St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   good-thursday
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في يوم خميس العهد - البابا شنوده الثالث

12- التوبة والتناول

 

نشكر الله، لأننا ونحن خارج المحلة حاملين عاره، فتح لنا الرب طريقا إلى قدس الأقداس، إذ فتح لنا هيكله المقدس، وأدخلنا إلى حيث مذبحه الطاهر، وأعطانا جسده ودمه الأقدسين.

إنها بركة عظيمة أن يفكر فينا السيد الرب في أسبوع آلامه، ويهتم بنا هكذا، بعد أن منحنا الطهارة اللازمة، في غسله لأرجلنا...

وهكذا في يوم الاحتفال بالفصح القديم، بكل ما يحمله من رموز، قدم لنا الفصح الذي للعهد الجديد...

الفصح الذي قال عنه القديس بولس (لأن فصحنا أيضًا، المسيح، قد ذبح لأجلنا).. (1كو 5: 7).

وهكذا اجتمع فِصْحان، في يوم واحد، وعلى مائدة واحدة. الرمز، والمرموز إليه معًا. وأعطى السيد المسيح هذا السر العظيم لتلاميذه القديسين، وقال لهم (اصنعوا هذا لذكري) (لو 22: 19) وها نحن نصنع هذا اليوم، حسب وصيته المقدسة.

احتفل المسيح مع تلاميذه بالعيد، وهو في عمق آلامه.

فرح معهم بالعيد، وعيد معهم، وقال لهم (شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم، قبل أن أتألم) (لو 22: 15).

وسبَّح معهم في تلك الليلة، قبل أن يخرجوا إلى جبل الزيتون (مر 14: 26) (مت 26: 30) نعم احتفل معهم بالعيد، وفرح معهم (وهو عالم بكل ما يأتي عليه) (يو 18: 4).

 حقًا ما أنبل القلب المتألم، الذي يغنى مع القلوب الفرحة.

St-Takla.org Image: The priest kneeling in front of the Holy Body and Blood - from the Holy Liturgy by Rev. Father Phelimoun Soubhy, the priest of Saint TaklaHaymanout Coptic Orthodox Church, Ibrahimia, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, February 9, 2013. صورة في موقع الأنبا تكلا: الكاهن يسجد أمام الجسد والدم الأقدسين - من قداس قدس أبونا القس فليمون صبحي، كاهن كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية بالإبراهيمية بالإسكندرية، 9 فبراير 2013 - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا هيمانوت.

St-Takla.org Image: The priest kneeling in front of the Holy Body and Blood - from the Holy Liturgy by Rev. Father Phelimoun Soubhy, the priest of Saint TaklaHaymanout Coptic Orthodox Church, Ibrahimia, Alexandria, Egypt - Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, February 9, 2013.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الكاهن يسجد أمام الجسد والدم الأقدسين - من قداس قدس أبونا القس فليمون صبحي، كاهن كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية بالإبراهيمية بالإسكندرية، 9 فبراير 2013 - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلا هيمانوت.

وفي فرحة عيد الفصح، حدثهم عن جسده الذي يبذل عنهم، ودمه الذي يسفك عنهم (لو 22: 19، 20).

وبهذا أعطى للتلاميذ عيدًا جديدًا، وعهدًا جديدًا.

وأعطاهم فكرة أن جسده سيبذل، ودمه سيسفك، عنهم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا (مت 26: 28) (مر 14: 24). وقال أن هذا هو الدم الذي للعهد الجديد...

لم يتركهم يفاجأون بهذا الأمر، أن يروا دمه يسفك أمامهم، إنما قال لهم قبل أن يكون، حتى إذا كان يؤمنون (يو 13: 19).

عجيب أن يتكلم أحد عن سفك دمه، بهذا الهدوء...

وأن يتكلم عن سفك دمه بطريقة موضوعية هكذا، وسط مظاهر الفرح والتسبيح، وهو يحتفل مع تلاميذه بالعيد...

ولكنه المسيح المحب الحنون، الذي يفكر في خلاص البشرية، وليس في ذاته هو أو في آلامه.

نلاحظ هنا أنه قال: دمي الذي يُسْفَك وليس الذي سُفِكَ.

وكذلك قال جسدي الذي يبذل وليس الذي بذل... ذلك لأن دمه قد سفك يوم الجمعة، وجسده قد بذل يوم الجمعة، اليوم الذي تم فيه الخلاص...

