رحمة لشعب خاطئ
كانت معجزة الخروج عمل رحمة قام به الرب نحو شعب خاطئ، نحو شعب وقع تحت نير العبودية بسبب خطاياه.
ومع ذلك فالرب لا يرضي بالظلم، ولو ضد الخطاة.
فعل ذلك من أجل رحمته، لا من أجل استحقاقهم.
وفعل ذلك أيضًا لمعاقبة فرعون، لأنه تحدى الله نفسه، ولم يتعظ ويتوب بعد أن رأى عجائب الله... كذلك لم يتعظ كل المحيطين بفرعون، وكذلك جنده وفرسانه. معجزات الله شملت الجميع، وضرباته وإنذاراته شملت الجميع، ولم يتعظوا!!
وأصبحت معجزة الخروج تشمل إنقاذًا لموسى وكل شعبه وعقابًا لفرعون وكل جنوده وفرسانه.
والواقع إنه وإن كانت معجزات الرب وعجائبه، لم تؤثر في فرعون ورجاله، ولم تقدهم إلي التوبة... فإن نفس المعجزات والعجائب يبدو أنها لم تؤثر في بني إسرائيل أيضًا، ولم تغرس فيهم الثقة بالرب والاطمئنان إلي الحياة معه...
فما أن وصلوا إلي البحر الأحمر، ووجدوا العدو خلفهم، حتى خافوا واضطربوا، وظنوا أنهم ملاقون الموت لا محالة. وقال لموسى النبي "هل لأنه ليست قبور في مصر، أخذتنا لنموت في البرية؟! ماذا صنعت بنا، حتى أخرجتنا من مصر" (خر 14: 11).
هؤلاء الخائفون كان أمامهم البحر، وليس أمامهم الله ومعجزاته!!
ساعة الخوف، أنستهم قوة الله وعجائبه، وكل إحساناته السابقة، وقادتهم إلي الشك، وإلي التذمر أيضًا... والحنين إلي حياة العبودية (خر 14: 12)!!
إن الله الذي أنقذهم من كل الضربات التي أصابت فرعون، والذي أنقذ إبكارهم من السيف المُهلك -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- والذي أخرجهم من جاسان وأوصلهم إلي البحر الأحمر، أليس هو قادر أن يعبر بهم البحر أيضًا؟! ولكن الإيمان كان ينقصهم... والمؤمن الوحيد بينهم كان هو موسى النبي!
إنهم خلصوا، ليس بإيمانهم، وإنما بإيمان موسى...
لو أنهم تركوا لأنفسهم لضاعوا. ولكن كان يسندهم إيمان موسى، وبساطة موسى، وقوة موسى. كان هذا الإنسان الواحد، موسي، أكثر في قيمته عند الله من مئات الآلاف من الشعب المحيط به!
حقًا إن الناس لا تعد، إنما توزن.
وأنت إن تعبت واضطربت، لا تخف من جبروت فرعون، إنما استظل بِحِمَى موسى... وَعِش بإيمان موسى. التصق بهذا المنتشل من الماء، لئلا تغرق في الماء. قل لنفسك: إن كانت قوة فرعون ترعبني، فإن إيمان موسى يريحني ويعزيني ويشجعني...
وأمام البحر الحمر، وقف موسى وشعبه الأعزل، أمام فرعون وكل جنوده وفرسانه ومركباته. ووقفنا جميعًا أمام خبرة روحية وهي:
إن الحق الأعزل أقوى من الباطل المسلح.
ذلك لأن هذا الحق الأعزل تسنده قوة الله التي لا تحد. والله دائمًا مع الضعفاء المساكين، ضد جبروت الأقوياء وتسلطهم. وما أجمل كلام الرب في المزمور: "من أجل شقاء المساكين وتنهد البائسين، الآن أقوم - يقول الرب - اصنع الخلاص علانية" (مز 11). وهكذا قال موسى للشعب "لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" (خر 14: 13، 14)
موسى أدخل اسم الرب إلي ميدان المعركة،
ليقف مع الشعب الخائف ضد فرعون...
تمامًا مثلما فعل داود لما رأي الجيش خائفًا من جليات، فقال له "أنت تأتي إلي بسيف ورمح. وأنا آتي إليك باسم رب الجنود... اليوم يحبسك الرب في يدى.." (1 صم 17: 45، 46). حقًا إن "اسم الرب حصين، يلجأ إليه الصديق ويتمنع" (أم 18: 10).
وقد كان الله هو القائد العملية كلها منذ البدء.
إنها رواية، الله مؤلفها ومخرجها وبطلها. وهو المنقذ في مأزق لا مخرج منه... الله الذي كانت في يدى مفاتيح البحر. يعرف متي يفتح البحر، ومتي يغلقه، في تنفيذ مشيئته. وقد فتح البحر لينفذ الذين دخلوه بارشاد إلهي، وأغلقه على الذين دخلوه بعناد بشرى، وبكبرياء السلاح والمركبات. فكان البحر طريق خلاص للمؤمنين به، مقبرة لمعانديه...
وتم العبور، وتم الخروج، من أرض العبودية ومن البحر.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/moses-pharaoh/gods-mercy.html
تقصير الرابط:
tak.la/p58ggw5