إن العالم إله آخر، ومن يتعلق به يترك محبة الله، ويترك خدمته، وقد يترك الإيمان كله. وهكذا قال معلمنا يعقوب الرسول "إن محبة العالم عداوة لله" (يع 4: 4). وقد أسهب القديس يوحنا الحبيب في هذه النقطة فقال محذرًا لنا: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب احد العالم، فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم. والعالم يمضي وشهوته.." (1 يو 2: 15-17).
إما أن نعبد الله، وإما أن نعبد العالم وشهواته. فإن كنا نؤمن بالله حقًا، فحينئذ سنغلب العالم ولا تنتصر علينا شهواته. وفي هذا يقول يوحنا الرسول: "وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم، إيماننا" (1 يو 5: 4). أما إن تغلبت علينا شهوة العالم، فإنها حينئذ تقضي على الإيمان فينا. وما أخطر خبرة القديس بولس الرسول الذي قال: "ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر" (2 تي 4: 10).
إن الجسد والمادة والشهوات المتعلقة بهما، كلهما آلهة يعبدها الناس. والذين يسلكون في شهوات الجسد، أتراهم يعبدون الله ؟ مستحيل...
وهناك أشخاص مثلًا يعبدون الجمال الجسداني. ويصرحون بهذه العبادة في غير خجل... إنسان يحب فتاة، ويقول إنه يحبها حب عبادة!! بل قد يصل به الأمر أن يرسل إليها خطابًا يقول فيه: "معبودتي فلانة"..!! "معبودتي"..؟! يا للعار... هل تصل الأمور حقًا إلي هذه الدرجة؟! ماذا يفعل هذا المسكين أمام وصية القائلة: "لا تكن لك آلهة أخرى أمامي"..؟
بماذا يجيب عن قول الرب: "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما، مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت".. هل يقول: "لا يا رب، أنا لم أضع هذه الصورة، بل أنت الذي صنعتها"!! نعم أنا صنعتها، ولكن أنت الذي عبدتها. والمفروض أنك لا تعبد غير الله وحده، ويكون قلبك ملكًا لله لا لأحد من البشر...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
هناك أشخاص آخرون، إلههم هو الأكل أو الشرب. لا تعجبوا من هذا فقد قال الرسول عن أمثال هؤلاء: "الذين إلههم بطنهم، ومجدهم في خزيهم، الذين يفتكرون في الأرضيات" (في 3: 19). يقول عنهم أيضًا: "أذكرهم باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح"..
ألا يوجد إنسان، إلهه هو كأس ملآن؟! ألا يوجد أناس يقيمون ضجة من أجل الأكل والشرب؟! ألم يحدث لبني إسرائيل أنهم بكوا وتذمروا من أجل طلب اللحم، ومن أجل الكراث والثوم والبطيخ؟! (عد 11: 4، 5).
بل ألم يحدث أن عيسو باع البكورية بكل أمجادها من أجل أكلة عدس (تك 25: 29-34). ألم يتسبب آدم وحواء في فساد الجنس البشري وهلاكه بأكلهما من الشجرة، إذ رأتها حواء جيدة للأكل وشهية للنظر... (تك 3: 6). لذلك حسنًا أن الوصية الأولى التي أعطاها الله للإنسان كانت وصية صوم، حتى يضبط بطنه، فلا يتعبد للأكل.
إن جميع الشهوات التي تسود على الإنسان هي آلهة أخرى. كل شهوة تسيطر عليك يا أخي، هي صنم أنت تتعبد له. فإبدأ من الآن وكسر أصنامك. ادخل إلي الهيكل، هيكل الروح القدس الذي أنت هو، وطهر الهيكل من أصنامك.
إبحث ما هي الأصنام التي توجد داخلك، التي تتعبد لها، وتحبها من كل قلبك ومن كل نفسك ومن قدرتك... قد توجد شهوة في قلبك. تحطم الوصية التي تأمرك بأن "تحب الرب إلهك من كل قلبك.." (تث 6: 5). هذه الشهوة هي رب لك، لأنها سيد تخضع له. في أيام الآباء، كانوا يستشهدون رافضين أن يبخروا للأصنام. وأنت في كل يوم تبخر للأصنام... وأصنامك هي شهواتك.
وقد تكون الشهوة التي يَتَعَبَّد لها الإنسان هي منصب أو لقب أو سلطة معينة أو قنية ما يشتهي إقتناءها، وفي سبيل ذلك يبيه إلهه، ويبيع ضميره، ويتحول إلي إنسان وصولي يريد أن يصل إلي شهوته مهما كان الثمن، ناسيًا قول الرب: "لا تكن لك آلهة أخرى أمامي"..!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-1-4/desires.html
تقصير الرابط:
tak.la/jt5rb8g