إن حديثه يوم الخميس، كان عن الخلاص الذي سيتم يوم الجمعة والفصح الذي احتفل به يوم الخميس، كان رمزًا للفصح الحقيقي الذي للعهد الجديد الذي يذبح عنا يوم الجمعة. وكان الرب أراد أن يقول:

إن هذا الفصح الذي تأكلونه اليوم يرمز إلى جسدي الذي يبذل عنكم غدا، والى دمي الذي يسفك عنكم غدًا.

هذين اللذين أقدمهما لكم على صورة الخبز والخمر. وعلى هذه الصورة ستصنعون هذا السر لذكرِي.

وعبارة (هذا اصنعوه لذكرى) أمر يحمل استمرارية هذا السر مدى الدهور (لأنكم كلما أكلتم هذا الخبز، وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء) (1كو 11: 26) وعبارته (إلى أن يجيء) تحمل معنى أن ممارسة هذا السر العظيم تستمر حتى مجيئه الثاني، أي إلى آخر الدهر.

قال إن هذا دمي الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا.

المقصود بالكثيرين أولئك الذين يؤمنون به، وبفدائه العظيم وفاعلية دمه لمغفرة الخطايا، وكذلك يؤمنون بأسراره المقدسة ويمارسونها. ويشترط أيضًا فيهم أن يكونوا تأبين، لأن الرب نفسه قد قال (إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 5).

التوبة إذن لازمة لتناول المؤمنين، كشرط هام للاستحقاق هذا الاستحقاق للتناول الذي شرحه القديس بولس الرسول... فقال في الإصحاح 11 من رسالته الأولى إلى كورنثوس:

(إذن أي من آكل هذا الخبز، أو شرب كاس الرب، بدون استحقاق يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه..) (لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب).

(من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون) (1كو 11: 27 30).

إذن الأمر خطير، وعقوبته خطيرة:

مَنْ يناول بدون استحقاق، يكون مجرمًا في جسد الرب ودمه، غير مميز جسد الرب، قد تصل عقوبته إلى ضربات في الجسد كالمرض والموت... لذلك يقول الرسول:

(ولكن ليمتحن الإنسان نفسه) قبل التناول...

(لأننا لو حكمنا على أنفسنا، لما حُكِمَ علينا) (1كو 11: 28، 31).

فماذا تعني كلمة الاستحقاق إذن؟

إن تحدثنا عن الاستحقاق بمعنى مطلق، فلن يوجد أحد مستحقا..! فمن جهة هذا الاستحقاق، كان القديس العظيم الأنبا رويس -وهو صاحب معجزات- يخاف جدًا حين التقدم للتناول من السرائر المقدسة. وكان يقول: إن الذي يتقدم للتناول، ينبغي أن يكون داخله في نقاوة أحشاء العذراء القديسة التي حملت المسيح داخلها..!

من أجل ذلك يقول الأب الكاهن في (صلاة الاستعداد)..

(وهي صلاة يقولها سرًّا قبل القداس): أيها الرب العارف قلب كل أحد... أنت يا رب تعرف أني غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التي لك. وليس لي وجه أن اقترب وافتح فاي أمام مجدك المقدس. بل ككثرة رأفاتك، اغفر لي أنا الخاطئ، وامنحني أن أجد نعمة ورحمة في هذه الساعة)..

ومن أجل هذا يليق بكل إنسان، أن يقول قبل التناول:

يا رب، ليس من أجل استحقاقي، وإنما من أجل احتياجي. ليس من أجل استحقاقي، لكن من أجل علاجي.

معترفين كلنا بأننا غير مستحقين، وكأننا نقول للرب: ليست لنا الطهارة التي نتقدم بها إلى جسدك ودمك. فنحن لسنا طاهرين حتى نتقدم للتناول، إنما نحن نتقدم للتناول حتى نكون طاهرين.

نحن نتناول (طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا)

كما نقول في بداية الأواشي في القداس الإلهي...

إن الطهارة النسبية التي تناسبنا، لكي نتقدم إلى التناول عملًا بقول النبي (تقدسوا وتعالوا معي إلى الذبيحة) (1صم 16: 5) تتركز في أمور هامة منها:

الإيمان، والتوبة، والصلح مع الآخرين، والطهارة الجسدية.

أما عن الإيمان، فالمقصود به الإيمان المسيحي السليم، بلا بدعة ولا هرطقة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وكذلك الإيمان بهذا السر وفاعليته، وبالشرط التي وضعها الله لإتمامه، وحفظت بالتسليم الرسولي.

أما عن التوبة، فالمقصود بها على الأقل ترك الخطية والعزم الحقيقي على عدم الرجوع، مع الاعتراف بالخطية والندم عليها.

