أول كل شيء، أن الله يكشف لنا ذاته "أنا الرب إلهك" كثيرًا ما كان الله يظهر للناس، ويكشف لهم ذاته. ظهر مثلًا لموسى النبي وقال له: "أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب" (خر 3: 6). وهنا أيضًا يعلن ذاته للشعب: "أنا الرب إلهك". ولكن أي شيء في ذاته يعلنه للناس؟
لم يقل: "أنا الرب إلهك الذي خلق السموات والأرض، الذي خلق النور والإنسان والحيوان والنبات" ولم يقل: "أنا الرب إلهك غير المحدود وغير المدرك..". وإنما قال: "أنا الرب إلهك الذي احسن إليك. وإحسانه قريب، هل نسيت؟ أنا الذي أخرجك من بيت العبودية. هل تنسي فضل الله عليك؟ هل تنسي معونته ومساعداته لك من مدة قريبة؟
إن الله يذكرنا باحساناته إلينا، حتى نتذكر محبته لنا وحنوه وعطفه. فنحبه مثلما أحبنا، ونبادله عاطفة بعاطفة...
إن الله ما يزال يهمس في أذن كل واحد منا، ويقول هذا الكلام عينه: أنا الرب إلهك الذي شفيتك من المرض الفلاني وأقمتك من العملية الفلانية. أنا الرب إلهك الذي كان سبب نجاحك هذا العام. أنا الرب إلهك الذي أنقذك من المشكلة الفلانية، الذي ستر عليك وغطاك ولم يكشفك. أنا الرب إلهك الذي عما معك، وعمل، وعمل... أتراك تنسي كل هذا وتنساني؟!
إن الله يذكرنا باحساناته، لأننا فعلًا في كل مرة ننسى.
إننا نذكر الله قبل إحسانه إلينا، عندما نطلب إليه أن يعمل عملًا لأجلنا، ولكن بعد أن يعمل ننساه. نذكره في الأول. ولكن ليس في الآخر. لذلك هو يقول لكل واحد منا: أنا الرب إلهك، الذي أخرجك من بيت العبودية. هل نسيت الأوقات التي كنت مذلولًا ومستعبدًا ومسبيًا؟ أنسيت كل هذا..؟
فما دام الله يذكرنا بهذه الأمور، ليتنا نذكرها من تلقاء أنفسنا.
ما أجمل أن ينحني الواحد منا أمام الله، يقول له: "أيها الرب الإله. أنت إلهي. أنت عملت معي كذا وكذا... أنا مديون لك بكل نفس من انفاسي، أنا مديون لك بحياتي، مديون لك بوجودي، ببقائي، بكل إحساناتك التي لا تحصى".
نعم اجلس يا أخي إلي نفسك وتذكر، وتأمل احسانات الله إليك، ثم إركع أمامه ونفذ الوصية الأولى. وقل له: أنت هو الرب إلهي، أنت عملت معي وعملت. أنا يا رب لا أنسي مطلقًا إحساناتك إلي. لأني إن نسيتها، تفتر محبتي لك، أما عندما أتذكرها، فإنني أخجل من خطاياي ومن تقصيري...
حسنة جدًا هذه المقدمة التي وضعها الله قبل الكلام عن الوصايا. عجيب هو الرب في كل معاملاته...
إن الله يذكرنا بأعمال محبته، قبل أن يعطينا الوصايا. حتى إذا أعطانا إياها ننظر إليها كوصايا أب حنون لأولاده الأحباء، وليس كأوامر سيد ذي سلطان يفرضها على عبيده...
لم يطلب إلينا أن نعبده لكي يحسن إلينا، وإنما لأنه أحسن إلينا من قبل، ونحن ما نزال في خطايانا.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
إن كان الأمر هكذا، فما هي الوصية الأولى إذن؟
ما وراء عبارة "أنا الرب إلهك"..
إن عبارة "أنا الرب إلهك" تستلزم العبادة، "لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (مت 4: 10). كما قال يشوع "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش 24: 15).
وهذه العبادة تشمل: الصلاة والذهاب إلي بيت الرب، وقراءة كتب الله والتأمل فيها، والصوم، والمطانيات... والذي يهمل هذه الأمور وما يشبهها، تقف أمامه هذه الآية: "أنا الرب إلهك"، وتبكته. إن للرب حقوقًا عليك، فهل قمت بها. إن تأديتك لواجبات العبادة، ليست هي فرضًا، تعمله متغصبًا، وإنما هي لفائدتك. وما أجمل قول القداس الأغريغوري: "ولم تكن أنت محتاجًا إلي عبوديتى، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك". وهكذا نجد عنصرًا آخر يدخل في هذه الآية. فما هو؟
إن عبارة "أنا الرب إلهك" تحمل أيضًا معنى "الحب". إن الله لا يدعونا عبيدًا بل أحباء (يو 15: 15)، لذلك طلب إلينا عندما نصلي أن ندعوه "أبانا". ونحن نحبه -كإله- لأنه هو أحبنا أولًا (1 يو 4: 19). وهذه المحبة طلبها الله منذ البدء. وهكذا قال موسى النبي: "الرب إلهنا رب واحد. فتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث 6: 4، 5).
إن الله يريد القلب، يريد الحب، وليس مجرد العبادة الخارجية، لذلك توجه باللوم إلي شعب إسرائيل الخاطئ، وقال "يقترب إلي هذا الشعب بفمه ويكرمني بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (مت 15: 8، أش 29: 13). وهكذا حدد الرب عبادته في قوله "يا إبني أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي" (أم 23: 15).
لهذا فإن عبارة "أنا الرب إلهك" تستلزم أيضًا الخضوع والطاعة، وتستلزم أيضًا الإيمان بالله وتسليم الحياة له. ويعوزنا الوقت إن تأملنا في كل ما تحمله من معان... المهم أن ندخل في أعماقها، وننفذ مطاليبها... ثم ننتقل بعد ذلك إلي ما بعدها. فماذا يقول الرب؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-1-4/the-lord-your-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/tfzn4s7