* إن السرقة ليست هي بصفة عامة أخذ مال الغير. فإن تلاميذ الرب -لما جاعوا۔ قطفوا السنابل من الحقل، ولم يوبخهم أحد على ذلك. وإنما كان إنتقاد الفريسيين عليهم مركزًا في نقطة واحدة، وهي أنهم فعلوا ذلك في يوم سبت (مت 12: 1، 2). فكون إنسان جائع يفرك بعض السنابل في الطريق ويأكلها، كان أمرًا مسموحًا به. وفي ذلك تقول الشريعة: «إذا دخلت كرم صاحبك، فكل عنبأ حسب شهوة نفسك، شبعتك. ولكن في وعائك لا تجعل. إذا دخلت زرع صاحبك، فأقطف سنابل بيدك، ولكن منجلًا لا ترفع على زرع صاحبك» (تث 23: 24).
السرقة إذن ليست هي أخذ مال الغير، وإنما هي سلب مال الغير. فأخذ مال الغير برضاه أو بسماحه أو بجوده، ليس سرقة...
* وقد تحدث السرقة في الخفاء، دون علم المسروق، كما يفعل المختلسون، كيهوذا الذي كان يأخذ من الصندوق خفية دون علم التلاميذ (یو 12: 6)، وكما ينقب السارقون ويسرقون (مت 6: 19)، في غيبة أصحابهم، أو نومهم.
ولكن إن كانت بينك وبين صديق محبة كبيرة وخلطة ودالة، واحتجت إلى شيء من أشيائه وأخذته، وهو لا يمانع مطلقًا في ذلك لو كان حاضرًا، فهذا لا يعد سرقة، على شرط أن تبلغه بأنك أخذت ذلك الشيء وتستسمحه فيه.
* وتحت بند عدم العلم، تدخل أيضًا أنواع السرقة التي تحدث عن طريق الخداع، أو الاحتيال. أو التزوير، وما أشبه.
ففي هذا كله لا يكون المسروق على علم بحقيقة الأمر من جهة ما يؤخذ منه. وفي هذه الأنواع تضاف إلى السرقة خطية أخرى هي الكذب...
* ولكن قد تحدث السرقة أيضًا علنًا، أمام عيني المسروق وتحت سمعه وبصره، ولكن بدون رضاه: كالإستيلاء على مال الغير بالقوة، بالقهر أو بالاغتصاب، أو ما يسمونه: (السرقة بالإكراه)، مثلا يعمل الخاطفون وقاطعوا الطريق وقراصنة السفن... هؤلاء الذين قد تمتزج سرقتهم أحيانًا بالإيذاء...
* والسرقة لا تقتصر فقط على عامل الأخذ، وإنما يدخل فيها أيضًا عامل الإتلاف. والذي يتلف لأحد شيئًا، إنما يكون قد ضيع شيئًا من ماله. ويدخل هذا تحت عنوان السرقة، وبخاصة إن كان الإتلاف متعمدًا، وفي هذه الحالة تنضم إلى السرقة خطية أخرى هي عدم المحبة. وعلى العموم ينبغي للشخص الذي أتلف لأحد شيئا أن يصلحه له أو يعوضه عنه.
والإتلاف المتعمد حالة أبشع. فالسارق قد يستفيد شيئًا ماديًا من وراء سرقته، أما الذي يتلف ما يملكه غيره، عن عمد، فهذا لا يقصد شيئًا سوى إشباع الحقد...
ويدخل في هذا البند أيضًا إتلاف الملكية العامة كالمظاهرات التي تحطم مصابيح الطرق مثلًا أو الأشجار أو عربات المواصلات. هذه تعتبر أيضًا سرقة ولكن لأموال الدولة أو لممتلكات الشعب.
* والسرقة على العموم هي عدم إحترام لحقوق الغير وملكيته.
* والسرقة تدل على خسة نفس السارق وعدم أمانته... إنها تحطم شخصيته في نظر الناس، وتدعوهم إلى الإحتراس منه، وإلى إحتقاره، وعدم الخلطة به... بل تجعل السارق ذاته حقيرًا في عيني نفسه.
ولكن لا يجوز أن ننظر إليها بهذه النظرة في حالة الأطفال الصغار الذين لا يستطيعون أن يميزوا الملكية الخاصة أو حقوق الغير وإنما يرون كل شيء أمامهم مشاعًا يأخذون منه ببساطة دون شعور باثم. وقد يأخذ الطفل شيئًا ليس له، ويعمل ذلك خفية، ولكن ليس عن شعور بالسرقة، وإنما خوفًا من أن يؤخذ منه...