وقد يتشكك البعض في موضوع التوبة. ونلاحظ أن البعض يمتنعون عن التناول، بحجة أنهم ما زالوا يخطئون بعد التناول اضمن لهؤلاء. وللرد على هؤلاء نقول:

 إن التناول يعطي طهارة، ولا يعطي عِصمة...

ولا يوجد أحد معصومًا، مهما كان بارًا وقديسًا، ومهما اعترف وتناول. هو لا يزال تحت الضعف إلى آخر يوم في حياته، والضعف درجات تتفاوت من إنسان لآخر.

أما إكليل البر، فان الديان العادل يهبه للقديسين في ذلك اليوم (2 تي 4: 8) أي اليوم الأخير. حينئذ لا تكون خطية فيما بعد...

تناول إذن. وفي كل تناول تأخذ قوة. حتى إن أخطأت، يكون في قلبك استحياء من جهة الخطية، وندم عليها، وإدانة لنفسك.

أما حالة الاستهتار فإنها تمنع من التناول. وكذلك حالة اللامبالاة، وحالة العبودية للخطية، التي يتناول فيها الإنسان وهو مصمم على الرجوع للخطية. كلها صور تدل على عدم التوبة.

أما عن الصلح مع الآخرين، فقد أشار إليه الرب بقوله:

(إن قدمت قربانك إلى المذبح، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، فاترك هناك قربانك أمام المذبح. واذهب أولًا اصطلح مع أخيك..) (مت 5: 23، 24).

إذن الصلح مع الناس لازم للتناول. لأنك لا يمكن أن تتقدم إلى (ذبيحة الحب) وأنت خال من الحب. ولعلنا نذكر في هذا المجال أننا نصلي صلاة الصلح قبل البدء في قداس القديسين. ونقول في تلك الصلاة (اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا، ان نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير انطراح في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية).

إذن عدم المصالحة يطرح في دينونة، إذا تناول الإنسان.

فما معنى المُصالحة؟ وهل يلزم الصلح مع جميع الناس.

المُصالحة على الأقل تعني أن القلب خال من الخصام والكراهية. فان أمكن المصالحة بالفعل، وإرجاع علاقات المودة يكون هذا هو الوضع السليم والواجب. ولكننا في كل هذا، نتذكر قول الرسول:

(إن كان ممكنا، فحسب طاقتكم سالِموا جميع الناس) (رو 12: 18).

ذلك لأن هناك أنواعًا من الناس لا يمكن مسالمتهم. فالسيد المسيح لم يسالمه الكتبة والفريسيون والصدقيون والكهنة والناموسيون ورؤساء الشعب، أو غالبية هؤلاء. ولم يسالمه أولئك الذين أسلموه حسدًا. وما كان المطلوب منه أن يذهب أولًا ويصطلح مع هؤلاء لتكون صلته صافية مع الآب.

وبولس الرسول ما كان ممكنا أن يترك قربانه قدام المذبح، ويذهب أولًا فيصطلح مع اسكندر الحداد الذي فعل به شرورا كثيرة، وقاوم كلمة الله جدًا (2 تي 4: 14، 15).

لذلك قال الرسول في المصالحة ومسالة الآخرين (إن كان ممكنا وقال (حسب طاقتكم) ذلك لأن هناك حالات غير ممكنة...

لا يحسب عليك إن كان عدم المصالحة راجعًا إلى الآخرين، وليس إليك أنت. أو إن كان ذلك للفائدة الروحية...

فقد تحاول أن تعيش في سلام مع البعض، ولا تستطيع، بسببهم، وليس بسببك أنت. مثال ذلك الذين يحسدونك على تفوق فيك أو مواهب أعطاها الله لك، أو لشر في قلوبهم، كما حدث أن قايين حسد هابيل، ورؤساء اليهود حسدوا المسيح. وقد قال المرتل في المزمور (أكثر من شعر رأسي، الذين يبغضوني بلا سبب) (مز 69:4) فالذين يبغضونك بلا سبب، إن لم تستطع مصالحتهم فأنت معذور، ولا يمنعك هذا من تناول وكذلك الذين يضطهدونك (يو 16: 2).

كذلك هناك أناس تبتعد عنهم، خوف العثرة، حِرصًا على روحياتك.

كأولئك الذين ذكرهم المزمور الأول (مجالس المستهزئين، وطرق الخطاة). و(كالمعاشرات الردية التي تُفْسِد الأخلاق الجيدة) لا يلزمك أن تترك قربانك، وتذهب لتصطلح مع هؤلاء...

