5
ما المقصود بعبارة: المغفرة المجانية
لا توجد مغفرة مجانية. فالمغفرة ثمنها دم المسيح.
ولذلك قال الكتاب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب 9: 22). وهكذا كان الخاطئ في العهد القديم يقدم الذبائح لنوال المغفرة.
وكانت ترمز كلها إلى دم المسيح. ومن يقرأ عن يوم الكفارة في سفر اللاويين، يأخذ فكرة عن الذبائح التي تكفر عن الخطايا لاويين 16 (لا 6).
إذن عبارة (مغفرة مجانية) ضد عقيدة التجسد والفداء.
فلو كانت المغفرة مجانية، لماذا إذن أرسل الله ابنه الوحيد إلى العالم كفارة لخطايانا" (1 يو 4: 10). ولماذا قيل "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16).
ولماذا قيل "لأن فصحنا أيضًا المسيح ذبح لأجلنا" (1 كو 5: 7).
إننا لم ننل المغفرة مجانًا، بل اشترينا بثمن (1 كو 6: 20). "بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح" (1 بط 1: 19).
إذن ما معنى عبارة "متبررين مجانًا بنعمته، بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه.." (رو 3: 24، 25).
معناها أنه كان هناك ثمن، هو الفداء. ولكننا نحن لم ندفع هذا الثمن بل دفعه المسيح بدمه. ونحن أخذنا هذا التبرير مجانًا دون أن ندفع ثمنًا، بالإيمان بدمه.
ومع أن المغفرة، قد دفع المسيح ثمنها بدمه نيابة عنا، إلا أننا أيضًا ما كنا ننالها إلا بشروط.
وهناك فرق بين ثمن المغفرة، وشروط استحقاق المغفرة: على الأقل هناك ثلاثة شروط، وهي الإيمان والتوبة والمعمودية...
* أما الإيمان فيتضح من قول الكتاب ".. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" ".. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يو 3: 16، 17). " وأيضًا قولهالذي يؤمن بالابن له حياة أبدية. والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله" (يو 3: 36).
إذن لا توجد مغفرة مجانية لمن لا يؤمن، بل يمكث عليه غضب الله.
وأما عن شرط التوبة فواضح من قول السيد الرب "إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون" (لو 13: 3، 5). وقول الكتاب: "إن الله أعطى الأمم التوبة للحياة" (أع 11: 18).
وأيضًا في يوم الخمسين، حينما سأل اليهود آباءنا الرسل "ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة؟
فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لمغفرة الخطايا" (أع 2: 38).
إذن لا توجد مغفرة مجانية، بدون توبة وبدون معمودية.
وهكذا قال الرب "مَنْ آمن واعتمد، خلص" (مر 16: 16).
فهل يجرؤ أحد أن يقول إن هناك مغفرة مجانية بدون إيمان ولا توبة ولا معمودية..؟!
كلمة "مجانًا" تعني بدون مقابل. ولكن هنا ثمن وشروط. الثمن دفعه المسيح، والشروط واجبة علينا ولازمة لنوال المغفرة. فعلى الرغم من الفداء العظيم الذي قدمه السيد المسيح، على الرغم من دمه الكريم المسفوك، لا مجال لخلاص غير المؤمنين، ولا غير التائبين...
على أن الذي ينادى بالمغفرة المجانية، يقدم اعتراضات أو ملاحظات يهاجم بها العدل الإلهي في المغفرة فيذكر:
فيقول: "جاءوا بها للسيد المسيح العادل، وتحدوا عدله... عدل الناموس الموسوي الذي كان يحكم برجم الزانية... فهل تصرف المسيح بعدل؟! هل كان في قوله "من منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر... ولا أنا أدينك... اذهبي (بسلام) ولا تخطئي". هل كان في هذا القول عدلا؟ بحسب العدل البشرى! المسيح لم يكن عادلًا" بحسب الحب الإلهي، هذا هو العدل والحياة.."
ونحن نقول إن السيد المسيح في إنقاذ المرأة الزانية من الرجم، كان عادلا وكان محبًا. ومحبته لا تنفصل أبدًا عن عدله.
فكيف ذلك؟ وكيف نثبت عدله في إنقاذها من الرجم؟
1- لقد ضبطت في ذات الفعل. أي كان هناك خاطئان يزنيان: رجل وامرأة. فأخذوا المرأة لُترجم. وتركوا الرجل لم يقدموه ليأخذ عقوبة زناه! كان العدل هو معاقبة الاثنين، لأنه لا توجد امرأة تزني بدون رجل يشترك معها في الخطية. فلماذا تعاقب المرأة وحدها؟!
يذكرني هذا الأمر بقصيدة قرأتها في بداية الأربعينات في مجلة الشئون الاجتماعية منذ أكثر من خمسين عامًا عن امرأة خاطئة يقول فيها الشاعر:
أسألتِ من نبذوكِ نبذ المنكرِ كم بينهم من فاجرٍ متسترٍ؟
الصائمون المفطرون على الدِما الظامئون إلى النجيعِ الأحمرِ
ودعوك بائعة الإثم من الهوى كذبوا فإن الذنب ذنب المشترى
إذن العدل أن تلك المرأة لا تُرجم وحدها.
