إن رؤساء الكهنة وقادة الشعب اليهودي شاهدوا الشمس قد أظلمت في وقت الظهر، وقت صلب المسيح. ومع ذلك لم يستفيدوا. لأن قلوبهم كانت أشد ظلمة من الظلمة التي على وجه الأرض.
بل أنه بعد هذه المعجزات التي آمن بسببها اللص اليمين وقائد المئة، ذهبوا إلى بيلاطس يقولون له عن المسيح "يا سيد. قد تذكرنا أن ذلك المضل قال وهو حي إني بعد ثلاثة أيام أقوم. فمر بضبط القبر إلى اليوم الثالث، لئلا يأتي تلاميذه ويسرقوه، ويقولون للشعب أنه قام من الأموات. فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولى" (متى 27: 62-64).
وهكذا أخذوا معهم جندًا، ومضوا وضبطوا القبر بالحراس وختموا القبر. ولم يبالوا أن يفعلوا كل ذلك في يوم سبت، وهم الذين قالوا إن المسيح خاطئ، لأنه شفي المرضي في يوم سبت.
طالما تحمسوا للسبت، وعادوا المسيح بسببه. بل إنهم طلبوا كسر المصلوبين وإنزالهم، فلا تبقى الأجساد على الصليب لئلا تنجس السبت... حماس عجيب من أجل السبت!
ومع ذلك يأخذون معهم جنودًا في ليلة السبت، ويختمون القبر في ليلة السبت، ويقيمون الحراس لحراسة القبر في السبت. ولا يكون في كل ذلك خطية!!
وكأنهم قالوا في قلوبهم إذ ختموا القبر في السبت "ها قد كسرنا السبت، لكي نكسر كاسر السبت"!! أما المسيح فإنه -بينما كانوا يختمون قبره- كان قد أفرج عن المفديين من الجحيم، وفك أختام الفردوس المغلق، وأدخل فيه الراقدين على رجاء...
ما أسهل على الناس أن يلعبوا بضمائرهم كما يشاءون.
هناك أشخاص ضمائرهم مكورة تتدحرج على أي وجه أينما انزلقت رست واستقرت!! وقد كان رؤساء اليهود من ذلك النوع.
ولكن هذا الذي فعلوه كان ضدهم لا لهم، فلو لم يختموا القبر بأنفسهم، ويقيموا الحراس من قبلهم، لكان بإمكانهم أن يحتجوا فيما بعد ويقولوا عن التلاميذ سرقوا الجسد. أما الآن فقد ضبطوا القبر بالحراس وختموه، فماذا يقولون والقبر فارغ وقد قام المسيح بمجد عظيم، وخرج من القبر المختوم، كما خرج في ولادته من بطن العذراء وبتوليتها مختومة...
وبعد قيامة المسيح حدثت زلزلة عظيمة "لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر على الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه أرتعد الحارس وصاروا كأموات" (متى 27: 20-4).
فهل استفاد الحراس من هذه المعجزة العظيمة؟ وهل استفاد منها رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب؟ كلا، لقد كانت البذار المقدسة قد وقعت على أرض حجرية... صدق أبونا إبراهيم عندما قال "ولا إن قام واحد من الموتى يصدقون" (لو 16: 31).
إن كان يلتمس عذر المجند الأميين الذين لا يعلمون شيئًا عن المسيا ومجده، فماذا عن الكهنة ومعلمي الناموس، المفروض فيهم أن يكونوا حريصين على وصايا الرب وتنفيذها.
إنهم لما سمعوا بالقيامة من الجند، أعطوهم رشوة، ووضعوا كلام كذب في أفواههم، وقالوا لهم "قولوا إن تلاميذه أتوا ليلًا وسرقوه ونحن نيام. وإذا سمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه، ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علموهم. فشاع ذلك القول" (متى 28: 11-15).
وهكذا لم يستفيدوا من معجزة القيامة، بل زادوا شرًا.
كذبوا وعلموا غيرهم الكذب. ولم يكن كذبًا متقنًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. أوعزوا إليهم أن يقولوا إن تلاميذه سرقوه ونحن نيام! فإن كنتم نيامًا، فكيف عرفتم في نومكم أن تلاميذه أخذوه؟! صحيح إن حبل الكذب قصير...