أما عن ترك قربانك قدام المذبح، وذهابك أولًا للصلح:

فهذا لازم في حالة من تكون قد أخطأت أنت إليه.

ولذلك يقول الرب (إن تذكرت إن لأخيك شيئًا عليك) هو له شيء عليك، أي انك أنت قد أخطأت إليه. هذا ينبغي أن تذهب وتصالحه وتطيب قلبه من جهتك قبل التناول، وتنفذ ما ورد في وصية الرب. وحتى إن كان قد أخطأ هو إليك، فاذهب وعاتبه (مت 18: 15) لإرجاع المحبة بينكما.

وعلى أية الحالات، أنت هنا واحد من اثنين: أما انك أنت المعتدى، أو معتدى عليك.

إن كنت مُعْتَدِيًا، اترك قربانك، وصالح أخاك، وأصلح خطأك.

وان كنت مُعْتَدَيًا عليك، عاتب لتصالح، أو على الأقل اغفر لأن هناك أصنافا من الناس لا ينفع العتاب معهم، وقد يأتي بنتائج عكسية، أو انهم في موقف لا يمكنك فيه الذهاب إليهم لكي تعاتبهم. هؤلاء على الأقل اغفر لهم، ولا تستبق في قلبك حِقدًا عليهم أو عداوة لهم...

وتذكروا قول الكتاب (اغفروا يُغْفَر لكم) (لو 6: 37).

هناك طلبة واحدة في الصلاة الربانية، لم يتركها الرب تمر يدون شرح، وهي (اغفر لنا كما نحن أيضًا) فقال (فانه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي وان لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم) (مت 6: 14، 15).

هذا من جهة المصالحة، أما من جهة الاستعداد الجسدي...

فيلزم أولًا الاستعداد بالصوم، ولا يعفى من ذلك إلا المرضى ومن في حكمهم، الذين لهم حالة خاصة لا يمكن معها الصوم.

والكنيسة تفترض أن يكون الإنسان صائما قبل التناول مدة لا تقل عن تسع ساعات، بحيث لا يأكل شيئا بعد منتصف الليل. وان حدث استثناء ما في هذه القاعدة، لسبب ملزم، يكون ذلك عن طريق أب الاعتراف، أو بسماح من رئاسة الكهنوت...

أما عن الطهارة الجسدية، فيلزم الامتناع عن المعاشرات الجسدية، والبعد عن سيل الجسد. وهكذا يكون الإنسان طاهرا بالجسد، كما يكون طاهرا بالروح. والوصايا كثيرة في الكتاب بخصوص هذا الموضوع، ليس مجالها الآن.

ولا نريد أن يمتنع أحد عن التناول بحجة عدم الاستعداد أو عدم الاستحقاق، إلا لو ذلك رغمًا عنه.

فلنحاول أن نستعد بالتوبة. والتوبة في أيدينا. التوبة عمل يحدث داخل القلب، فهو بإمكاننا إذن وليس خارجًا عنا. تستطيع الآن أن تستجيب لصوت الله داخلك، ولا تقس قلبك، وترجع إلى الله، مستفيدًا من كل التأثيرات الروحية التي تقدمها لنا روحيات أسبوع الآلام. الأمر في يديك، والكتاب يقول:

(إن سمعتم صوته، فلا تقسوا قلوبكم) (عب 3: 15).

فليراجع كل إنسان نفسه، ويرجع إلى الله، ويشترك في بهجة هذا اليوم المقدس، الذي تعتبره الكنيسة عيدًا، لكي يتناول في قداس الخميس الكبير أو خميس العهد، الذي أخذت كل قداسات السنة أصلها الأول منه.

وبكل نقاوة ممكنة، فلنحاول أن نتقدم للتناول...

لأنه ليس الجميع يستفيدون فائدة واحدة من التناول...

إنما حسب استعداد القلب من الداخل، هكذا تكون الفائدة.

إن الرسل كلهم، الذين تناولوا يوم الخميس الكبير، لم يخرجوا جميعهم بفائدة روحية واحدة. فأكثرهم حبا للرب، أعنى القديس يوحنا الحبيب، هو الوحيد الذي بعد التناول استطاع أن يتبع المسيح حتى الصليب، ويسمع كلمة منه، ويأخذ بركة...

وبطرس المتحمس، المندفع في حبه، تبع المسيح جزءا من الطريق، ولكنه لم يكمل، ثم أنكر الرب وندم... مع أن القديس بطرس كان قد تناول من الرب كما تناول يوحنا تمامًا...

