نشكره أولًا لأنه سترنا. ما معنى أنه سترنا؟ أي أنه لم يفضحنا، ولم يكشفنا أمام الناس، لم يظهر عيوبنا أمام كل أحد. هنا نبدأ معترفين أننا خطاه نحتاج إلى ستر.
إن الناس لو عرفوا شيئًا بسيطًا عن عيوبنا، لاحتقرونا وأتعبونا وسخروا بنا. فكم بالأولى لو عرف الناس جميع أفكارنا، وجميع تدابيرنا الخفية، وجميع شهواتنا وخطايانا، التي نعملها ولا يعرف بها أحد!!
أحيانًا يرتكب إنسان خطأ، ويخاف جدًا أن يعرفه شخص آخر، ويخجل من ذلك إلى أبعد حد. ويفكر يا ترى هل عرفت فلان أم لم يعرف؟ وإن كان الخبر لم يصل له يقول: "أشكرك يا رب لأنك سترت هذه الغلطة، ولم تجعلها مكشوفة".
فكم بالأولى الله الذي سترنا في كل شيء. هو يرى كل عيوبنا، ويصمت ويحتملنا. أم الناس فإنهم لو عرفوا عيوبنا لا يرحمونا. حقًا "أقع في يد الله ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة" (2صم14:24).
الله يرى كل العيوب، مع أنه قدوس، لا تتفق الخطية مع طبيعته. ومع ذلك فهذا القدوس الذي لا حدود لقداسته يرى كل الخطايا، ويسكب. لكن الإنسان الخاطئ -الذي يقع هو أيضًا في الخطيئة- لو رأى خطايا الناس، لا يسكت. ولو رأى ولو حتى 1/1000 من خطايانا لا يرحم!
لذلك نحن نشكر الله لأنه سترنا "ليس خفي إلا ويُعرف ولا مكتوم إلا ويُستعلن" (متى26:10). ومع ذلك لم يشأ الله أن يعرف الناس بخطايانا، ولا أعملها للآخرين، ومازال يستره.
حتى في خطايانا التي نعترف بها، من حنو الله العظيم، قال إن الاعتراف بالخطايا يكون سرًا على شخص واحد فقط، وهذا الشخص مقيد بقوانين كنسية لا تسمح له أن يقول حرفًا منها حتى لو ذبحوه لا يبوح به. ما أعجبك يا رب. إلى هذه الدرجة تخبئ خطايانا وتحجبها وتسترها؟!
وكأنه يقول: حينما تعترفون بخطاياكم، نلقى عليها سترًا فلا تظهر. وأنا قابل هذا الاعتراف البسيط الذي يعرفه شخص واحد لذلك نحن نشكره لأنه سترنا.
إنه يعرف أننا لا نحتمل الانكشاف والفضائح، فسترنا. سترنا أمام الأعداء الذين يشمتون بنا، سترنا ونحن نكسر وصاياه ونجدف عليه.
عندما نتذكر هذا، ونشكر الله على الستر والتغطية، ينبغي أن يجول بفكرنا ما نكشفه من خطايا الناس...
وكيف أننا نكشف ونعلن خطايا أخوتنا وخطايا كل أحد!!
الكتاب المقدس يقول "الكيل الذي به تكيلون، يكال لكم ويزداد" (مر24:4). إذا كنت تريد أن الله يسترك، خبئ أنت أيضًا خطايا أخيك الإنسان. الله يستر وهو قدوس، أفلا يليق أن تستر خطايا؟ أخيك وأنت خاطئ مثله؟ لأنك لو كشفت خطايا الآخرين تكون في خطر أن يكشف الله خطاياك. والمثل يقول:
"مَنْ كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة"، فنحن أناس كلنا عيوب، وربنا يسترها عن أعين الناس، فلنشكره على ذلك. وبدورنا نحن أيضًا يجب أن نستر على خطايا الناس. يوحنا ذهبي الفم يقول "أن كنت لا تستطيع أن تأخذ خطيئة غيرك وتنسبها إلى نفسك، وتحتمل الذنب بالنيابة عنه، وتضحي بذاتك من أجل خطيته، فعلى الأقل اصمت ولا تكشف خطايا الناس".
"إن كنت لا تستطيع أن تسد فم الذي يتكلم على أخيه بالسوء، فعلى الأقل سد فمك أنت، ولا تتكلم على أخيك بالشر"..
يقول المزمور "يا رب من يسكن في مسكنك أو من يصعد إلى جبل قدسك إلا السالك بلا عيب، الفاعل البر، الذي يتكلم بالحق في قلبه، ولا يغش بلسانه، ولا يفعل بقريبه سوءًا، ولا يقبل عارًا على جيرانه." (مز15). إذن مجرد قبول العار على جيرانه، مجرد سماع كلمة إساءة عليهم، أمر رديء. فإذا فعل ذلك أحد أمامك، قل له "نشكر الله لأنه سترنا... فمثلما سترنا، يجب علينا نحن أن نستر الناس الآخرين".
