فكلما كان المسروق فقيرًا ومحتاجًا، كانت الخطية أعظم. لذلك كانت خطية بشعة جدا أن يسلب أحد مال اليتيم أو الأرملة مثلًا. ولهذا وبخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين قائلًا: «ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل. لذلك تأخذون دينونة أعظم» (مت 23: 14؛ مر 12: 40).
ولا يُقَاس ثقل السرقة بمقدار قيمة الشيء المسروق، وإنما بمقدار أهميته للشخص الذي سرق منه... كالذي يسرق إبرة الخياط، أو فرشة الرسام... ما قيمة الأبرة أو الفرشة؟ قد لا تساوي شيئا، ولكنها ذات قيمة حيوية لصاحبها، وقد يتعطل عمله أو رزقه بسببها...
وقد لا يكون للشيء المسروق قيمة في ذاته، ولكنه يمثل لصاحبه ذكرى عزيزة أو أهمية خاصة بحيث أن فقده يحدث في قلبه ألمًا عميقًا، ومن الصعب أن يعوضه بغيره.
والسرقة من إنسان محتاج تدل على عدم حساسية في قلب السارِق، مثال ذلك من يأخذ ربا أو رهنًا من إنسان لا يجد قوته الضروري، فكأنه يسلبه طعامه وطعام أولاده... إن هذا الفقير لولا عوزه، ما كان يلجأ إلى القرض أو الرهن. فهل يليق. بدلًا من مساعدته بروح المحبة. أن يقرضه إنسان بالربا؟!
إن هذا الربا هو سرقة خالية من الرحمة، لذلك حرمه الرب كما حرم رهن الضروریات، فقال: «إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك، لا تضع عليها ربا. إن إرتهنت ثوب صاحبك، فإلى غروب الشمس ترده له، لأنه وحده غطاؤه، هو ثوبه لجلده، فيكون إذا صرخ إلىَّ إني أسمع لأني رؤوف» (خر 22: 20-27).
وقال أيضًا: «وإذا إفتقر أخوك وقصرت يده عندك، فأعضده غريبًا أو مستوطنًا يعيش معك. لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة، بل إخش الرب إلهك فيعيش أخوك معك. فضتك لا تعطه بالربا. وطعامك لا تعط بالمرابحة..» (لا 25: 35- 37).
وقال أيضًا: «لا تقرض أخاك بربا: ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شیء ما ما يقرض بربا» (تث 23: 19).
إن المال الزائد الذي يأخذه مراب من إنسان فقير، هو سلب لحاجياته الضرورية.
وهو غير الربا الذي تدفعه البنوك والمصارف التي تتاجر بمال المودعين وتقيم مشروعات إقتصادية وتربح ثم تشركهم في ربحها... لأنهم شركاء في رأس المال.
إن كان هذا الربا الذي يؤخذ من الفقير يعتبر سرقة وسلبًا، على الرغم من أن غير الرحومين يسبغون عليه صفة شرعية، فماذا نقول إذن عن بشاعة السرقة الواضحة التي فيها ينقب لص بيت أرملة أو فقير محتاج؟!
وإن كنا قد تكلمنا كثيرًا عن بشاعة السرقة من الفقراء، فليس معنى هذا أن السرقة من الأغنياء حلال أو أمر ليس بذي بال!! كلا، وإنما نقول إنه إن كانت السرقة من إنسان غني له ما يفيض عن حاجته، هي جريمة وخسة، فكم بالأولى من يسرق من الفقراء والمعوزين أو من يظلمهم في رزقهم..!!
* وإن كانت السرقة من الأشخاص العاديين أمرأ بشعًا فماذا عن السرقة من الكنيسة أو من الكهنة؟
إن سرقة المقدسات شیء خطير، وسرقة الهياكل والكنائس أمر لا يتصوره عقل. لذلك نجد الكنائس في كثير من بلاد أوربا مفتوحة على الدوام، بلا حراس، بكل ما فيها. لا يتصور أحد ولا يتخيل أن آدميًا يسمح له ضميره أن يدخل إلى بيت الرب ويسرق منه شيئًا... إنها مقدسات، في بيت الله، كل من يدخله يملكه الخشوع والرهبة والرغبة في التوبة.
لذلك ماذا نقول عمن يسرق من الكنيسة شمعًا أو كتبًا أو لفائف أو ما شاكل ذلك؟ لا عذر له إن قال أنه يأخذ شيئًا كبركة! فالبركة لا تأتي بالسرقة...
