كل خطية نخطئ بها إلي إنسان، إنما نسئ بها إليه في شيء معين منه. أما بالقتل فنقضي على الإنسان كله وننهي حياته الأرضية. إنها خطيئة تمس حياة الإنسان نفسه. وخطورتها أن حياة الإنسان ليست ملكه، وإنما ملك الله، وهو الذي بيده المصائر. ولا يستطيع إنسان أن يأخذ موضع الله ويتصرف في مصائر الناس. ويمسك بيده مفاتيح الحياة والموت.
وأيضًا خطيئة القتل لها خطورتها لأنها عمل لا يمكن أن يعالج ولا يمكن أن يرد. من الجائز أن تعوض إنسانًا عن خسائر سببتها له، ومن الجائز أن تعتذر إلي إنسان عن إهاتة جرحته بها، ويمكنك أن ترد إليه كرامته وإعتباره. أما قتل الإنسان فلا يمكن أن يعالج. ولا يستطيع أن ترد إليه الحياة التي سلبتها منه.
وتزداد الخطية خطورة إذا قتلت إنسانًا أنهيت حياته قبل أن يتوب، ولم تعد له فرصة يستعد فيها لأبديته. فتكون قد قتلته روحًا وجسدًا، الآن وإلي الأبد، والقيت به إلي الجحيم... أي شر هذا..؟!
يُضَاف إلي هذا أن القاتل في نفس الوقت يكون قد قتل نفسه شخصيًا لارتكاب خطية تؤدي إلي هلاكه هو.
هذا عن قتل الخطاة. أما قتل شخص بار فإنه خطر أيضًا جدًا، لأن معناه منع النفع الذي كان يأتي منه كعضو في المجتمع. لذلك كلما كان المقتول نافعًا، زادت المسئولية فيه. فقتل إنسان هو جريمة. وحرمان المجتمع من نفع عام يصدر عن شخص بار، هو جريمة أخرى غير جريمة القتل تتسع بقدر عدد المنتفعين منه، وبقدر عمق الفائدة التي تصدر عنه.
لذلك كان قتل الأنبياء والمرسلين هو جريمة كبيرة، وهكذا وبخ السيد المسيح أورشليم "قاتلة الأنبياء وراجِمَة المُرْسَلين إليها" قائلًا لأهلها: "يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلي دم زكريا بن براخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح" (مت 23: 35، 37). إن عبارة "كل دم ذكي" تظهر لنا خطورة سفك الدم الذكي.
عندما قتل هابيل البار، قال الرب لقايين: "صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض" (تك 4: 10). إن هابيل لم يشتك، ولكن العدل الإلهي وقف يطلب حقوقه. لأن الله لا يترك دمًا يسفك دون أن ينتقم له.
ما أعجب الرب الإله! لم ينتقم لدم هابيل البار، بل حتى لدم قايين الشرير القاتِل. فعندما قال له قايين: "إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض فيكون كل من وجدني يقتلني" قال له الرب: "لذلك كل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الرب لقايين علامة لكي لا يقتله كل من وجده" (تك 4: 14، 15).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
نقول هذا لئلا يظن البعض أنه إذا قتل إنسان شريرًا فلا خطيئة عليه!! كلا، فالقتل عمومًا خطيئة خطيرة سواء أكان المقتول بارًا أم شريرًا. ولكن قتل البار أفظع وأشنع إذ لا يوجد سبب لقتله وفيه تنضم إلي خطيئة القتل خطيئة الظلم، وخطيئة حرمان المجتمع من نفع هذا البار، وخطيئة عدم إحترام القديسين وعدم الخوف من إلههم...
إن الله لا يترك الدم بدون نقمة. حتى الأبرار الذين قتلوا غيرهم، الرب إنتقم منهم. داود النبي لم يعفه الرب من عقوبة جريمة القتل، فمنعه من بناء الهيكل. ولم يسمح له بذلك الشرف العظيم، لأن يديه تلوثتا بالدم من قبل. وقد ذكر داود هذا الأمر عندما قال: "فكان إلي كلام الرب: قد سفكت دمًا كثيرًا. وعملت حروبًا عظيمة، فلا تبني بيتًا لاسمي، لأنك سفكت دماء كثيرة على الأرض أمامي" (1 أي 22: 8).
هكذا فعل الرب مع داود الذي كان يحبه الرب والذي قال عنه: "فحصت قلب داود فوجدته حسب قلبي"، والذي كان يتشفع به سليمان قائلًا: "من أجل داود عبدك لا ترد وجهك عن مسيحك"، والذي من أجله كان يصنع الرب مراحم كثيرة قائلًا في كل منها: "من أجل داود عبدي". ولكنه بسبب الدم منع من بناء الهيكل، وبناه سليمان الذي كان عهده عهد سلام.
ولم يكتف الرب بهذا وإنما جعل الدم أيضًا في بيت داود، وقامت بينه وبين ابنه ابشالوم حرب كبيرة سفكت فيها دماء كثيرة.
إن الله ينتقم للمقتولين. لذلك فالذين ينتقمون لقتلاهم إنما هم يتعجلون الأمور ويضعون على أنفسهم ثقلًا لا داع له. "لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12: 19). فالله لا يترك دم القتيل بدون إنتقام. حتى الشهداء وعدهم الله بإنه سينتقم لدمائهم عندما يكمل إخوتهم الذين على الأرض جهادهم (رؤ 6: 10)..
هناك أشخاص مساكين يحاولون أن يبرروا ذاتهم من الدم الذي يلاحقهم! مثل بيلاطس الذي ظل يغسل يديه دون أن يترك الدم يديه. مهما حاول تبرير ذاته قائلًا: "أنا بريء من دم هذا البار" فإن دم ذلك البار ظل لاصقًا به إلي الأبد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f4jmmbx