانا كلاهما محل تقدير القديس العظيم أثناسيوس الرسولي، وكان يعتبرهما دعامتي مؤسسة طابنيسى الديرية الثابتتين، وكان يهتم بها بمحبة أبوية. وكان يحرص على الا يتركا الإدارة إذ كان يعنبرهما جديرين بها. ولكن بالرغم من يقظتهما واجتهادهما في تدعيم القانون وانهما كانا يحافظان على المجموعة الديرية في حالة انتظام حاز الإعجاب للغاية، الا اننا لا نستطيع أن نخفي أن الطمع في الأموال الزائلة كان عثرة للبعض أحيانًا، الأمر الذي كان يسبب اسفًا شديدًا لأورسيسيوس ولتيودوروس، ويجعلهما يَئِنَّان بلا انقطاع أمام الرب.
_____
(1) فاو بمركز دشنا بمحافظة قنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/sts-petronius-horsiesius/chosen-by-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/qsdxjg2