2- أيضًا كان الذين يقدمونها للرجم هم خطاة أيضًا. فلماذا تُعاقب هي، وهم يبقون بلا عقاب. فكان العدل هو إنقاذها.
وهكذا قال لهم الرب: من كان منكم بلا خطية، فليرجمها بأول حجر. لأنه إن كان العدل يقضى بمعاقبة الخطاة، فينبغي معاملة الكل بلا تمييز. إذن كان المسيح عادلًا، حينما قال "من كان منكم بلا خطية، فليرجمها أولًا لا بحجر".
3. أما قوله "وأنا أيضًا لا أدينك". المقصود به: لا أدينك وحدك. لأنه في نفس الوقت أدان خطيئتها في قوله لها "اذهبي ولا تخطئي أيضًا" (يو 8: 11) غير أنه لم يعاقبها. ولماذا؟
4. كان يكفى المرأة ما لاقته من ذل وعار وفضيحة.
وقد أقاموها في الوسط، وشّهروا بها قائلين "هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل... وبكل قسوة طالبوا بتطبيق الشريعة عليها، دون أن يطبقوا الشريعة على أنفسهم!! لذلك أعطاهم الرب درسًا على قسوتهم، وعلى ريائهم، وعلى عدم عدلهم في ترك الزاني ، كما ذكرنا أيضًا هنا في معها يفلت بدون عقوبة موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى...
5. أما قول ذلك (القارئ) في كتابه "بحسب العدل البشري لم يكن المسيح عادلا، ففيه جرأة وتطاول على رب المجد. وكنت أرجو أن يسمو عن هذا الأسلوب في وداعة. إذ أجد أمثلة أخرى لاستخدامه هذا الأسلوب. مثل قوله عن الناموس إنه "ليس سكينًا في يد قاضٍ قاسٍ اسمه الله!!
ضربه ذلك الكاتب مثالًا للمغفرة المجانية بدون أية عقوبة، حتى يقول "لم يذكر أن الآب قد تضرر، أو أبدى أي استياء بأي شكل كان!!". ولا نستطيع أن نقول أن الآب لم يبدِ أي استياء بأي شكل!.. يكفى إنه قال لعبيده "ابني هذا كان ميتًا... وكان ضالًا.." وقال نفس التعبير في حديثه مع الأخ الأكبر "لأن أخاك هذا كان ميتًا... وكان ضالًا .." فهذا يدل على استيائه من التصرف السابق للابن الضال، على الرغم من أنه فرح لأنه عاش بعد أن كان ميتًا، ووُجد بعد أن كان ضالا.
وعن فرح الآب برجوع ابنه يقول ذلك (القارئ) في كتابه:
لعل هذه الكلمات تخزي تعليم أنسلم وكل مَنْ يدعى أن الخطية تشكل إهانة موجهة ضد الله وعدالته وكرامته. ولذا هي إهانة غير محدودة، ويطلب الله عنها ذبيحة ترضيه غير محدودة... إلخ. من التعليم الذي يفوح عفونة العصور الوسطى...
وهكذا ينكر أسس تعليم الفداء الإلهي وتعليم القديس أثناسيوس!!
ويغطى إنكاره لتعليم الكنيسة وراء كلمة أنسلم، والعصور الوسطى!!
أما عن عبارة "يخزى" وعبارة "عفونة". فنرجو أن يرتفع عن مستواهما، أما حديثه عن أن الخطية موجهة ضد الله، وأنها غير محدودة، وتحتاج إلى ذبيحة غير محدودة...
فلها معنا حديث وشرح في العدد المقبل إن شاء الله.
أما عن فرح الأب بعودة ابنه فلم يكن ضد عدل الله.
لأن عدل الله كان يقضى بأن التوبة تمحو الخطية. وهذا الابن كان تائبًا بل كان منسحق القلب أيضًا ومعترفًا بخطاياه.
والله الذي قال "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 20). قال في نفس الإصحاح "فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها... كل معاصيه التي فعلها لا تُذكر عليه. في بره الذي عمل يحيا" (حز 18: 21، 22). وقال عن مغفرته للتائبين "أصفح عن إثمهم، ولا أذكر خطيتهم بعد" (أر 31: 34). وسبق كلامه هذا بقوله "هذا هو العهد الذي أقطعه.." (أر 31: 32).
ويشبه هذا ما قاله في (أش 11: 18) في قبول التائبين إن خطاياهم "تبيض كالثلج". إذن الابن الضال حسب هذه الشريعة، ما كان في توبته يستحق أية عقوبة، بل كان موضع سرور الرب (حز 18: 23، 32).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/new-heresies/forgiven-free.html
تقصير الرابط:
tak.la/4jg7x4t