ولكن بمرور الوقت، وبعامل النمو، النمو العقلي والنفسي والتربوي، يبدأ الطفل في إدراك معنى الملكية الخاصة وإحترام حقوق الغير، وإن أخذ ما لغيره يحس وخزًا في ضميره ويشعر بالخطأ. وعندئذ يعتبر علمه سرقة...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* والسرقة قد تكون أحيانًا نوعًا من المرض، مجرد مرض نفسي. يحتاج مثل هذا المرض إلى علاج لا إلى عقاب. وفي حالة هذا المرض نجد أن السارق قد يأخذ أشياء لا يحتاج إليها مطلقًا، أو لا يعرف كيف ينتفع بها. وإنما يجد لذة في الإحتفاظ بها، ولذة في أخذها من غيره. وقد يكون مدفوعًا إلى السرقة بعوامل داخلية فوق إرادته، وقد يبكي أحيانًا لأنه يفعل هذا، ولكنه لا يستطيع أن يقاوم نفسه.
يحتاج مثل هذا إلى علاج، وإلى البحث عن أسباب مرضه وجذورها في نفسه وفي تاريخ حياته وبيئته وأسلوب تربيته.
إن المال الحرام الذي يحصل عليه السارق كفيل بأن يضيع المال الحلال الموجود معه من قبل. وعلى رأي المثل (الحرام يأخذ الحلال ويضيعه). إن السرقة نار للسارق نفسه، تتلف ما معه. إنه مثل إنسان تناول طعامًا فاسدًا: فما أن نزل هذا الطعام إلى جوفه، حتى تقيأ كل ما في داخله من جيد ورديء...
ما أجمل أن يعيش الناس معه بالأمانة، في ثقة متبادلة واطمئنان: يترك الإنسان أي شيء له في أي مكان، فيجده حيث هو. ويترك بيته مفتوحًا، فلا يأخذ أحد منه شيئًا... وإن نسي خطاباته أو أسراره في موضع، يكون مطمئنًا أنه لن يسمح أحد لنفسه بأن يطلع على شيء منها...
* وقد كانت السرقة تعتبر خسة وكانت محتقرة ومكروهة من الناس، حق قبل الشريعة، قبل أن يقول الله: «لا تسرق». وهذا يدل على أن الإنسان بطبعه، بحكم ضميره، ينفر من هذا الأمر.
عندما لحق لابان بيعقوب واتهمه قائلًا: «لماذا سرقت آلهتي؟» (يقصد أصنامه)، شعر يعقوب ببشاعة التهمة وأجابه: «الذي تجد آلهتك معه لا يعيش» (تك 31: 30، 32). وهكذا حكم على السارق بالموت، وبأنه لا يستحق الحياة، وذلك قبل الشريعة. ومثل هذا الحكم نفسه نجده في قصة يوسف مع أخوته. فعندما اتهم أخوة يوسف بسرقة كأسه، إشمئزوا من التهمة جدا، وأجابوا في أنفة وعزة نفس: «لماذا يتكلم سیدی مثل هذا الكلام؟! حاشا لعبيدك أن يفعلوا مثل هذا الأمر... الذي يوجد معه من عبيدك يموت..» (تك 44: 7-9).
* إن السرقة خطيئة تخجل من ذاتها، لذلك تعمل في الظلام، صاحبها يشمئز منها ويتبرأ، ويحاول أن ينفيها عن نفسه. ولذلك نقول:.
«إن سار شیطان السرقة في طريق، يقول له شيطان الكذب: خذني معك».
من الصعب أن نجد سارقًا لا يكذب ليغطى سرقته، وقد يكذب لكي يتمكن من اتمام السرقة. قد يكذب أثناء السرقة أو قبلها، لكي يخدع المسروق ويتمكن من سرقته، كما في حالة الغش في التجارة. أو يكذب على من يراقبه أو من يشك فيه.
وما دامت السرقة تلجأ إلى الكذب، فيجب على آباء الاعتراف أن بلتفتوا إلى هذه النقطة جيدًا. فمن يعترف بخطية سرقة، يجب أن يسألوه أيضًا عن علاقته بالكذب.
وتزداد خطية السرقة ثقلًا بعاملين:
1- مقدار الضرر الذي يحدث للمسروق.
2- شخصية المسروق ذاتها، وبخاصة لو كان المسروق فقيرًا ومحتاجًا، أو لو كان المسروق مقدسًا. لذلك علينا أن نسأل: ممن تسرق؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-7-10/theft.html
تقصير الرابط:
tak.la/9wqpvbk