أي أن كل الذبائح والمحرقات التي تكون قد قدمتها لله من قبل، يذكرها لك الله في يوم شدتك.
الله الذي لا ينسى كأس الماء البارد، ولا ينسى أبدًا فلسي الأرملة، ولا حفنة الدقيق التي قدمتها أرملة صرفة صيدا لايليا.
الله الذي كل عمل خير نعمله، محفوظ عنده، مكتوب في سفر الحياة، كتب الله عنه تذكره (مل 3: 16). لا تظن أنه ينسى أي تعب تتعبه من أجله، أومن أجل كنيسته وقديسيه، أو من أجل أي فقير ومحتاج. انه يقول لك (بي قد فعلته) (مت 25) انه يذكر جميع ذبائحك. ويقول لك (أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك وقد تعبت من أجلي ولم تكل) (رؤ 2: 2، 3).
الله ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة (عب 6: 10).
كل تعب المحبة الذي تتعبه أمام الرب، هو ذبيحة حب، ليست منسية أمامه. إن الله لا ينسى دمعة واحدة تكون قد سكبتها أمامه، بل يحفظها في زِق عنده (مز 119).
لا ينسى خطوة واحدة، تكون قد خطوتها نحو الكنيسة، أو في زيارة افتقاد، أو لحل إشكال. لا ينسى ابتسامة تكون قد ابتسمتها في وجه إنسان مكتئب، أو كلمة عزاء قلتها لتعزية حزين.
كل الخير الذي تفعله، مخزون عنده، ومحفوظ ومكنوز.
يذكره كله لك في يوم شدتك. كل حب وحنان تقدمه للناس، هو محفوظ أمام الله، في يوم شدتك يأتي موعده ليتحرك، ويعمل لأجلك. الله لا يمكن أن ينسى تعبك وحبك وخدمتك وماضيك ومعوناتك للآخرين ألم يقل الكتاب (إن أعمالهم تتبعهم) إذن أعمالك الطيبة ستتبعك.
ليس فقط وقت الموت (أعمالهم تتبعهم)، بل أيضًا وقت الشدة. كل عمل طيب قد عملته، سيشفع فيك في يوم شدتك.
ألم يقل الله (طوبى للرحماء، لأنهم يرحمون) (مت 5).. إذن الرحمة التي تكون قد قدمتها في الماضي، ستشفع فيك يوم تحتاج إلى الرحمة. وان كنت في ضيقة الآخرين قد ساهمت في حل ضيقهم يذكر لك الله هذا في يوم ضيقتك، ويرسل لك عونًا من قدسه، ويذكر جميع ذبائحك.
مسكين الإنسان الذي لم يقدم خيرًا لأحد في حياته.
ومسكين أكثر من يكون قد عامل غيره بالقسوة والعنف. هذا يجد أمامه الآية التي تقول: (بالكيل الذي تكليون يكال لكم ويزاد) كذلك الشخص الذي يقف موقفًا سلبيًّا من آلام الآخرين، كأنه غير مسئول، أو أن الأمر لا يعنيه! هذا يقف أمامه قول الوحي الإلهي في سفر الأمثال (أم 21: 13).
(مَن يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فهو أيضًا يصرخ ولا يُسْتَجَاب له).
إن كان الأمر هكذا، فلنكثر من عمل الخير والرحمة، ونوزعها على كل محتاج، لكي تقف أمام الله تشفع فينا في يوم الشدة، عالمين أنه لا يوجد عمل خير يضيع أجره، لا في السماء ولا على الأرض.
(إذن يا أخوتي الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب) (1كو 15: 58).
إياك أن تصدق المثل العامي الذي يقول (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود)! كلا، فلن ينفعك سوى مراحم الله الذي يذكر جميع ذبائحك. فأين هي ذبائحك ومحرقاتك، ليذكرها لك الله في ذلك اليوم؟ إن لم تكن قد بدأت في عمل الخير، فابدأ من الآن...
والله سيذكر ذبائحك، ليس فقط في وقت شدتك، إنما سيذكرها أيضًا بالنسبة إلى أولادك وأهلك وأحبائك.
مثلما فعل مع سليمان، من أجل داود أبيه. فقال: لا أمزق المملكة في أيامك من أجل داود أبيك (1 مل 11: 12) وأعطاه أيضًا سبطًا من أجل داود... إن الخير الذي فعله داود في حياته، والرحمة التي رحم بها بيت شاول، كل ذلك ذكره الله، ورحم به سليمان بن داود...
ولذلك نسمع أحيانًا من يقول: هذا الولد، حافظ الرب عليه، من أجل الخير الذي كان يعمله أبوه... من أجل ذبائح الآباء، كان الله يرحم أبناءهم.
إن الله يذكر ذبائح آبائنا القديسين، ويرحمنا من أجلهم.
