إن الجسد هو الجهاز التنفيذي للروح أو للنفس أو للعقل. الروح تميل إلى عمل الخير، والجسد هو الذي يقوم بعمل الخير. يجري ويتعب ويشقي ويسهر ويحتمل. أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح؟! أم تتنعم الروح وحدها، وكل تعب الجسد يضيع هباء؟! وهل يتفق هذا مع عدالة الله الكلي العدالة؟!
ولنأخذ الجندي في الميدان مثالًا لنا:
الجندي تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء، وتشتعل روحه بمحبة وطنه ومواطنيه. ولكن الجسد هو الذي يتحمل العبء كله، ويدفع الثمن كله. الجسد هو الذي يتعب ويسهر ويحارب، وهو الذي يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه. فهل يعد كل هذا تتمتع الروح وحدها، والجسد لا يشترك معها في المكافأة؟! وكأنه لم ينل أرضًا ولا سماء؟! إن العدل الإلهي لا يوافق إطلاقًا على هذا. إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت، ليشترك مع الروح في أفراحها.
ونفس الوضع نذكره أيضًا في عمل الشر الذي يشترك فيه الجسد مع الروح، بل قد يكون نصيب الجسد أوفر...
الجسد هو الذي ينهمك في الملاذ المادية، من أكل وشرب وسكر ومخدرات وزني ورقص وعبث ومجون، ويلذذ حواسه باللهو. وهل بعد هذا كله، تدفع الروح الثمن وحدها في الأبدية، ولا يلحق بالجسد شيء من العذاب أو من المجازاة؟! كلا، فهذا لا يتفق مطلقًا مع العدل الإلهي، الذي لا بد أن يجازي الإنسان كله روحًا وجسدًا. إذن لا بد أن يقوم الجسد من الموت ليشترك في المجازاة. ويكون الحساب لكليهما معًا، لأنهما اشتركا في العمل معًا، سواء بدأت الروح، وأكمل الجسد. أو اشتهي الجسد، واستسلمت الروح له واشتركت معه في شهواته...
ولنضرب مثلًا واحدًا للشركة بين الروح والجسد، وهو العين:
الروح تحب أو تشفق، ويظهر الحب والإشفاق في نظرة العين. والروح تغضب أو تميل إلى الانتقام. وتري في العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام. الروح تتجه إلى الله بالصلاة، وتري في العين نظرة الابتهال، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح...
والروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة. والروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية، يشترك معها الجسد أيضًا بنظرات التكبر والغطرسة والتعالي.
وكما تشترك العين، تشترك أيضًا كل ملامح الوجه، كما تشترك دقات القلب، ومراكز المخ، وأعضاء أخرى من الجسد...
هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد...
وفي مجال الجد والاجتهاد، نرى هذا أيضًا. ويوضح هذا قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجساد
إذن تكون المكافأة في الأبدية للروح الكبيرة التي أرادت الخير وصممت على عمله، وأيضًا للجسد الذي حمل عبئ التنفيذ، وتعب وجاهد واحتمل وصبر، حتى يحقق للروح رغبتها. وهكذا كما اشترك معها في العمل، ينبغي أن يقوم ليشترك معها في الجزاء وفي حمل المسئولية. فالمجازاة هي للإنسان كله...
ونحن على الأرض أيضًا نكافئ الجسد، ونعتبر هذا أيضًا مكافأة للروح في نفس الوقت.
ألسنا نمجد أجساد الشهداء والأبرار، ونجعل مقابرهم مزارًا، ونضع عليها الورود، ونصلي هناك من أجلهم..؟ ولا نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو التراب، وإنما للإنسان كله، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لأننا فيما نفعل هذا، إنما نحيي روحه أيضًا.
فالإنسان عندنا هو الإنسان كله، غير متجزئ...
إن كان يستحق الإكرام، نكرم جسده ونحيي روحه أيضًا. وإن كان لا يستحق، ينسحب الإهمال على جسده وروحه معًا. فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن، تنال أجسادهم جزاءها. وفي نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة. وتتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم...
فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا، فكم بالحري عدالة الله...
عدالة الله تشمل الإنسان كله، روحًا وجسدًا، لذلك لابد أن يقوم الجسد الذي عاش على الأرض مشتركًا مع الروح في أعمالها. ينفعل بحالة الروح، بفكرها ومشاعرها ونباتها، الروح تقدم المهابة أو الخشوع، فينحني الجسد تلقائيًا. الروح تحزن فتبكي العين، ويظهر الحزن على ملامح الوجه وفي حركات الجسد. الروح تفرح، فتظهر الابتسامة على الوجه. الروح تخاف فيرتعش الجسد، ويظهر الخوف في ملامحه.
الروح تخجل، فيعرق الإنسان، أو يبدو الخجل في ملامحه... إنها شركة في كل شيء، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده.
إنما يتحملها الاثنان معًا، وهذا يحدث في القيامة.
إن بعض الذين ينكرون القيامة، يبدو في أسلوبهم احتقار الجسد.
على اعتبار أن الجسد هو من المادة، بينما الروح لها جوهر يسمو بما لا يقاس عن طبيعة الجسد. ولكننا نقول إنه على الرغم من أن الإنسان من طبيعتين احدهما روحية والأخرى مادية، إلا أنهما اتحدا في طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية.
والجسد ليس شرًا، وإلا ما كان قد خلقه الله...
إنما الشر هو أن يخضع الجسد للمادة وما يتعلق بها من شهوات. وفي هذا الخضوع تشترك معه الروح. لا ننسى أن الجسد له فضائله. فهو الذي يسجد في الصلاة ويركع ويرفع يديه ونظره إلى الله. وهو الذي يصوم، وهو الذي يتعب في عمل الخير، وهو الذي يبذل ذاته من أجل وطنه، وهو الذي يمد يده ليعطي للفقير وللمسكين. فلماذا ننظر إليه في إقلال لشأنه؟! أليست أصابع الفنان هي التي تتحرك على آلَة موسيقية، فتتحرك معها القلوب، ويمكنها أن تحركها نحو الخير. أليست أصابع الفنان تتحرك بالرسم أو النحت أو التصوير، فتقدم فنًا-إن أرادت-تحرك به القلوب نحو الخير...
الجسد إذن ليس شرًا في ذاته، إنما يمكن أن يعمل في مجالات الخير والشر، والروح كذلك تعمل في كليهما. ويشتركان معه.
كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضًا عما ينقصها.
فالعميان مثلًا، والمعوقون، وأصحاب العاهات، والمشوهون، وكل الذين لم تنل أجسادهم حظًا من الجمال أو الصحة أو القوة، من العدالة أن تقوم أجسادهم في اليوم الأخير، وتقوم بلا عيب، حتى يعوضها الله عما قاسته على الأرض من نقص.
كذلك الذين عاشوا على الأرض في فقر وعوز وجوع ومرض، كان له تأثيره على أجسادهم، يحتاجون أن يقوموا بأجساد سليمة تعويضهم عما نالوه على الأرض، ويتفق هذا الأمر مع عدالة الله...
إننا نفرح بالقيامة، ونراها لازمة وضرورية وممكنة.
ونهنئ الكل بعيد القيامة، الذي كانت فيه قيامة المسيح باكورة لقيامة البشر جميعًا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/resurrection/soul.html
تقصير الرابط:
tak.la/54maykm