نبذة عن وادي النطرون(30)
الموقع - منطقة الإسقيط - العبادة المسيحية فيه
وادي النطرون هو واد حوضي منخفض في الصحراء الليبية طوله 60 كيلومترا وطول البحيرات الموجودة فيه 20 كيلومتر ومنسوبه المنخفض وهو منسوب البحيرات 22 مترًا تحت مستوى البحر - والمسافة بينه وبين القاهرة 80 كيلومترًا وبينه وبين الإسكندرية 85 كيلومترًا، ومياه البحيرات ملحة وتزداد في زمن الفيضان قليلًا وبعضها يجب تمامًا في الصيف أما عمقها فلا يزيد على مترين.
كانت الصحراء الليبية الموجودة فيها وادي النطرون فيما مضي جزءًا من ليبيا، وكانت في العصور القديمة إقليمًا مستقلًا، وكان الليبيون في نزاع مع المصريين، وقد غزا الليبيون بعض بلدان الوجه البحري وعمدوا إلي السلب والنهب - وقد احتلوا في وقت ما الجزء الغربي من مديرية البحيرة. لكن المصريين قاوموا الغزو، وانضمت الصحراء الليبية إلي مصر. ومن الصعب تحديد التاريخ الذي ضم فيه المصريون وادي النطرون لأن التاريخ لم يعلن ذلك، فقط يعلم أن رمسيس الثالث، وهو الفرعون الأول من الأسرة العشرين (1180ق.م) قاوم غزو الليبيين لأرض الوجه البحري وهزمهم.
ويبدو أن وادي النطرون في زمن الفراعنة كان يمثل قسمًا قائمًا بذاته على حدة، ولكن تاريخه مجهول في ذلك الوقت كلية.
ويقول شمبوليون في كتابه "مصر تحت حكم الفراعنة" الجزء الثاني ص295.
"ان بطليموس الجغرافي الذي عاش في القرن الثاني الميلادي يضع في جنوب بحيرة مريوط منطقة من ليبيا المصرية يسميها ستيا كو ريجيو" ويري أن هذه المنطقة لا تنطبق في اتساعها كله على برية شيهيت ولكنها كانت تنطبق على الوادي حيث كانت توجد بحيرات النطرون. وكان في نفس هذه المنطقة مدينة صغيرة يسميها Seyathis ومن البديهي أن هذه المدينة الصغيرة لا يمكن أن توجد إلا في منطقة تصلح للسكني، إذ أن الشرط الأول هو وجود الماء، ولكنه في كل هذه المنطقة لا يوجد ماء إلا في وادي النطرون فقط ولا يوجد بتاتًا في كل ما حوله. ويذكر أيضًا وجود مدينة في هذه المنطقة تسمي نتريا وكانت تسمي باللغة المصرية فابيهوس أي مدينة النطرون، ولم تكن نتريا إلا ترجمة لها، ومن المرجح أن الملح الذي كان يستخرج من البحيرات كان يوضع هناك لكي ينقل فيما بعد إلي تراوتيس (ترانا) ومنها إلي باقي بلاد مصر.
وفي زمن البطالسة تنبئ الآثار الموجودة في معبد إدفو أنه كان يسمي "سخت همان" (أي غيط مالح). وتحت حكم الرومان يقول سترابون (كتاب رقم 17 الباب الأول والفقرة 23) الذي زار مصر في القرن الأول من العصور المسيحية، أنه كان يسمي "نوم نتريوت"، وكان به ملاحة مزدوجة تعطي كمية كبيرة جدًا من الملح.
ومما لا نزاع فيه أن هذا "النوم" كما هو اسمه كان يشغل مكان وادي النطرون الحالي.
ويرى عمر طوسون في بحثه عن وادي النطرون أنه كان جزءًا من صحراء الإسقيط الشهيرة التي اشتهرت جدًا في مستهل القرن الرابع الميلادي حيث استقر فيها الرهبان تحت قيادة الأنبا مكاريوس وخلفائه، وكانت هناك قرية اسمها "بيامون" ويقول "اميلينو" عنها في كتابه "جغرافية مصر في العصر القبطي" ان اسم هذه القرية قد احتفظ به المخطوط الموجود في الفاتيكان والذي يحوي سيرة نقل أجساد التسعة وأربعين شيخًا الذين قتلهم البربر في الإسقيط، ويظهر أن أجساد هؤلاء القديسين كانت قد وضعت في مغارة بالقرب من بيامون حيث كانت توجد قلعة كبيرة وفيها مركز للجند الذين عهد إليهم مراقبة الذين كانوا يأتون ليبحثوا عن النطرون وحمايتهم من البربر.