أما باقي التلاميذ، فإنهم تناولوا أيضًا في نفس الوقت، ولكنهم هربوا ساعة القبض على الرب، ولم يسيروا معه ولا مرحلة من الطريق، إنما استسلموا لضعفهم.

يُذَكِّرنا هذا بالبِذار التي وقعت على أرض جيدة...

وأعطت كلها ثمرًا. البذار واحدة، والزارع واحد. ولكن البعض في أثماره أعطى ثلاثين، والبعض ستين والبعض مائة. ليتكم تجهزون قلوبكم، لكي تعطي هي أيضًا مائة.

وتذكروا باستمرار البركات العظيمة الناتجة عن التناول.

سواء التي وردت منها في الكتاب المقدس، أو التي وردت في صلوات القداس الإلهي. فهوذا الرب يقول في الإنجيل:

(أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن آكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد... مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي، فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير... مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت في وأنا فيه) (يو 6: 5، 54، 56).

وفي القداس الإلهي (يُعْطَى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه) ونقول أيضًا (نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا).

لماذا إذن نقصر في التقدم إلى هذه الطهارة، وهذا الخلاص والغفران، والثبات في الرب، والحياة الأبدية.

السيد المسيح، وهو ذاهب إلى الآلام، منح الكنيسة نعمة التناول وما ينتج عن التناول من بركات عديدة.

وفي نفس الوقت أقام بهذا السر عهدًا بيننا وبينه.

نعم، لقد دخلنا بالتناول في عهد مع الرب، انه كلما أكلنا وشربنا من هذه السرائر المقدسة، أن نبشر بموته، ونعترف بقيامته، وأن نذكره إلى أن يجيء.

نُبَشِّر بموته، أي بموته عنا، هذا الموت الذي نلنا به الخلاص والفداء، وأصبحنا مقدسين بدمه، وقد طهرنا هذا الدم من كل خطية (1 يو 1: 7) لأنه قال: خذوا اشربوا هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا (مر 14: 26) وفي هذه الآية وضح الرب أمرين:

1- أن دمه لعهد جديد، لذلك نقول (خميس العهد).

2- أنه أمر لمغفرة الخطايا، أي للخلاص.

إنه حقًا أمر مُفْرِح، يليق بنا أن نبشر به، أي نعلن لكل أحد عن هذا الخلاص الذي نلناه.

فهل نحن أمناء على هذا العهد...

هل نعتبر كل يوم عيد، قائلين: هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنبتهج فيه، كما نعتبر يوم الخميس الكبير هذا عيدًا...

وهل ندرك تمامًا، كيف طهرنا الرب بهذا الدم الذي يسفك لمغفرة الخطايا، وصيرنا به قديسين، كما في القداس:

القُدْسَات للقدسين...

لعل عبارة (القديسين) هذه، تبكتنا من الداخل، من جهة عدم استحقاقنا، وأيضًا تدفعنا إلى قدام لكي نسلك كما يليق بأناس قد قدسهم الرب بدمه وطهرهم من كل خطية...

إذن ما أجمل أن نبشر بموته، الذي وهبنا كل هذا.

عبارة أخرى دخلنا فيها في عهد الرب هي:

أن نذكر الرب، إلى أن يجيء...

ما معنى كلمة "نذكره"؟ هل معناها أن يكون الرب في أذهاننا باستمرار، كما يقول المرتل (جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع) أم معناها قول المرتل (محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي) أم معناها أن نذكر الرب في كل ما فعله من أجلنا: في إخلائه ذاته، وتجسده، وتعليمه، ومحبته، وآلامه، وصلبه، وقيامته، وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب... بكل ما تحمله هذه الذكريات من معان ومن روحيات.

أم المقصود أن نذكر كل هذا معًا، ونظل إلى أن يجيء.

وفي عبارة (إلى أن يجيء) إيمان بالمجيء الثاني للرب.

بما تحمله هذا الإيمان من انتظار لمجيء الرب، واستعداد لهذا المجيء، وسهر دائم في هذا الاستعداد لأنه (طوبى لأولئك العبيد الذين إذ جاء سيدهم يجدهم ساهرين) (لو 12: 37).

ولا ننس أيضًا أن التناول هو شركة للمؤمنين... يجمعهم كلهم بأيمان واحد، حول مائدة واحدة وكهنوت واحد.

فليعطنا الرب بركة هذا اليوم، وبركة هذا السر العظيم الذي لخلاصنا.

آمين.

 


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/good-thursday/repentance-communion.html

تقصير الرابط:
tak.la/8dad8qr