على أن أخطر الأصنام جميعها، هو ذات الإنسان أو نفسه. فهو يريد باستمرار أن يمجد هذه الذات ويكبرها ويعظمها. ولا يقتصر على الأمر على عبادته لذاته، وإنما يريد الآخرين أيضًا أن يعبدوها معه. يريد أن تصبح ذاته هذه معبودًا عامًا،يحترمها الكل ويجلونها، ويرون كل الصفات الجميلة فيها. فلا بد أن تنال المديح من كل أحد، والأعجاب من كل أحد..!! ما الذي أضاع هيرودس الملك الملك، ولماذا ضربه ملاك الرب فأكله الدود ومات؟ أليس لأنه قبل التمجيد كإله. مجرد أنه صمت وقبل ساكتًا... (أع 12: 21-23).
وقد يقدر مثل هذا الشخص أن يتجرد من كل العبادات الأخرى التي ذكرناها، فينتصر على عبادة القوة والمال والجمال والسلطة والمجاملة... ولكنه لا يقدر على التخلص من عبادة ذاته.
ويصبح هذا الشخص في نظر نفسه، وكأنه لا يوجد غيره. لا يوجد أذكي منه، ولا أنبه، ولا أحسن، ولا أحكم، ولا أجمل، ولا ألطف... ولا يوجد أبدًا. نفسه في نظره هي الصورة المثالية. ولسان حاله: الكل يغلط، وأنا لا أغلط. الكل ما يفهمش، وأنا اللي أفهم، الكل لا يفهم وأنا الذي أفهم، وأنا الذي أقدر!! ولو اصطدم مع أحد، يبقى: "هو اللي غلطان، وأنا اللي صح. معقول أنا أغلط؟! مستحيل، دا كلام إيه ده؟! الناس لازم مش فاهماني... ولو سألته: "ومتى يفهمونك إذن؟"، لأجاب: "ليس مهمًا أن يفهموني. المهم أن تصرفي صح ولو لم يفهمه الناس"..
عبادة النفس هذه هي أخطر صنم، هي صورة منحوتة وقليلون هم الذين نجوا من عبادة النفس هذه. أو نادرون. وكل الخلافات التي تحدث في الدنيا، غالبًا ما تكون عبادة النفس صاحبة دور كبير فيها.
ولمعرفة السيد المسيح بخطورة هذه العبادة، قال في صراحة: "مَنْ أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه.." (مر 8: 34). وما معنى "ينكر نفسه"؟ معناها أنه يمسك بهذا الصنم -الذي هو النفس- ويحطمه، ويحوله إلي تراب ورماد...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وما الذي يجعل النفس تصطدم بالله، وتقف منافسة له؟ شيء من شيئين: إما أنها تريد أن تكبر وتنتفخ، وإما أن لها شهوات تريد أن تحققها، وشهواتها تصطدم بمشيئة الله.
عندما سقط الشيطان، من الذي أسقطه؟ اسقطته نفسه التي أرادت أن ترتقع وترتئي فوق ما ينبغي. وهكذا قال: "أصعد إلي السموات. أرفع كرسي فوق كواكب الله... أصعد فوق مرتفعات السحاب، اصير مثل العلي" (أش 14: 13، 14). إنه يريد أن يرتفع، يريد أن يصعد، يريد أن تصبح ذاته مثل الله..!! وعندما أسقط آدم وحواء، أسقطهما بنفس الإغراء: "تصيران مثل الله، عارفين الخير والشر" (تك 3).
إذا استطاع إنسان أن يحطم هذه النفس، ويصل إلي إنكار الذات، يكون قد حطم الصنم الأول الذي ينافس عبادة الله. من أجل هذا قال السيد الرب: "مَنْ يحب نفسه يهلكها. ومن يبغض نفسه في هذا العالم، يحفظها إلي حياة أبدية" (يو 12: 25).
ما معنى "مَنْ يحب نفسه يهلكها"؟ هل يوجد إنسان لا يحب نفسه؟! إن السيد المسيح عندما أراد أن يوصينا بأعظم محبة نقدمها للقريب، قال: "تحب قريبك كنفسك" (مت 22: 39). إذن فما معنى: "مَنْ يحب نفسه يهلكها"؟ معناها: الذي يجعل نفسه منافسة لله في المحبة، فيحب نفسه أكثر مما يحب الله، ويهتم بنفسه أكثر مما يهتم بالله. فهل أنت تحب نفسك هكذا أكثر من الله؟ افحص، وفتش في داخلك:
إن كنت بالليل، تبحث عن راحتك ونومك، ولا تقف للصلاة، فهل في تلك الحالة تكون محبًا لنفسك أم محبًا لله؟ وهل عندما تعطي العشور لنفسك ولا تعطيها لله، وعندما تقدم السبت لمشاغلك ولا تقدمه لله، هل تكون نفسك هي المهمة عندك أم الله؟ وهل عندما تشتهي نفسك ما يتعرض مع وصايا الله، فتنفذ لها شهواتها وتكسر الوصية، هل تكون عابدًا لله أم لشهوات نفسك... وَقِسْ على هذا المنوال...
أما عندما تشتهي نفسك شهوة ضد الوصية، وتقول لها: لا، لن أعطيك "ينبغي أن ذاك يزيد وإني أنا أنقص". عندئذ تكون كَمَنْ "يبغض نفسه".. وفي الحقيقة أنك لا تبغضها، بل تحبها المحبة الحقيقية، المحبة البعيدة عن التدليل، التي "تحفظها لحياة أبدية".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/ten-commandments-1-4/self-worship.html
تقصير الرابط:
tak.la/99mzd2p