الفصل الرابع: نحب الله بتذكار إحساناته إلينا وإلى غيرنا
من الأشياء التي تملأ قلبك بمحبة الله. أن تذكر باستمرار إحساناته إليك. وهذا أمر طبيعي جدًا. فأنك إن تذكرت جمائل إنسان عليك، أو إنقاذه لك، أو وقوفه إلى جوارك في ضيفاتك، لا بُد ستحبه. فكم بالأولى الله الذي إحساناته لا تعد؟!
هذا الأمر عرفه واختبره داود النبي فقال:
(باركي يا نفس الرب، وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفس الرب ولا تنسي كل إحساناته).
ويدخل في تفاصيل هذه الإحسانات فيقول لنفسه: (الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك، الذي يفدي من الحفرة حياتك، الذي يكللك بالرحمة والرأفة، الذي يشبع بالخير عمرك، فيتجدد مثل النسر شبابك) (مز103: 1-5). ويستمر في تذكر إحسانات الله فيقول:
"لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا... كبعد المشرق عن المغرب، أبعد عنا معاصينا. كما يتراءف الآب على البنين، يتراءف الرب على خائفيه...).
لذلك اجلس إلى نفسك، وتذكر إحسانات الله إليك، منذ ولادتك وإلى الآن...
اذكر ستره عليك من خطايا لو عرفها الناس، ما كانوا يقبلون أن يسلموا عليك ولا يدخلوا بيتك، ولا يدخلوك إلى بيوتهم، ولا يتعاملون معك على الإطلاق... ولكن الله يغرف خطاياك كلها، التي لا يعرفها أحد غيره... ومع ذلك يستر، بل ويغفر. ويجعل الناس يحبونك، على الرغم من كل تلك الخطايا التي سترها، وربما يطلبون صلواتك، ويمدحونك...!! والله نفسه يدعوك ابنًا له، ويجعلك تقول له في الصلاة (أبانا الذي في السموات)...
تذكر إلى جوار ستره، إنقاذه من مشاكل عديدة:
تذكر إنقاذه لك من أمراض أصبت بها، ومن أمراض أبعدها عنك، كان يمكن أن تصاب بها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... إنقاذه لك من مشاكل ومن ضيقات، ومن أناس أشرار ومؤامرات دبروها ضدك... اذكر كل هذه الأمور في مطانيات metanoia شكر أمام الله. وقل له: أنا يا رب لا أستحق كل ما قدمته من معونة وحب. ليتني احبك كما أحببتني.
اذكر أيضًا عطايا لك ومواهبه...
إن كان لك عقل أو ذكاء أو حكمة، أو جمال وجه أو جمال صوت، أو مواهب فنية أو حتى جمال خط... مع مواهب أخرى روحية... أو موهبة في الخدمة وما أعطاك إياه من نعمة في أعين الناس، ومحبة في قلوب الآخرين... وقل له: كم أحبك يا رب من أجل كل تلك النعم، أو كم ينبغي أن أحبك؟!
بل أيضًا تحبه من أجل إحساناته إلى أحبائك.
سواء من اقر إبائك بالجسد، أو أصدقائك أو زملائك، بل من أجل إحسانات الله إلى الكنيسة وإلى وطننا وبلادنا... من العجيب إننا في الكوارث، نذكر من حلت بهم المصائب فنحزن ونتضايق. وفي نفس الوقت لا نذكر أحباءنا ومعارفنا الذين أنقذهم الرب وخلصهم، بوسائل تكاد تكون ضمن المعجزات!
إذا أردت أن يمتلئ قلبك بمحبة الله، لا تنسب إحساناته إلى غيره. لا تنسبها إلى الناس أو إلى نفسك.
كثيرًا ما أنجح الله عملك، فكنت تنسب النجاح إلى ذكائك وقدراتك، وتنسى الله الذي ساعدك وأعانك. وتفقد سببًا يقربك إلى محبته... وكثيراُ ينقذك، فتنسب كل الفصل إلى الإنسان، وتنسى الله الذي أرسله إليك...!