آدم حاول أن يستر نفسه بأوراق التين ولم تنفع. لم تستطع أوراق التين ولا أغصان الشجر أن تخفيه. ظل عريانًا "اختبأت". إنك لم تعرف أن تستر نفسك يا آدم، ولا حواء أيضًا... أعرف إذن أن الله هو الذي يسترنا. نشكره لأنه سترنا.
الله عجيب بشكل لا يوصف، نحن نعتدي عليه ونكسر وصاياه، وهو يخبئ ويستر! أما نحن فدائمًا نشتكى ونتذمر، وفي الشكوى والتذمر نكشف خطايا الناس وعيوبهم وضعفاتهم، ولا نحتمل...
شخص مثل أيوب الصديق، قطعًا كانت له ضعفاته وأخطاؤه، لأن "الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (مز 14). كان شيطان المجد الباطل يزحف قليلًا قليلًا إلى قلب أيوب. ومع ذلك لما وقف الشيطان أمام الله، قال له الرب "هل جعلت قلبك على عبدي أيوب. رجل كامل ومستقيم ويفعل الخير ويحيد عن الشر وليس مثله" (أي 8:1).
إلى هذه الدرجة؟ أنت تعلم كل شيء، تعرف المجد الباطل الذي يزحف إلى قلب أيوب، وعارف أنه "بار في عيني نفسه" (أي 1:32) وعارف أن قلبه منتفخ بالغنى والثروة والبنين والقوة المحيطة به (أي 29). ومع ذلك تقول عبدي أيوب ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم، ويفعل الخير ويتقى الله ويحيد عن الشر؟! ما أرحمك يا رب كم تستر كثرة من الخطايا؟!
وبعد ذلك نرى أيوب قد شقَّ ثيابه وجَزَّ شعره، وقال "الرب أعطى، الرب أخذ". والرب لم يؤاخذه على جز الشعر وشق الثياب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وفي أول مقابلة له مع الشيطان بعد ذلك. قال له "هل وضعت قلبك على عبدي أيوب لأنه ليس مثله في الأرض، رجل كامل ومستقيم" (أي 3:2).
ونحن نسأل: أيمكن أن يكون كاملًا وقد جزَّ شعر رأسه؟ ويجيب الرب نستر ونغطي.
هذا هو أسلوب الله، أما نحن فإذا عرفنا غلطة عن واحد، ننشرها في كل مكان... ننسى الله الذي سترنا، ونخبر حتى تراب الأرض بما حدث، وكلما نقابل أحد نقول له: أم تسمع؟ أم لم تعرف. ألم تدر ما جرى؟ لم تر ما حدث؟ وما أكثر الكلام... وبعد هذا الكلام كله، نقول فلنشكر صانع الخيرات لأنه سترنا!!
عجبًا مادام قد ستر، أستر أنت أيضًا. نحن نريد أن يكون الستر لنا فقط. نكون نحن مستورين، ويكون غيرنا مكشوفين. الستر لنا نحن فقط، أين الآية التي تقول: "تحب قريبك كنفسك". أنت لا تحب أن نفسك تبقى مكشوفة. فكذلك لا يصح أن يكون مكشوفًا هو أيضًا.
فلنشكر صانع الخيرات لأنه سترنا.
إذا كنت يا أخي بدون عيوب تحتاج إلى ستر، يمكن يكون لك حق أن تكشف غيرك. أما إذا كنت أنت نفسك تحتاج إلى تتغطى وتستتر، فعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به...
عملية الغفران هي عملية تغطية، عملية ستر، الله تأخذ خطيتنا، ويلقى سترًا عليها، ويغطى عليها. وهذه هي الكفارة أي التغطية.
والكافر في اللغة العربية هو الشخص الذي يغطي نعمة الله فلا تظهر. وكانوا في الأدب العربي القديم قبل الإسلام يطلقون كلمة "كافر" على الفلاح الذي يضع البذرة في الأرض ويغطيها. فلما أتى الإسلام حددها في معناها الحالي. حتى أن كلمة cover بالإنجليزية تعطي نفس المعنى، أي يغطي.
وكون أن الله يكفر عن خطايانا، معناها أن الله يضع على خطيتنا دمه الفادي، فتتغطى بالدم ولا تظهر لأحد، ولا حتى أمام العدل الإلهي...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/thanksgiving-psalm-50/covered-us.html
تقصير الرابط:
tak.la/byb7g6g