بل ماذا يمكن أن يقال فيمن يسرق من مال الكنيسة أو أوقافها، وبيوتًا، ويستبيحه لنفسه ولبيته؟! وهو مال الله، ومال الفقراء ومال مقدس...
بل ماذا نقول عمن يسرقون أجساد القديسين وعظامهم وذخائرهم، وينقلونها خلسة إلى كنائسهم أو إلى بلادهم بحجة البركة..؟! إن جسد مار مرقس كان قد سُرق في القرن التاسع، والذين سرقوه برروا عملهم أمام ضمائرهم بأنهم أخذوه على سبيل البركة..! ما أكثر ما سرق من مخطوطات الأديرة والكنائس القديمة باسم حب العلم والمعرفة... إنها أعذار، ولكنها لا تبرر...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* وأبشع من الكل، ماذا يقال فيمَنْ يسرق من الله ذاته؟
والإنسان يسرق من الله عن طريق تقصيره في دفع العشور والبكور والنذور، وقد شرح هذا الأمر في سفر ملاخي النبي حيث قيل:
«إرجعوا إلى أرجع إليكم، قال رب الجنود، فقلتم بماذا نرجع؟ أيسلب الإنسان الله؟ فإنكم سلبتموني. فقلتم بم سلبناك؟ في العشور والتقدمة... هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام، وجربوني بهذا قال رب الجنود» (ملا 3: 1-7).
هذا المال الذي نسلبه من الله، والذي يخص الفقراء ونحفظه لأنفسنا ولا نعطيه لأصحابه الفقراء، هو مال الظلم الذي قال عنه الرب: «اصنعوا لكم أصدقاء من مال الظلم» (لو 16: 9). أي المال الذي نستبقيه في جيوبنا ونحن. لا نملكه، بل يملكه الفقراء الذين ظلمناهم ولم نعطهم إياه وهو من حقهم. لذلك فهو مال ظلم يجب أن نرجعه لأصحابه، فنكسب أصدقاء يصلون من أجلنا...
وكما نسرق من الله مال الكنيسة ومال الفقراء، نسرق منه الوقت أيضًا...
إن لله وقتًا من حياتنا، نسلبه إياه ونقضيه في مشاغل أخرى. ومن أمثلة ذلك:
أ. يوم الرب: للرب يوم في الأسبوع، ملكه هو وليس ملكنا نحن، ليس من حقنا أن نستغله كيفما نشاء. هو مكرس لخدمة الرب وعبادته. فإن قضيناه في غير ذلك، نكون قد سرقنا من الرب يومه.
نقطة أخرى. وهي أن الدولة هنا في مصر تمنح غالبية الموظفين المسيحيين عطلة ساعتين في صباح كل أحد [من الثامنة حتى العاشرة صباحا] الحكمة في هذا أن تعطى لهم فرصة لحضور القداس الإلهي. فإن كان الموظف المسيحي لا يذهب إلى الكنيسة في صباح الأحد، ويقضى هاتين الساعتين حسبما يريد في بيته أو في أي عمل يروقه، فإنه يكون قد سرق وقت الرب المخصص له.
ب. وقت العبادة: وكما أن للرب يوما كل أسبوع، كذلك له أوقات في كل يوم ينبغي أن تخصص للصلاة والتأمل والمطانيات، ولقراءة الكتاب المقدس والكتب الدينية، ولحضور الاجتماعات الدينية، وللخدمة. فإن كانت مشاغل العالم تبتلع حياتنا، فلا تبقى لنا فرصة للعبادة، نكون قد سلبنا الله وقته. وكما أن لله البكور من أموالنا، كذلك له بكور وقتنا أيضًا. ولهذا قال المرتل: «يا الله أنت إلهي، إليك أبكر، عطشت نفسي إليك» (مز 63: 1). وقال الله: «الذين يبكرون إلى يجدونني» (أم 8: 17). فإن كنا نبدأ صباح كل يوم بغير الله، وننشغل بغير عبادته، نكون قد سلبناه بكوره في الوقت...
ج. مواسم الرب وأعياده: لله أوقات أخرى ينبغي أن تخصص له في مواسم معينة: مثل أسبوع الآلام الذي كان ينقطع فيه آباؤنا للصلاة والألحان والقراءة في الكنيسة، ومثل سهرات كيهك التي كانت تخصص للتسابيح والمدائح ومثل الأعياد وسائر الأيام المقدسة. وكل هذه ينبغي أن نتفرغ فيها للرب، ولا نسلبه وقته...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-7-10/who-are-you-stealing-from.html
تقصير الرابط:
tak.la/2b27cr4