تمرض وتحتاج إلى عملية جراحية خطيرة ويجريها لم أحد الأطباء المشهورين، وتنجح العملية وتشفي. وتعزو نجاحك إلى الطبيب وعقله الجبار، وتنسى الله شافيك، وتنسى أن الله هو الذي وهب الطبيب من نبوغ وعقل جبار... وفي نسيانك لله وعمله، تفقد الشعور بإحسانه إليك، وتفقد سببًا تحبه به...!
يكفي أننا لا نزال أحياء حتى هذه الساعة...
ومن محبة الله لنا، أنه أبقانا حتى الآن... ألا نشكره ونحبه لأجل هذا الأمر... كم اجتاحت العالم أوبئة وأمراض، ونحن نجونا ولا نزال أحياء... كم كانت البلاد مهددة بجفاف، والرب أرسل المطر ونجي. لا يزال الله يعطينا فرصة لنعمل عملًا من أجل أبديتنًا.
يجب أن نحب الله، لأنه لم يأخذك من العالم، وأنت في حالة غفلة، أو أنت متلبس بخطية!!
إذن لكنت قد هلكت في هذا العالم، وفي العالم الآتي، واتاك الموت بدون توبة، كما حدث لحنانيا وسفيرا (أع5). ولهيرودس الملك (أع12) ولآخرين ماتوا في خطاياهم، دون أن يتوبوا...! ويطيل باله، لعل طول أناته تقودك إلى التوبة (رو2: 4).
قُل له: أنا أحبك يا الله، من أجل طول أناتك علي، وصبرك وإحساناتك، على الرغم من كثرة إساءاتي إليك... حقًا إنك تستحق كل حب. لأن كثيرين من البشر الذين هم مثلي تراب ورماد، لم يحتملوا مني ولو إساءة واحدة بسيطة. أما أنت فحنون ومحب...
والعجيب أننا فيما ننسب إلى غير الله الخير الذي نناله، فإننا ننسب مشاكلنا إلى الله!!
كيف نصل إلى محبة الله إن كانت كل مصيبة تصيبنا ننسبها إلى الله، ونعاتب الله عليها، ونهدده بالانفصال عن بسببها. ونظل نشكو لكل واحد من (قسوة) الله علينا، ومن إهماله) لنا ونقول: لماذا يا رب تفعل كل هذا؟! أين رحمتك التي نسمع عنها؟!
وقد تكون المشكلة بسبب الناس الأشرار، ولكننا ننسبها إلى عدم الله؟! وقد تكون بسبب إهمالنا نحن أو أخطائنا ننسبها أيضًا إلى الله!! وبهذا كله نبعد عن محبته...!
أما أنت، فكل بركة تأتيك، انسبها إلى الله، لا إلى الناس أو نفسك. وكل مشكلة تصيبك أرجعها إلى أسبابها الطبيعية الحقيقية.
لأن الله هو مصدر كل خير، ولا يأتي شر من جهة إطلاقًا... بهذا تصل إلى محبة الله.
والعجيب أن الله هو هو... فعلى الرغم من أننا ننسب إحساناته إلى غيره لا يزال يحسن إلينا، وكأننا لم ننكر جميله ولم ننس إحساناته...!! أليس هذا وحده سببًا يدعونا إلى محبة الله؟...
هناك حقيقة ليس من صالحنا أن ننساها، وهي:
كل مَن ينسى إحسانات الله، ويقسِّي قلبه كناكر للجميل.
مثل فرعون الذي كان يقسي قلبه، إذ ينسي كيف أن الله استجاب له ورفع عنه ضربات وضربات... ومثل دليلة التي تقسي قلبها على شمشون، فخانته إذ نسيت كل محبته لها، وسلمته إلى أعدائه (قض16). ومثل سليمان الذي نسي كل إحسانات الله إليه، وكل ما وهبه الله من ملك وجلال وحكمة، وأحب نساءه أكثر من الله، ولم يكن قلبه كاملًا أمام الله (1مل11).
