إذن من أسباب نقص المحبة، نقص شعور الإنسان بخطيته...
[فَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا] (لو 7: 47). أو لعل المقصود هو أن الذي يظن أنه قد غفر له القليل، يحب قليلًا... وأسوأ من هذا الذي يظن أنه ليست له خطية! لذلك قال الرسول (إن قلنا إنه ليست لنا خطية، نضل أنفسنا وليس الحق فينا) (1يو1: 8).
وأسوأ من هذين الذي يظن أنه له أعمال بر ؟!
مثل الفريسي الذي بكل جرأة وقف أمام الله يفتخر بفضائله فقال (أشكرك يا رب أني لست مثل سائر الناس الظالمين الخاطفين الزناة... أنا أصوم يومين في الأسبوع وأشر جميع أموالي...) (لو18: 11). حقًا من أين تدخل في قلبه محبة الله، وهو لا يذكر خطية واحدة قد غفرها له الله ؟!
الإنسان القريب العهد بالتوبة، يشعر بمحبة الله التي غفرت له، فيحبه من أجل مغفرته. بل يشعر أيضًا بمحبة الله التي قادته إلى التوبة، فيحبه من أجل قيادته إلى التوبة. حينما يذكر في صلاة الشكر عبارة (لأنه قبلنا إليه) تزداد محبته لله جدًا. لأنه على الرغم من كل نجاساته وعصيانه وسقطاته، قد قبله الله إليه. وخطاياه ما عاد يذكرها له، وما عادت تحسب عليه (رو4: 7، 8).
فتزداد محبته لله، عِرفانًا بجميله عليه.
ويذكر كل ذلك في مزاميره (مز103)... أما الإنسان الذي يفكر في كم خدم، وكم تعب لأجل الرب، فربما يظن أنه هو صاحب الجميل على الله، لأنه يهيئ له ملكوته، ولذلك يستحق منه ويستحق... إنه يفعل مثل ذلك الابن الكبير الذي اعتبره أباه مقصرًا في حقه بما يناسب خدماته. وهكذا قال له في كبرياء وفي عدم محبة (ها أنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك. وقط لم تعطني جديًا لأفرح مع أصدقائي...!) (لو15: 29).
إذن محبة الإنسان لله تقل، إن قل انسحاق قلبه.
وما أسهل أن كثرة الانشغال تعبد الإنسان عن محبة الله.
ذلك إن انشغل بأمور عديدة، لا تعطيه وقتًا يلتصق فيه بالله. وإن سئل عن صلاته، يقول (ليس لدي وقت}!! إذن متى يتحدث مع الله في حب؟ ومتى يشتاق إلى الله كما تشتاق الأرض العطشانة إلى الماء! ومتى يفتح قلبه لله ليملأه بالحب. -حقًا مثل هذا الإنسان ينطبق عليه قول السيد الرب لمرثا (أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد) (لو10: 41، 42).
أما أختها مريم التي امتلأ قلبها بالحب، ووجدت لذتها في آن تجلس عند قدمي الرب، تستمع إلى كلامه، وتتمتع بمحبته، فقد قال لأختها عنها (اختارت النصيب الصالح الذي لن ينزع منها) (لو10: 42).
حقًا إنك قد تترك محبتك الأولى، إن انشغلت عن الرب بشيء آخر.
حتى لو كان هذا الشيء هو الخدمة... وما أصدق تلك الكلمة الروحية التي قالها أحد الأدباء: (قضيت عمرك في خدمة بيت الرب. فمتى إذن تخدم رب البيت ؟!).
اخدم إذن. ولكن لا تجعل الخدمة تعطلك عن الحديث مع الله، وعن التأمل في صفاته الجميلة، وعن الجلوس مثل مريم عند قدميه، تسمع كلامه وتري عجائب من شريعته...
وإن خدمت اخدم عن حب: حب الله، وحب لملكوته، وحب للناس... وتذكر أن ديماس كان خادمًا قويًا، ومن المساعدين الكبار للقديس بولس الرسول. وفي إحدى المرات ذكره قول لوقا الإنجيلي (فل24) ولكن ديماس ترك محبته الأولى، وبدأ يحب العالم، وحلت محبة العالم محل محبة الله في قلبه، ضاع ديماس تمامًا. وقال عنه القديس بولس الرسول في أسى: (ديماس تركني لأنه أحب العالم الحاضر) (2تي4: 10).
احذر من محبة العالم، لئلا تضيع محبة الله من قلبك.
فهوذا القديس يعقوب يقول إن محبة العالم عداوة لله (يع4: 4). ويقول القديس يوحنا الحبيب في رسالته الأولي (لا تحبوا العالم، ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب) (1يو2: 15).
إذن كلما يدخل الإنسان في محبة العالم، في شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة) (1يو2: 16). فبالضرورة سيسمع عتاب الله يقول له (عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى).
ومن الجائز أن يترك محبته الأولى، يسبب تحول القلب إلى آخر...
كأب بسبب محبته لزوجته الثانية، يترك محبته الطبيعية لأولاده من الزوجة المتوفاة. قلبه قد تحول، ومحبته لأولاده تحولت معه. وإذ تسوء معاملته لابن من أبنائه، يقول له هذا الابن -ولو في فكره- (عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى)...
وأحيانًا يترك الإنسان محبته الأولي بسبب الوشاية أو كلام الناس!
كأن يسمع كلمة أو رواية، فيصدقها دون أن يتحقق. ويشك فيمن يحب، ويتعبه شكه. فيترك محبته الأولى، وبخاصة لو كَثُرَ سَكْب الكلام في أذنيه... إن صَدَّق الوشاية، ويترك محبته الأولى. وكلما ترك محبته الأولى، ويكثر تصديقه للوشايات.
أما القلب المحب الثابت في محبته، الذي محبته لا تسقط أبدًا... فإنه إن سمع كلمة رديئة عمن يحبه، لا يحتمل ذلك، بل يدافع عنه، ولا يقبل فيه كلمه سوء. أما قبوله لكلام الناس فهو دليل على أن قلبه قد تغير؟ وثقته قد تغيرت، ومحبته لم تعد كما كانت من قبل...
من الجائز أن يترك محبته الأولى بسبب تأويله الخاطئ لبعض التصرفات.
وهذا الأمر يحتاج إلى تحقيق، لأنه برما لو عرفنا السبب في تصرف ما لأمكننا أن نجد له عذرًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى... وقد يكون الهدف طيبًا والتصرف غير مفهوم على ما قصد منه...
ومن الجائز أن الإنسان يترك محبته الأولى، لأن الذي يحبه لم يحقق له أغراضه التي يريدها، أو أن فكره وأسلوبه يختلف عن فكره.
ومع الله أيضًا كم مرة نترك محبتنا الأولي له، حينما لا نفهم حكمته من بعض التجارب والضيقات التي يسمح بها لنا، وقد تكون لخيرنا ونفعنا، ونحن لا ندري...
ومن الجائز أن يترك الإنسان محبته الأولي بسبب حروب الشياطين...
ذلك إن ضعف القلب أمامها، واستسلم لشيء من ضغوطها أو إغراءاتها. ومع ذلك فإن القلب المملوء بالحب، يمكنه أن ينتصر على حروب الشياطين. حتى إن أظهر له الشيطان إحدى الرؤى أو الأحلام، فإنه يرفضها ولا يصدقها. فليس كل حلم أو رؤيا من الله.
وبالمثل يرفض كل الأفكار والظنون والشكوك...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/love/reasons.html
تقصير الرابط:
tak.la/w7av5ms