ولكنهم لم يكتفوا بالكذب، بل ألصقوا تهمة بغيرهم زورًا وبهتانًا، إذ ألصقوا السرقة بالتلاميذ. ودفعوا رشوة ليغطوا عملهم. وأساءوا إلى سمعة الجند. وخدعوا الوالي. وأضلوا الشعب كله، الشعب المخدوع فيهم...
وفي كل ذلك الضلال وصفوا المسيح بأنه مضل. وكأنهم يقولون عنه لبيلاطس: أنقذ الناس من هذا المضل، لكيما نضلهم نحن!!
إن بذار معجزة القيامة، إذ وقعت في قلوب أولئك القادة، إنما وقعت على أرض محجرة، فلم تؤثر فيهم. كان تفكيرهم في الحفاظ على مناصبهم يغطي على التفكير في أبديتهم.
وفي هؤلاء نرى كيف ينحدر الإنسان من خطية إلى خطية، في سلسلة طويلة من الخطايا إلى غير نهاية...
مبدأ خطاياهم هو محبة المجد الباطل.
وهذه المحبة قادتهم إلى الحسد، فحسدوا المسيح إذ كانوا يريدون أن يكونوا وحدهم في الصورة دون أن يقف إلى جوارهم أحد، فكيف بالأكثر هذا الناصري الذي غطى على شهرتهم وكشف رياءهم.
وخطية الحسد قادتهم إلى التآمر، والتآمر قادهم إلى شهادة الزور في محاكمة المسيح. وهذا كله قادهم إلى القسوة في صلبه. وإلى تضليل الشعب كله. وموقفهم الخاطئ هذا قادهم إلى الخوف. والخوف قادهم إلى ضبط القبر وختمه، مع كسر السبت، وإشراك الناس في هذا الكسر، وخطيتهم هذه -إذ فضحتها القيامة- قادتهم إلى الرشوة والكذب والتحريض على الكذب وتضليل الناس وعدم الإيمان.
وإذا أرادوا بكل هذا أن يكبروا في أعين أنفسهم وأعين الناس، أضاعوا أنفسهم ولم يستفيدوا لا سماء ولا أرضًا...
إنهم أرض محجرة... خطية يلفها الخوف... كانوا يخافون المسيح حتى بعد موته... كانوا يخافون قيامته لأنها تهدم كل ما فعلوه... كانوا يشعرون أن المسيح على الرغم مَنْ قتلهم له، ما يزال له عمل...
إن القاتل يخاف من شبح القتيل ومن صورته...
وصدق علماء النفس عندما قالوا إن القاتل يحوم دومًا حول مكان الجريمة... وهؤلاء أيضًا جعلوا يحومون حول مكان جريمتهم.
تلاميذ المسيح نسوا قوله إنه سيقوم في اليوم الثالث أما أولئك الكهنة والشيوخ الخائفون من المسيح فلم ينسوا.
قالوا لبيلاطس: تذكرنا أن ذلك المضل قد قال إني بعد ثلاثة أيام أقوم... عجيب أنهم تذكروا هذه العبارة، ولم يتذكروا قوله "أنا والآب واحد" (يو 10: 30)، ولم يتذكروا أنه عمل أعمالًا لم يعملها أحد من قبل... لم يتذكروا إقامته للعازر بعد موته بأربعة أيام، ولم يتذكروا منحه البصر للمولود أعمي... تذكوا قيامته، لأن فكرة القيامة كانت تقلق أفكارهم وتزعجهم... فارتكبوا ما ارتكبوه لكيما يتخلصوا منها.
إنهم عينة تعطينا فكرة عن البذار التي وقعت على الأرض الْمُحْجِرَةِ. وهناك عينات أخرى من الأرض...
هناك بذار وقعت على أرض فنبتت ثم خنقها الشوك، ابرز مثل لها في حوادث القيامة هو مريم المجدلية.
أما عن تأثير القيامة في نفوس تلاميذ المسيح، فكان يشبه البذار التي أكلها الطير والطير بالنسبة إلى التلاميذ هو شيطان الشك الذي خطف إيمانهم وطار. كيف حدث ذلك؟ وكيف حولهم المسيح أي أرض جيدة تنبت مائة؟ وكيف رد الإيمان إلى قلوبهم وقلب المجدلية. هذا سنشرحه الآن...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/resurrection/seeds.html
تقصير الرابط:
tak.la/yk2y3w2