الحكمة في ذلك
ماذا كانت الحكمة من طول أناة الرب بالنسبة إلي فرعون، وبالنسبة إلي موسى وهرون؟
بالنسبة إلي فرعون، كانت تعطيه فرصة للتوبة، لو أنه أراد.
لاحظ أنه بدأ يستخدم عبارة (الرب) أو صليا إلي الرب عنى "! هذا الذي كان يقول من قبل "لا أعرف الرب "، "من هو الرب حتى أسمع له" (خر 5: 2).
على الأقل إن لم تكن طول أناة الرب تقتاده إلي توبة، فالرب ينتظر عليه حتى يكمل ويمتلئ كأس غضبه...
وحينئذ حينما يضربه الأخيرة القاضية، لا يكون قد أقتحمه أقتحامًا، إنما قد أعطاه فرصًا كثيرة، هو وسحرته وعرافيه، ولم يستفد منها.
وماذا عن طول أناة الرب بالنسبة إلي موسى وهرون وإلي الشعب...
إنه كان وعدهم. وطول أناته كانت اختبارًا لايمانهم بمواعيده.
هل يثقون بأن وعد الله لا بُد أن تتم، ويحقق الله الخلاص لهم، أم أن إيمانهم بكلام الله يضعف أمام الظروف الخارجية الضاغطة؟!
بالنسبة إلي بني إسرائيل، كان إيمانهم قد ضعف من الداخل "ولم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية" (خر 6: 9).
بدأ أمامهم أن وعد الله لم يتحقق، وأنه لم يخلص شعبة (خر 5: 23)، وانقلبت حالهم إلي أسوأ...
إنها الشكوك التي تحارب الإنسان حينما (يتأخر) الله في تنفيذ مواعيد.
إبراهيم أبو الآباء وعده الله بأن يعطيه نسلًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ومرت سنوات طويلة، ولم تلد سارة، فلجأ إلي هاجر. وأصابه يأس في أن تلد سارة وقال للرب "ليت إسماعيل يعيش أمامك" (تك 17: 18). ولكن الله كرر له الوعد قائلًا "تلد لك إبنًا" (تك 17: 19).
سارة نفسها لما سمعت وعد الرب ظنته فكاهة فضحكت!!
ضحكت في داخلها وقالت "أبعد فنائي يكون لي تنعم، وسيدى قد شاخ؟!" (تك 19: 12).
نعم، ما أسهل أن يتعب الإنسان من صغر النفس، من طول الوقت. ومن ملل الانتظار يضعف الإيمان.
أن الله بطول أناته يختبر صبر الإنسان، ويختبر صموده.
هل يستطيع أن يصبر، وأن يصعد أمام حروب الشياطين في فترة الصبر والانتظار؟
فعندما وعد الله موسى وهرون، سمعت الشياطين هذا الوعد، فعملت على عرقلة تنفيذه، وذهبت إلي فرعون تشدد قلبه، وتعطيه روح العناد والتحدي، والتحلل من كل وعوده التي قالها الضيقة...
وبدأت الشياطين أيضًا تعمل في سحرة فرعون وفي العرافين.
أترانا إذن نستطيع أن نصمد أمام الشكوك وحروب العدو كلما أطال الله أناته في تنفيذ مواعيد وفي تقديم خلاصه. هوذا الرسول يقول:
"بضيقات كثيرة ينبغي أن يدخل ملكوت الله" (أع 14: 22).
أن خلاص الله الذي وعد به، لا بُد أن يتم... ولكن ضيقات كثيرة قد تعترض هذا الخلاص. ليس فقط من فرعون، بل من الشياطين أيضًا. يقول يشوع بن سيراخ:
"يا ابني إذا تقدمت لخدمة ربك فهيئ نفسك لكل التجارب" [ونص الآية هو: "يَا بُنَيَّ، إِنْ أَقْبَلْتَ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ الإِلهِ، فَاثْبُتْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَعْدِدْ نَفْسَكَ لِلتَّجْرِبَةِ" (سي 2: 1)(1)].
ونحن نتلو هذه العبارة في طقس سيامة الرهبان. ونقرأ هذا الفصل في صلاة الساعة الثالثة من ثلاثاء البصخة المقدسة.
وكما يقول أيضًا "إن الحديد بالنار، والناس بالهوان"..
إن الله قد أعطى وعدًا. وترك فرصة لفرعون وللشيطان.
الله استخدم مبدأ تكافؤ الفرص حتى مع فرعون والشيطان.
المهم أن أولاد الله يحتملون... ويشكرون الله على طول أناه وينتظرون الرب، كما قيل في المزمور "أنتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك، وأنتظرت الرب" (مز 27: 14) أي أنك لا تنتظر في ضعف، وإنما بقلب قوى شديد، واثق بالرب.
وإلي متى تنتظر؟ يقول المرتل في المزمور "انتظرت نفسي الرب من محرس الصبح حتى الليل" (مز 129).
اشكر الرب، لأنه إن كان قد أطال أناته على فرعون فلابد إنه سيطيل أناته عليك.
يطيل أناته لأن طول أناته لأن طول أناة الله إنما تقتاد إلي التوبة (رو 2: 4). فالله يصبر على الكل، يعطيهم فرصة، ولا يضرب أحد بغتة.
يعطى فرصة حتى لأشر الخطاة، حتى لفرعون وسحرته وعرافيه.
نقطة أخرى نضيفها وهي:
إن طول أناة الله قصة موسى وفرعون أظهرت عجائب الله وقوته.
لو كان الله قد أهلك فرعون من أول عناد له، ما كانت قد ظهرت عجائب الله التي رواها لنا سفر الخروج، تلك العجائب الكثيرة التي شهدتها أرض مصر.
_____
(1) توضيح من الموقع: تم وضع نص الآية حسب الترجمة المُتعارف عليها من قِبَل الموقع بين قوسين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/moses-pharaoh/patience-aim.html
تقصير الرابط:
tak.la/hxcy9nx