أما المرأة الخاطئة، التائبة، فقد أحبت الله كثيرًا، إذ تذكرت غفر لها الكثير...
(وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا) (لو7: 47).
ويقصد الرب بهذه العبارة أن الذي يشعر أن الذي غفر له قليل، أو يظن أن الذي غفر له هو قليل... أما أنت فلا تكن هكذا وإنما تذكر كل خطاياك، واذكر أن الله. من فرط إحساناته إليك - قد غفر الكثير فبهذا ستحب كثيرًا واذكر أن عطاياه لك كثيرة جدًا، فنحب كثيرًا...
لا شك أن الله قد عمل لأجلك الكثير، ولكنك أنت تنسى!! لذلك نبه داود نفسه في علاقتها مع الله قائلًا:
(ولا تنسي كل إحساناته) ( مز103: 2).
إنك تنسى إحسانات الله، لأنك مشغول بإحسانات أخرى تطلبها، غير واضع في ذاكرتك كل الإحسانات السابقة. حياتك كلها طلب لا شكر.
إن حياة الشكر ترتبط بحياة الحب. فاقرأ عنها، وعش فيها، تجد قلبك قد امتلأ بمحبة الله... وثق أن حياتك كبها لا تكفي لشكر الله على رعايته لك وعنايته بك طول عمرك منذ ولادتك.
بل إن إحسانات الله سبقت ولادتك أيضًا.
كان من الممكن أنك لا تولد، ولا تأتي إلى عالم الوجود، لأي سبب تعلق بأبيك أو بأمك. وكان ممكنًا أن ترث وأنت جنين بعض الأمراض، أو بعض النقائص، ولكن الله حفظك منها جميعًا، ومنحك أن تولد إنسانًا سويا جسدًا وعقلًا ونفسًا... أيجوز لك أن تنسى كل هذا؟! إنك لو ذكرت جميل الله عليك في تلك الفترة، لازدادت حبًا له.
اذكر حفظ الله لك أيضًا أثناء طفولتك.
كما يقول المزمور (حافظ الأطفال هو الرب). إن أي إهمال للطفل في غذائه أو علاجه أو حراسته، يمكن أن يضيعه أو يصيبه بسوء... كذلك الإهمال في تربيته وتعليمه، أو غَرْس أشياء ضارة في عقله الباطن...
اشكر الله لأنه جعل تلك الفترة التأسيسيَّة تمر عليك بسلام... وقُل له: أحبك يا رب من كل قلبي، لأنك حفظت طفولتي وأتيت بي إلى هذه الساعة، وأعطيتني أن أقرأ عن محبتك...
على إني أريد أن أضع ملاحظة هامة وهي:
كثيرون يقابلون إحسانات الله إليهم بالفرح والبهجة. ويكتفون بهذا، دون أن يجعلوها سببًا لمحبة الله!
هم يفرحون بالخير الذي يأتيهم من عند الله: يفرحون باستجابة الله لصلواتهم، ويفرحون بعطاياه ونعمه ومواهبه، ويفرحون بستره ولإنقاذه. ويتهللون وقد يقف الأمر عند حدود الفرح والتهليل. وربما إلى عبارة شكر قصيرة، أو صلاة شكر وعرفان بالجميل، وكفى...
أما الروحيون فيحولون عرفانهم بجميل الله إلى حب. يذكرونه ويخلطونه بمشاعرهم، ويحولونه إلى حب.
إحسانات الله لهم، دليل على محبته لهم. إذن يجب أن يبادلوه حبًا بحب.
ليس الأمر مجرد فرح وشكر. فهذه مشاعر خاصة بك. ولكن يجب أن تعمقها في داخلك لتكوين علاقة حب بينك وبين الله. حاول أنك لا تنسى بل تتذكرها مرتبطة بمشاعر الحب، والشعور الداخلي بأبوة الله لك ومحبته ورعايته.
وأنت كابن محب، تقابل حبه بحب...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/remember.html
تقصير الرابط:
tak.la/zpv29fw