وهكذا نقول لله في صلواتنا (لا تنزع عنا رحمتك من أجل إبراهيم حبيبك، وإسحق عبدك، وإسرائيل قديسيك) (قطع الساعة التاسعة).
ما أكثر قول الله في الكتاب (من أجل إبراهيم عبدي)، (من أجل داود عبدي) إن ما فعله إبراهيم وداود استمر تأثيره عبر الأجيال...
لقد عِشنا في العالم بخير، من أجل إبراهيم وإسحق ويعقوب. الرب ذكر ذبائحهم ومحرقاتهم، وحافظ علينا من أجلهم. انه لم ينس تعب آبائنا القديسين، وما زال يحافظ علينا من أجل الآباء. كذلك ما تقدمه أنت من ذبائح ومحرقات يستمر تأثيره أجيالًا. ويذكر الرب جميع ذبائحك ومحرقاتك، لك ولأولادك وأولادهم...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ولكن ما الفرق بين الذبائح والمحرقات؟
الذبيحة، هي كل ما كان يذبح للرب. والمحرقة أيضًا ذبيحة. ولكن ما الفرق؟ الفرق أن بعض الذبائح كان يأكل منها الكاهن، أو مقدمها. والبعض كان يأكل منها أصدقاء مقدمها أيضًا (مثل ذبيحة السلامة) فذبيحة الخطية مثلًا، ينال منها مقدمها غفرانًا (حسب الرمز) وذبيحة السلامة علامة فرح يعم على الجميع.
أما المُحْرَقَة، فكانت لإرضاء الرب، رائحة سرور للرب (لا1)، لذلك كانت للمذبح وحده، ولنار الرب وحدها لا يتناول منها أحد. تظل تأكل فيها النار حتى تصير رمادًا، إشارة إلى أن عدل الله قد استوفى حقوقه من الخطية.
خطية الإنسان كانت لها نتيجتان: إغضاب قلب الله الذي كسرنا وصاياه، وهلاك الإنسان الذي أخطا. والمحرقة كانت ترمز إلى إرضاء الله، وذبيحة الخطية كانت ترمز إلى تخليص الإنسان من خطاياه. والسيد المسيح قام بالدورين معًا على الصليب.
وهنا في عبارة المزمور، ماذا نفهم؟
مُحْرَقَاتَك هي كل ما تفعله لإرضاء قلب الله وحده. وذبائحك هي كل خير تعمله لأجل الآخرين ولأجل خلاص نفسك.
كل ذلك يذكره لك الله في يوم شدتك. يذكر الكل...
يذكر ما تقدمه من عشور وبكور ونذور وستور، وكتب القراءة والزيت وأواني المذبح. وما تقدمه من مال أو ذبائح كما في النذورات وأعياد القديسين. ويذكر كل عمل بر تعمله بالآخرين.
وأيضًا يذكر الذبائح الروحية...
كما يقول المرتل في المزمور (فلتستقم صلاتي كالبخور قدامك. وليكن رفع يدي ذبيحة مسائية) (مز 140) ومن الجائز أن تكون ذبائحك ومحرقاتك هي نفسك بالذات، كما يقول الرسول (أطلب إليكم أيها الإخوة... أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة، مرضية عند الله عبادتكم العقلية) (رو 12: 1).
وفي الذبائح الروحية يقول الكتاب (الذبيحة لله روح منسحق) (مز50).
يذكر الله جميع ذبائحك، روحية أو مادية، أو بالنية.
فكما يذكر صلواتك (من الذبائح الروحية)، وعشورك ونذورك (من الذبائح المادية)، يذكر؟ أيضًا حتى نيتك المقدسة ورغبتك في العطاء. ولهذا يصلي الكاهن في أوشية القرابين من أجل أن يذكر الله: (أصحاب القليل، وأصحاب الكثير، الخفيات والظاهرات) وماذا أيضًا؟ يقول للرب: (والذين يريدون أن يقدموا لك، وليس لهم)..
أما أنت، فحينما تصل إلى هذه العبارة من المزمور:
فلتنسحق نفسك، وقُل: أين هي يا رب ذبائحي ومحرقاتي؟
أنا لم أقدم لك شيئًا حتى الآن... أبونا إبراهيم قدم ابنه الوحيد، والأرملة قدمت من أعوازها. وأنا ماذا قدمت؟ لا شيء...
حَذَار من أن تذكر شيئًا، كما فعل الفريسي، لئلا يختطفه منك شيطان المجد الباطل. بل إن ورد على ذهنك شيء قدمته، قُلْ للرب: وهذا ليس من عندي، إنما (من يدك أعطيناك) والكل لله، منك واليك.
هنا ونذكر عبارة جميلة في المزمور لها عمقها، وهي: يستسمن محرقاتك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/the-lord-answer-you/remember-all-your-offerings.html
تقصير الرابط:
tak.la/8rccdfg