ويضيف "اميلينو" انه كان متأكدًا جدًا وفقًا للأصول التي ذكرت أن بيامون كانت في الصحراء وليست بعيدة عن دير القديس مكاريوس، لأنه عند نقل أجساد التسعة وأربعين شيخًا
منطقة الإسقيط تقع على بعد ستة أميال جنوبي جبل نتريا وكانت للقديس مقامًا ومستقرًا، وفيها أنشئت مستعمرة للمتوحدين ويقول اميلينو، أن هذا الاسم يظهر لأول مرة في حياة القديس مكاريوس الكبير - أما فيما يختص بمكانه بالنسبة إلى نتريا يمكننا أن نحدده، وفي سير حياة القديسين الذين بنوا أديرة يعرف مكانها حاليًا، إما بوجودها أو بآثارها يذكر دائمًا أنهم عاشوا في الإسقيط، وأن الأديرة التي تسمي باسمائهم قد بنيت في الأماكن التي كانوا يسكنون فيها، ويرجح اميلينو أن كل الأديرة الحالية والآثار التي نراها اليوم موجودة في الإسقيط، وان نتريا لا بُد أنها كانت تقتصر على الجزء من الوادي التي تشغله البحيرات وأراضي النطرون(31).
وقد سمي وادي النطرون الحالي بالأسماء الآتية:- برية الإسقيط (أي برية النساك)، برية شيهيت (أي ميزان القلوب)، وادي الرهبان، وادي الملوك، وادي هبيب - لكن في الواقع أن الاسمين الأولين يخصان برية الإسقيط فقط والثلاثة الأخيرة تخص نتريا حيث كان الرهبان يسكنون وقد تركوها تدريجيًا إلى الأديرة.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ان القديس أمون اتخذ من منطقة نتريا المكتظة بالمتوحدين مقامه، وتعتبر أديرة صحراء النطرون في موقع مقدس منذ قرون طويلة من العبادة المسيحية - وليس ما يرجح تأسيسها قبل القرن الثالث أو الرابع - ويزداد على هذه الأهمية التاريخية صورة موقعها الشاعرية والاتساع غير المحدود للرمال الجدباء التي تفصلها عن العالم والشمس الساطعة والسكون والوحدة التي لا تتخللها سوي أفراد البدو أو وصول زوار أو مسافرين - كل هذا مما يحرك في العابد شريف الإحساسات والعواطف الروحية والزهد والورع، ولهذا، كانت العبادة والنسك والتقشف على أشدهما فضلًا عن ذلك فإن مؤلفات الآباء بلغت حد الإعجاز حيث لا يشغلهم شاغل.
ويقول مار اسحق المتوحد "السكون يصلح جدًا لعمل الله، ولأجل هذا القديسون قبضوا حواسهم أولا عن العالم وبعد ذلك اهتموا باستعداد القلب لعمل الله الخفي لأنه إن لم يرتبط الجسد أولا بعمل الفضيلة لا يتفاوض الفكر بفلاحة الفضيلة لأن منه يقتني ذهنًا مجموعًا وضميرًا هادئًا وأفكارًا غير مضطربة بمناظر العالم".
أما عن الوصول إلي الأديرة قديمًا فقد روي في كتابه صحيفة 290 قال:
"لما رغبت لأول مرة في السفر إلى الأديرة في ربيع سنة 1881م أمر الخديوي السلطات بعمل تحريات دقيقة ولكن قيل أن البدو كانوا في حالة تحفز عدائية بسبب نزاع مع الجنود المصريين، ولابد أنهم يسلبون أي مسافر يصادفهم في الصحراء، ويرغمونه على الرجوع، ولو أنهم عمومًا لم يكونوا ليهتموا بصفة خاصة بالقتل الذي لا داعي له.
ومن مخاطر الرحلات إلي الأديرة قديمًا روي "سوبتشي" أيضًا أنه سرق من اللصوص بتغير مفاجئ في الطريق مما أفسد خطة البدو لإهلاكه..
أما الآن فإنه في سهولة ويسر يمكن الوصول إلى أي دير من أديرة وادي النطرون الأربعة الموجودة حاليًا، عن طريق أتوبيس الطريق الصحراوي بين إسكندرية ومصر، وأقرب الأديرة هو دير القديس أبو مقار حيث بعد النزول عند الكيلو 88 (من مصر) يكون الدير على مسيرة ساعة بالأقدام، والأديرة الأخرى يمكن الذهاب إليها سيرًا دون كبير عناء من موقف "الرست" resthouse في حوالي الساعتين أو يزيد قليلًا، كما أن سيارات الجيب، يمكن أن تقطع المسافة من موقف الرست في الطريق الصحراوي في أقل من نصف ساعة في اطمئنان كامل، وقد تم حديثًا رصف الطريق إلي دير أنبا بيشوي وإلي جوار دير السريان، ويمكن للسيارات الملاكي الانتقال إلي هذين الديرين رأسًا في غير ما تعب أو مشقة.
انتهى تأليف الكتاب، وحمد الله لا ينتهي.
_____
(30) مترجمة من مؤلف عمر طوسون عن وادي النطرون.
Étude sur le Wadi Natroun.
(31) المرجع السابق.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/macarius-of-alexandria/wadi-el-natrun.html
تقصير الرابط:
tak.la/43rsbmx